شهر الإعسار ( الحجر على المدين المفلس ) :
في البداية نقول إن هناك فرقا بين الإعسار المدني والإفلاس التجاري؛ وذلك لأن الإعسار نظام مدني يطبق على المعاملات المدنية بينما الإفلاس نظام تجاري يطبق فقط على التجار سواء كانوا من الأفراد الطبيعيين أو الشركات ذات الشخصية المعنوية .
موقف الأنظمة من نظامي الإفلاس والإعسار :
انقسمت الأنظمة القانونية في هذه المسألة إلى ثلاثة فرق : 
الفريق الأول : يرى أنصار هذا الفريق أن لا فرق بين كل من نظام الإفلاس التجاري والإعسار المدني وأن المدين تاجرا كان، أو غير تاجر خاضعا لنظام واحد هو الإفلاس التجاري والإعسار المدني ومن الدول التي أخذت بذلك ألمانيا   إنجلترا، السويد ، النرويج ، الدنمارك وفلسطين.
الفريق الثاني : نظم الإفلاس التجاري تنظيما دقيقا كاملا وترك الإعسار المدني دون تنظيم محيلا في ذلك إلى إجراءات الحجز المعتادة وجعلت خضوع المدينين المعسرين إلى هذا النظام اجباريا اذا رغب في ذلك مقدما وسجل اسمه في سجل خاص مما جعلهم خاضعين إلى نظام الإفلاس بصفة إلزامية رغم عدم كونهم تجارا وقد أخذت بهذا النظام سويسرا .
الفريق الثالث : نظم الإفلاس والإعسار تنظيما دقيقا كاملا كلا على  حدة في تنظيم مستقل استقلالا تاما عن الآخر بحيث يسير كل منهما ؛ وفقاً لمقتضيات الأمور التي وضع من أجلها؛ ذلك لأن التاجر المفلس غير المزارع المفلس وسواء كان ذلك الاستقلال من حيث الاثبات او المحكمة او الجهة المختصة بنظر دعواه ومن هذه النظم اسبانيا ، مصر ، والأردن ,  والمملكة العربية السعودية ؛ حيث ضمت أحكام الإفلاس في المواد من 103 إلى 137 من نظام المحكمة التجارية بينما الإعسار يخضع للقواعد العامة في الشريعة الاسلامية وفقا لمذهب الامام أحمد بن حنبل الذي يأخذ به القضاء في المملكة العربية السعودية .
        ولم يقم فقهاء الشريعة الإسلامية أية تفرقة بين كل من الإفلاس التجاري والإعسار المدني حيث جرى البحث في هذا الموضوع في باب الحجر  ( الحجر لحظ الغير ) ؛ أي الحجر على المدين المفلس رغم ما ورد في القرآن الكريم من قوله تعالى ( وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة ) الآية 280 من سورة البقرة  ولذلك يمكن القول أن المفلس هو من لا مال له يدفع به حاجته، أو بمعنى أوضح من كانت ديونه أكثر من ماله. والإفلاس بالمعنى القانوني التجاري هو توقف التاجر عن دفع ديونه التجارية في مواعيد استحقاقها سواء كان المدين موسرا، أو معسراً كثرت أمواله أم قلت .
مقارنة بين الإفلاس التجاري والإعسار المدني:
يشترك النظامان معاً في الخصائص الآتية :

أولاً :  لا يجوز لأحد الدائنين أن ينفرد دون الباقي في الاستئثار بمال المدين ؟
ثانياً : غل يد المدين ( الحجر عليه ) عن التصرف في أمواله من تاريخ شهر الإعسار ، كما تغل يد المدين التاجر عن التصرف في أمواله من تاريخ التوقف عن الدفع أي الفترة السابقة عليه والتي تسمى فترة الريبة التي تسبق شهر الإفلاس .
إلا أنهما يختلفان معاً في أن الإعسار المدني لا توجد به تصفية جماعية يقوم بها السنديك ممثلاً لاتحاد الدائنين كما هو الحال في الإفلاس التجاري ، كما أن اجراءات التنفيذ على أموال المدين في الإعسار المدني تكون إجراءات فردية ينفرد بها كل دائن على حده .
الاختصاص القضائي بنظر دعاوى الإفلاس والإعسار :

أن النظم القانونية التي نظمت كل من الإعسار والإفلاس كل على حدة وعلى استقلال تام وقد جعلت الاختصاص بنظر دعاوى الإفلاس للمحاكم التجارية بينما نظر دعاوى الإعسار من اختصاص المحاكم المدنية وإذا كان النظام القانوني لا يفصل في الاختصاص بين القضاء التجاري والمدني فإن الاختصاص بالإفلاس يكون للدائرة التجارية بينما تنظر الإعسار الدائرة المدنية ، وفي المملكة العربية السعودية إذ يفرق النظام السعودي بين كل من الإفلاس والإعسار؛ حيث نص على الأول نظام المحكمة التجارية، الصادر بالأمر السامي رقم 32 تاريخ 15 محرم 1350 هـ ( المواد من 103 إلى 137 ) ، وجعل الاختصاص بنظر قضايا الإفلاس للمحكمة التجارية ثم أحيلت إلى هيئات حسم المنازعات التجارية وأخيراً أنيط الاختصاص بديوان المظالم الدائرة التجارية، وذلك على أثر نقل اختصاص  هيئات حسم المنازعات بتاريخ 1-7-1408 هـ إلى ديوان المظالم بما في ذلك قضايا الإفلاس ، في الوقت الذي ما زال الاختصاص بقضايا الإعسار من اختصاص المحاكم الشرعية في المملكة والتي تطبق الأحكام الشرعية العامة في الشريعة الإسلامية والنظام القانوني الفلسطيني لا يفصل في الاختصاص بين القضاء التجاري والمدني فالمحاكم المركزية هي صاحبة الاختصاص الأصلي إلى جانب محاكم الصلح  .        
والإعسار نوعان : إعسار حقيقي ، وإعسار فعلي :
فالإعسار الفعلي حالة واقعية تنشأ عن زيادة ديون المدين ( الحالة والمؤجلة)  ما دامت محققة الوجود. 
أما الإعسار القانوني فهو حالة قانونية تنشأ عن زيادة ديون المدين المستحقة الأداء كحالة قانونية منظمة، ولم تنظم القوانين العربية في أغلبها إلا الإعسار القانوني ومن ذلك التقنين المدني المصري والسوري والعراقي أما القانوني اللبناني فقد ترك نهائيا تنظيم الإعسار مثل القانون الفرنسي والليبي .
شروط طلب الإعسار :
1.                أن يكون دين المدين محقق الوجود غير متنازع عليه.
2.                أن يكون الدين حالا.
3.                 ألا يكون لدى المدين ما يكفي لسداد ما عليه من الديون.

الإثبات في كل من الإفلاس والإعسار :
يثبت الإعسار بشهادة شاهدين عادلين يشهدان أن المدين غير قادر على الوفاء بما عليه من الديون وأنه لا يملك من الأموال ما يكفي لسدادها ويجوز إثبات ذلك بكافة طرق الإثبات الشرعية كالبينة على أن أموال المدين قد هلكت وتلفت وتكون هذه البينة أيضا صالحة لإثبات الإعسار أما الإفلاس التجاري فهو يكفي فيه إثبات توقف التاجر عن دفع ديونه المستحقة بأي طريقة من طرق الإثبات ونظرا لأن الإثبات في الإعسار والإفلاس هو إثبات وقائع مادية فان للمحكمة الحرية الكاملة في الأخذ بشهادة الشهود والقرائن وأن تحكم بالإفلاس، أو الإعسار          أو تطرحها به ولا معقب على المحكمة في ذلك .
على من يقع عبء الإثبات في دعوى الإفلاس والإعسار :
يقع الإثبات كقاعدة عامة على المدعي وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم     ( البينة على من ادعى واليمين على من أنكر ) أذن فإن المدعي أيا كان عليه اثبات ما يدعيه وللمدعي عليه حق رد هذه الدعوى أيضاً بكافة طرق الإثبات .
ممن ترفع دعاوى الإعسار أو الإفلاس :
يتفق النظامان أن دعوى كل منهما يمكن رفعها بواسطة المدين، أو الدائنين ويختلف الإفلاس عن الإعسار في أنه يجوز للنيابة العامة كما يجوز للمحكمة من تلقاء نفسها ان ترفع دعاوى الإفلاس، أما في المملكة العربية السعودية فان دعاوى الإعسار أو الإفلاس لا تسمع إلا من المدين المعسر، أو الدائنين، والأصل أن الدعوى ترفع من دائني المدين وذلك للمحافظة على أمواله تمهيدا؛ لاتخاذ الإجراءات النظامية في مواجهته؛ للتنفيذ عليها وبيعها ولكن هناك أحوال وأسباب قد تدعو المدين نفسه إلى أن يتقدم بطلبه إلى الجهات المختصة؛ لإشهار إفلاسه     أو إعساره، ومن هذه الأسباب :
1- إذا أثقلته الديون وذلك حتى يستطيع الحصول على منحه آجالا للديون الحالة ومد الأجل للديون المؤجلة ؛ وذلك حتى يتمكن من تسوية حالته المالية في هدوء واطمئنان .
2- إذا كان المدين غارقا في الدين وتنهال عليه الحجوز من كل جانب وقد حجزت إيراداته فمنع مورد رزقه فيعمد إلى طلب شهر إعساره؛ حتى يستطيع الحصول على نفقة يقتات منها إلى أن تتم تصفية أمواله
3- كذلك إذا رفعت عليه دعوى من أحد دائنيه فإنه يطلب شهر إعساره؛ ليتفادى الحبس.
أحدث أقدم