الادارة المشتركة لخور عبد الله

ان أهمية خور عبد الله تكمن في أنه الممر الملاحي الوحيد الذي يربط الموانئ العراقية بمياه الخليج العربي, كما أنه يعتبر الشريان الحيوي للعراق للاتصال بالعالم الخارجي عن طريق البحر, فضلا عن انه شريانا اقتصاديا استراتيجيا, فالعراق بدونه يعتبر من الدول القارية المغلقة بحريا.
قبل احتلال العراق للكويت عام 1990 ومارافقها من اندلاع حرب الخليج الثانية عام 1991, كان العراق يمد نفوذه بشكل كامل على خور عبد الله ولم يسجل للكويت أي اعتراض سواء عن طريق الجامعة العربية أو الأمم المتحدة, لكن بعد الحرب التي قادت الى اخراج العراق من الكويت وخضوع العراق بشكل كامل تحت طائلة البند السابع, والقرارات التعسفية التي أصدرها مجلس الأمن وفرضها بالإكراه على العراق, ومنها ترسيم الحدود البرية منها والبحرية.
أستغلت الكويت الأوضاع الشاذة التي مر بها العراق فسعت الى توسيع نفوذها في خور عبد الله على اعتبار ان الخور قد اعطت لجنة ترسيم الحدود نصفه للكويت ,  وكان هذا الاجراء دافعا للكويت فحاولت فرض نفوذها وسيادتها على خور عبد الله مستفادة من وضع العراق الواقع تحت طائلة البند السابع الذي افقده استقلاله وسيادته على أرضه ومياهه.
لقد دأبت البحرية الكويتية منذ ترسيم خور عبد الله مناصفة بينها وبين العراق, على الزام السفن المحلية والاجنبية المتوجهة الى الموانئ العراقية برفع العلم الكويتي, والحصول على الاذن المسبق من السلطات البحرية الكويتية بالدخول والمغادرة. وأيضا كانت تعترض سفن الصيد العراقية وتمنع أصحابها من مزاولة مهنة الصيد بحجة ان عملهم يقع ضمن منطقة المياه الاقليمية الكويتية, والملفت للنظر ان البحرية الكويتية في زمن النظام السابق وحتى مع اخضاع العراق لاحكام البند السابع لم تمارس أي عمل من شأنه يؤدي الى توتر الأوضاع بين البلدين. لكن بعد زوال النظام واخضاع العراق للاحتلال الامريكي أستغلت الكويت الاوضاع التي يمر بها العراق, مع غض النظر لمسؤولي الاحتلال الامريكي عن الاجراءات التي تتبعها الكويت في التضييق على النافذة البحرية العراقية الوحيدة المطلة على العالم عبر الخليج العربي.
عندما بادر العراق في وضع حجر الاساس لميناء الفاو الكبير على ضفاف خور الزبير الذي يرتبط بخور عبد الله, والطموح العراقي في جعل هذا الميناء من الموانئ المتقدمة في العالم حيث سيربط اوربا وشرق البحر المتوسط والهند ودول جنوب شرق اسيا والصين واليابان عن طريق الخليج العربي بشبكة من السكك الحديدية العابرة الى اوربا, حيث قدرت الطاقة الاجمالية لهذا الميناء ب 90 مليون طن من البضائع سنويا, وقد رصدت مبالغ لهذا المشروع تقدر بأكثر من 6 مليار دولار.
أما على الجانب الكويتي فعندما علمت الكويت بوضع العراق حجر الاساس لميناء الفاو الكبير , سارعت الى أعلانها أنشاء ميناء مبارك الكبير على الضفة الغربية لخور عبد الله والذي لا يبعد عن المشروع المقترح لميناء الفاو الا مسافة قليلة, لاسيما ان الميناء يقع على جزيرة بوبيان الغير مأهولة بالسكان أساسا, فضلا على انها  أرض ملحية , والكويت على صغر مساحتها تمتلك أربعة موانئ, ومساحة ساحلية تصل الى حدود 500 كم في حين ان مساحة العراق الساحلية لا تتجاوز 50 كم.  
لقد جاءت اتفاقية الادارة المشتركة لخور عبد الله بين العراق والكويت لمسعى العراق للخروج من أحكام البند السابع, لا سيما وانها تركت ( أحكام البند السابع )  مشكلات معقدة بين الجانبين في ترسيم الحدود البرية والبحرية والتعويضات والمفقودين. كما جاءت ايضا لإجبار العراق بقبول قرارات لجنة الامم المتحدة في ترسيم الحدود في خور عبد الله مناصفة بين البلدين الذي شكل الاساس لاتفاق حكومة البلدين في الدخول في اتفاقية تنظيم الملاحة في خور عبد الله. كما ان الاتفاقية أكتسبت أهمية خاصة كونها تصب باتجاه احترام حق المرور الملاحي المقررة في المواثيق والاتفاقيات الدولية, ودعم قطاع النقل البحري من خلال تنظيم حركة الملاحة البحرية في خور عبد الله.وقد جاء في بعض نصوص الاتفاقية الموقعة بين البلدين في 29 نيسان لعام 2012 ما يلي(1):
        1- عدم رفع اي علم آخر للسفن التي تحمل جنسية احد الطرفين المتعاقدين غير علم جنسيتها خلال مرورها في البحر الاقليمي للطرف الآخر عند ممارستها حق المرور الملاحي, اما السفن الأجنبية فإنها سترفع علم جنسيتها فقط. على ان تنطبق أحكام هذه الاتفاقية على مرور السفن الحربية وخفر السواحل لكلا الطرفين حيث سيعمل كل طرف على منع الصيادين من الوجود في الجزء الواقع في البحر الاقليمي التابع له من الممر الملاحي.
        2- كما سيتعاون الطرفان للمحافظة على البيئة البحرية من مخاطر التلوث مهما كان نوعه والعمل على مكافحته والتخلص من آثاره.
3- طرفا الاتفاقية  سيشكلان لجنة ادارة مشتركة برئاسة كل من وكيل وزارة النقل عن الجانب العراقي ووكيل وزارة المواصلات عن الجانب الكويتي وعضوية عدد متساو من المختصين من كلا الجانبين، حيث ستتولى هذه اللجنة مهام تنظيم وتنسيق الملاحة في الممر الملاحي في خور عبدالله ووضع خطة مشتركة لضمان سلامة الملاحة في الممر الملاحي والموافقة على أعمال الصيانة كالتوسعة والتعميق ووضع الدلائل الارشادية واعمال المسح الهيدروغرافي وانتشال الغوارق. وتكون تكاليف هذه الاعمال مناصفة بين طرفي الاتفاقية.
4- تحديد الممر الملاحي من نقطة التقاء خور عبد الله بالحدود الدولية ما بين النقطتين الحدوديتين رقم (156) و ( 175) باتجاه الجنوب الى النقطة (162) ومن ثم الى بداية مدخل خور عبد الله.





 
(1) عماد علو,  قراءة تحليلية في اسباب وتداعيات اتفاقية الادارة المشتركة لخور عبد الله بين العراق والكويت, شبكة عراق القانون, الخميس, 12/ 9/2011                                                                                                        qanon302.net


5- كما تنص الاتفاقية على ان الرسوم لا تستوفى الا مقابل الخدمات ,اما الايرادات الناشئة عن ارشاد السفن او اية خدمات اخرى وكذلك الخدمات التي يؤديها أي من الطرفين فتستوفى من قبل الطرف الذي يكون قد قام بارشاد السفن او قدم الخدمات المذكورة في الاتفاق(1).
الاعتراضات العراقية على بنود الاتفاقية:
ان توقيع الاتفاقية كما بينا كان الهدف منه هو مسعى العراق للخروج من أحكام البند السابع, كما بررت الحكومة العراقية الى توقيعها اتفاقية المشاركة في خور عبد الله هو لتجاوز الماضي, والرغبة الصادقة في اقامةعلاقات حسن الجوار بين العراق ومحيطه الاقليمي لا سيما دولة الكويت التي تدهورت علاقاتها بالعراق بشكل خطير أثر قرار احتلالها من قبل القيادة السياسية العراقية السابقة, من هنا كان العراق يسعى لاستثمار هذه العلاقات في المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية لتثبيت مكانته الاقليمية, وكذلك ليعزز الأمن والاستقرار في المنطقة.
الا ان هذه الاتفاقية لا تخلو من نقد وأعتراض بعض المتخصصين لا سيما أنها جاءت انتهاكا صارخا لحقوق العراق المشروعة في خور عبد الله, والاعتراضات التي سجلت على الاتفاقية منها(2):
1- ان الاتفاقية المشتركة لخور عبد الله جاءت تعبيرا لقرارات لجنة مجلس الأمن في ترسيم الحدود لا سيما القرار (687) لعام 1991, الذي لم يتضمن أية اشارة الى تخطيط الحدود البحرية في خور عبد الله, حيث ان منطقة خور عبد الله لا يمكن ان توصف من نفس طبيعة المياه البحرية الاقليمية, على أساس عملية تعيين الحدود التي أقرها القرار 687 بغية التمكين من تطبيق قواعد قانون البحار في تقسيم المناطق البحرية بين الدول التي تمتلك سواحل متقابلة او متجاورة.
2- ان اتفاقية تنظيم الملاحة في خور عبدالله لم تستند بشكل واضح كما أعلن إلى اتفاقية قانون البحار، لعام 1982 . وذلك لأن تعيين المنطقة البحرية ينبغي أن تعين على اساس آخر بدلا من الخط المار في الوسط عندما لا يكون هناك اتفاق بين الأطراف على خلاف ذلك. حيث أن قاعدة الخط الوسط سيجعل القناة الملاحية العميقة في الجانب الكويتي وهي التي قام العراق بحفرها في خور عبدالله على مدى سنوات مضت ومارس فيها نشاطا ملاحيا يدل عليه وجود عدد من موانئه في خور الزبير وخور عبد الله في وقت لم تمارس فيها الكويت عمليات ملاحية ذات معنى، وعليه فأن المنطقة، كما جرى التنويه عنها انفاً، تقع خارج اطار تطبيق قاعدة الخط المار في الوسط طبقا لاتفاقية قانون البحار لعام 1982.






 
(1) الرويمي كاظم , اتفاقية تنظيم الملاحة في خور عبد الله, وكالة انباء البصرة, تاريخ النشر : 22/ 11/  2012              
Albasrahnews.com  
 (2) عماد علو, مصدر سابق

3- أن اتفاقية تنظيم الملاحة في خور عبد الله شكلت انكارا خطيرا لحق العراق التاريخي في التمتع بمنفذ حر الى البحر من خلال عمليات ملاحية آمنة وغير مقيدة في هذا الخور وذلك بسبب اتاحتها المجال واعطائها الحق للكويت بالتدخل في النشاط الملاحي من والى الموانئ العراقية.
     4- ان اتفاقية تنظيم الملاحة في خور عبد الله شكلت اطارا شرعيا  للإنتقاص من سيادة العراق على مياهه الاقليمية التي كانت تمتد لسواحل جزيرة بوبيان .
     5- ان اتفاقية تنظيم الملاحة في خور عبد الله جاءت كأعتراف بالأمر الواقع بالنسبة للظروف الملاحية التي فرضتها الكويت من خلال استثمارها نتائج الاحتلال الامريكي للعراق في 2003 وبنائها لميناء مبارك الكبير دون التشاور مع العراق ، كونه بالتالي سيؤثر على تحديد الخط الاساس لقياس وتحديد المياه الاقليمي للكويت والعراق بحسب اتفاقية قانون البحار لعام 1982.
6- ان تعبير الادارة المشتركة الذي ورد في الاتفاقية سلب السيادة العراقية على خور عبدالله ومنح الكويت حقوقا سيادية في الخور لم تكن تتمتع بها قبل ذلك.
ايداع الاتفاقية لدى الأمم المتحدة:

أودعت كل من العراق والكويت وثيقة الاتفاقية الموقعة بينهما بخصوص تنظيم الملاحة في خور عبد الله بعد ان صادق عليها كل من الطرفين المتعاقدين لدى الأمم المتحدة , وقد أودعها كل من المندوب الدائم لدولة الكويت لدى الأمم المتحدة ونظيره العراقي محمد على الحكيم. ونقل عن السفير العتيبي قوله ان أمين عام الأمم المتحدة أكد أهمية الاتفاقية لأنها تعيد تأكيد التزام الدولتين بالقرار 833 الصادر عن مجلس الأمن عام 1993 والخاص بترسيم الحدود الدولية بين البلدين واحترام القانون الدولي المتعلق بالملاحة الدولية.

وأكد العتيبي تصميم قيادة البلدين على الارتقاء بالعلاقات الثنائية وتعزيزها وتطويرها في مختلف المجالات وبما يخدم مصالح شعبي البلدين. أما المندوب العراقي السفير محمد الحكيم فقد شدد من جهته على ان لا رجعة عن تطوير العلاقات مع دولة الكويت في جميع المجالات, ورأى ان اتفاقية تنظيم الملاحة البحرية بين البلدين على أساس قرارات الأمم المتحدة خاصة القرار 833, وقال ان الاتفاقية تساعد على تسهيل عملية مرور البواخر وحركة السير في الخور, مشيرا الى ان العلاقات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية مستمرة بشكل كامل بين البلدين(1).

Previous Post Next Post