السياسة النقدية الأسس والأهداف
طالما أن السياسة النقدية ما هي إلا مظهر من مظاهر السياسة الاقتصادية فإنها تسعى في الواقع على إدراك نفس أهدافها، و رغم ذلك يبقى للسياسة النقدية أهدافها الخاصة التي تميزها عن غيرها من السياسات الأخرى، كما أنها تقوم على أسس خاصة بها.
أولا: أسس السياسة النقدية:
تختلف أسس السياسة النقدية من دولة إلى أخرى وذلك حسب مستويات التقدم والتطور في النظم الاقتصادية والاجتماعية للمجتمعات المختلفة. فمثلا في الدول الرأسمالية الصناعية المتقدمة تتركز هذه السياسات بالدرجة الأولى في المحافظة على التشغيل الكامل للاقتصاد من أجل الاستقرار النقدي الداخلي وذلك لمواجهة التقلبات الاقتصادية المختلفة، وتنتهج هذه الدول بعض السياسات النقدية الكمية كالسوق المفتوح أو تعديل سعر الفائدة أو تغيير نسبة الاحتياطي لدى البنوك[1]، إلا أن السياسة النقدية لا تعد كافية، في تحقيق جميع الأهداف مما قلل من أهميتها وزاد الاعتماد على السياسة المالية وذلك لأن هناك حدود لا تتجاوز الدولة في مجال خفض أسعار الفائدة أو زيادة عرض النقود.
كما أن أسس السياسة النقدية في الدول السائرة في طريق النمو تكمن في الأهداف الأساسية لسياساتها الاقتصادية ومنها السياسة النقدية التي تنحصر في خدمة أهداف التنمية وتوفير التمويل اللازم لها، ويقلل من دور السياسات النقدية في توفير الموارد المالية لاختلال الهيكل الإنتاجي لتلك الدول وخاصة عنصر العمل وتخلف النظام المصرفي وقلة تأثيره فضلا عن قلة المؤسسات المالية غير المصرفية.
ثانيا: أهداف السياسة النقدية و قنواتها:
هناك أهداف نهائية و أهداف وسيطية للسياسة النقدية:
1- الأهداف النهائية:
إن الهدف العام للسياسة النقدية مثل السياسة الاقتصادية وهو تحقيق نمو حقيقي دون تضخم مع توازن في ميزان المدفوعات الخارجية ومع توزيع أمثل لموارد المجتمع. ونجد هذه الأهداف في البلاد العربية نتيجة استقرار التشريعات تدور حول العناصر التالية[2]:
-     تحقيق الاستقرار النقدي لمحاربة التضخم؛
-     ضمان قابلية صرف العملة والحفاظ على قيمتها الخارجية؛
-     تشجيع النمو الاقتصادي؛
-     المساهمة في إنشاء أسواق مالية ونقدية متطورة؛
-     دعم السياسة الاقتصادية للدولة؛
-     تحقيق التوازن الداخلي والخارجي.
هذه الأهداف في الدول الصناعية تقتصر على هدف واحد يتمثل في استقرار الأسعار أي استهداف التضخم.
2- الأهداف الوسيطية:
تعبر هذه الأهداف عن تلك التغيرات النقدية التي يمكن عن طريق مراقبتها و إدارتها الوصول إلى تحقيق بعض أو كل الأهداف النهائية، و يشترط في الأهداف الوسيطية أن تستجيب لما يلي:
-       وجود علاقة بينها و بين الأهداف النهائية؛
-       إمكانية مراقبتها بما للسلطات النقدية من أدوات.
أ- المجمعات النقدية:
هي عبارة عن مؤشرات إحصائية لكمية النقود المتداولة وتعكس قدرة الأعوان الماليين المقيمين على الإنفاق وهي تضم وسائل الدفع لدى هؤلاء الأعوان. يرتبط عدد هذه المجمعات بطبيعة الاقتصاد ودرجة تطور الصناعة المصرفية والمنتجات المالية، كما تعطي هذه المجمعات معلومات للسلطات النقدية عن وتيرة نمو مختلف السيولات، وقبل الوصول إلى تحديد هذه المجمعات ومستوياتها لابد من الحديث عن طلب وعرض النقود.
* الطلب على النقود: من أجل تحديد المستوى الملائم للكتلة النقدية، لابد من تحديد المستوى المرغوب من المقبوضات للاحتفاظ به بدلالة أهداف التضخم والنمو كما ينتج الطلب على النقود من الحاجة إلى الحصول على مقبوضات نقدية سواء للقيام بالمشتريات العادية أو لتكوين الاحتياطات، كما أن كينز يميز بين ثلاثة دوافع للطلب على النقد منها:( دافع المعاملات، دافع الاحتياط، دافع المضاربة)*، إذن يتكون الطلب الإجمالي على النقد من:
الطلب الإجمالي على النقد = الطلب للقيام بالمعاملات + الطلب بدافع الاحتياط+ الطلب بدافع المضاربة
ورياضيا:      الطلب على النقد = دالة (الدخل،سعر الفائدة)
*عرض النقود: يرتكز هذا المفهوم حول عملية تحليل الكتلة النقدية عن طريق تحليل ثلاثة أنواع من الحسابات.
§       المسح أو الوضع النقدي: هو وسيلة تمكن من القيام بتحليل المجمعات النقدية المتأثرة بسلوك السلطات النقدية والمؤثرة بدورها في المجمعات الاقتصادية الأخرى، وتتم العملية بدمج بيانات الميزانية العمومية للبنوك التجارية مع الميزانية العمومية للسلطات النقدية وتوحيدها في أصناف قليلة حيث تظهر حركة النقود وأشباه النقود، ويهدف المسح النقدي إلى المساعدة على تحليل المتغيرات النقدية الكلية التي تتأثر بتدخلات السلطة النقدية، ويتكون المسح النقدي من:
صافي الأصول الأجنبية = ∑ الأصول الأجنبية من العملات الصعبة والذهب – الخصوم الأجنبية للبنوك التجارية والبنك المركزي.
الائتمان المحلي = صافي المطالب على الحكومة + القروض المقدمة للقطاع الاقتصادي
النقد = العملة المتداولة خارج الجهاز المصرفي + الودائع تحت الطلب
شبه النقد = الأصول السائلة غير النقود [الديون – التزامات المؤسسات المالية] وهي أصول يمكن تحويلها بسرعة إلى نقود.
§       حساب البنك المركزي: يظهر أنشطة البنك المركزي حيث تتضمن الخصوم العملة المتداولة خارج الجهاز المصرفي، الاحتياطات البنكية، الالتزامات الخارجية، ودائع الحكومة، أما الأصول فتتضمن حساب المتحصلات الخارجية، الحقوق على الحكومة والبنوك التجارية.
§       حسابات البنوك التجارية: تتضمن ملاحظات لأنشطة المؤسسات التي تشمل عنصر الودائع المؤثرة في تكوين عرض النقود. الخصوم تتضمن الودائع بمختلف أنواعها (الالتزامات الخارجية، قروض البنك المركزي) أما الأصول تتضمن (الاحتياطات، المتحصلات الخارجية، الحقوق على الحكومة، القروض المقدمة للهيئات الرسمية، الحقوق على القطاع الاقتصادي، الإنتاج...الخ) 
·       المضاعف النقدي: هو عملية لتكوين الكتلة النقدية بدلالة المتغيرين: التوسع الثانوي في عرض النقود عن طريق البنوك التجارية التي تتلقى الودائع وتعيد إقراضها مما يؤدي إلى مضاعفتها، و التكوين الأول للنقود المركزية، الذي ينخفض بزيادة التزامات البنك المركزي تجاه الجمهور.



الجدول رقم 1-1: المسح والوضع النقدي للجزائر 1991-1997                      الوحدة مليون دينار
البيان           السنوات
ائتمان إلى 12مكتب(1)
-
-
-
57.7
185.9
231
69.1
بنود أخرى صافية (2)
93.8-
131.8-
140.2-
111.1-
194.0-
276.3-
411.5-
النقود وشبه النقود M2
416.2
515.9
627.0
723.7
799.6
915.0
1084.2
النقود
325.9
369.7
446.5
476.0
519.1
589.1
672.8
شبه النقود
90.3
146.2
180.5
247.7
280.5
326
411.4
ودائع الصندوق الوطني للادخار
98.2
118.2
132.0
141.9
148.9
165.4
177.9
الالتزامات السائلة M3
514.4
634.1
759.0
865.6
948.5
1080.4
1262.1
 (1)  تشمل الشركة الوطنية للسكك الحديدية، شركة سونلغاز، وشركات عاملة في استيراد الأغذية.
(2) يقضي ذلك جزء من متحصلات إعادة هيكلة الدين التي لم تسجل لحساب الخزينة بل جمدت في حساب خاص ببنك الجزائر.
المصدر: عبد المجيد قدي، المدخل إلى السياسات الاقتصادية الكلية، مرجع سبق ذكره، ص 67.
ب- سعر الفائدة:
تتخذ السلطة النقدية من معدل الفائدة الحقيقي هدفا وسيطا لها، إلا أنها تطرح مشاكل عديدة من بينها طبيعة العلاقة بين معدلات الفائدة طويلة وقصيرة المدى والنقود، والمشكل في اعتماد سعر الفائدة كهدف وسيط للسياسة النقدية، هو أن أسعار الفائدة تتضمن مشكل الوقوع في التضخم مما يفقد أسعار الفائدة الحقيقية أهميتها كمؤشر.كما أن التغيرات في سعر الفائدة لا تعكس في الواقع نتائج جهود السياسة النقدية وحدها، وإنما أيضا عوامل السوق.
ج-سعر الصرف:
يستخدم كهدف للسلطة النقدية، وذلك أن انخفاض أسعار الصرف يعمل على تحسين وضعية ميزان المدفوعات كما أن استقرار هذا الأخير (سعر الصرف) يشكل ضمانا باستقرار وضعية البلاد اتجاه الخارج. ولهذا تعمل بعض الدول على ربط عملتها بعملات قوية قابلة للتحويل والحرص على استقرار صرف عملتها مقابل تلك العملات، مما يؤدي إلى عدم القدرة على السيطرة والتحكم في هذا الهدف، مما يدفع السلطات النقدية إلى التدخل في التأثير على سعر الصرف واستعمال ما لديها من احتياطات محاولة منها المحافظة على قيمة عملتها اتجاه العملات التي ترتبط بها، دون ضمان النجاح وهذه تكلفة مقابل اختيار هدف استقرار سعر الصرف.

3- قنوات إبلاغ السياسة النقدية:
إن اختيار الأدوات الملائمة التي تمكن من تحقيق أقصى النتائج يفترض وجود علاقة متينة بين الأهداف المتوخاة وهذه الأدوات، وهذا يحيل إلى النظريات الاقتصادية وإلى القوانين التي تعدها حول المنظومة الاقتصادية والتي تخبر عن الميكانيزمات أو قنوات نقل الدوافع النقدية إلى الاقتصاد. ومن المهم أن يدرك أصحاب القرار في مجال السياسة النقدية وخاصة أصحاب القرار في مجال السياسة الاقتصادية،  كيف وعن طريق أي قناة ترسل قراراتهم نحو الاقتصاد والتي اتخذوها عن طريق استعمال الأدوات، لكي يتمكنوا من التأثير على الاقتصاد ومن ثمة إنجاز أهدافهم النهائية؟.
أ-قناة سعر الفائدة:
        هي قناة تقليدية لانتقال أثر السياسة النقدية إلى هدف النمو[3]، ذلك أن السياسة النقدية التقليدية تعمل على ارتفاع أسعار الفائدة الاسمية مما يعمل على ارتفاع سعرها الحقيقي ومنه ارتفاع تكلفة رأس المال.كما تعتبر قناة سعر الفائدة من حيث المبدأ أهم قناة لأن الأمر يتعلق بسعر النقود التي هي محل المعاملات المصرفية (الإقراض،  الاستدانة)، وككل فإن تغير الفائدة له انعكاسات على طلب القروض وعرضها. وتكمن الآلية الأساسية في إعادة تمويل البنوك التجارية لدى البنك المركزي تدفع له السعر المطلوب أو سعر الفائدة الذي يسمى سعر إعادة التمويل، وإذا أراد البنك المركزي انتهاج سياسة نقدية مقيدة، فإنه يرفع من نسبة إعادة التمويل[4].
وعلى الرغم من الأجهزة المعتمدة في الجزائر لتشجيع الاستثمار، والتخفيض المعتبر لأسعار الفائدة الحقيقية لتحسين شروط تمويل الاقتصاد، مازال عرض القرض محددا، وهكذا فإن سعر الفائدة يخلو من الفعالية في إرسال إرشادات السياسة الاقتصادية ويبدو أنه لم ينتج أي أثر إلا القليل منه، على سلوك الأعوان الاقتصادية.
ب-قناة سعر الصرف:
يستخدم كهدف للسلطة النقدية ذلك أن انخفاض أسعار الصرف يعمل على تحسين وضعية ميزان المدفوعات كما أن استقرار هذا الأخير يشكل ضمانا لاستقرار وضعية البلاد اتجاه الخارج، و لهذا تعمل بعض الدول على ربط عملتها بالعملات القوية قابلة للتحويل و الحرص على استقرار صرف عملتها مقابل تلك العملات وعدم القدرة على التحكم في هذا الهدف، تدفع السلطات النقدية إلى التدخل في التأثير على سعر الصرف، و استعمال ما لديها من احتياطات للمحافظة على قيمة عملتها اتجاه العملات التي ترتبط بها، و هذه تكلفة مقابل اختيار هدف استقرار سعر الصرف.
ج- قناة الائتمان:
وبدورها تنقسم هذه القناة إلى قناتين هما [5]:
·       قناة الإقراض المصرفي: حيث يؤدي انخفاض العرض النقدي إلى انخفاض في حجم الودائع لدى المصارف ومنه ينخفض الائتمان المصرفي الممكن تقديمه مما يقلل من الاستثمار و يحد من النمو.
· قناة ميزانية المؤسسات: إن انخفاض عرض النقود يؤدي إلى انخفاض في صافي قيمة المؤسسات، والضمانات التي يمكن للمقرضين تقديمها عند الإقراض. وبالتالي يؤدي إلى ارتفاع سعر الفائدة إلى تخفيض التدفقات النقدية نحو المؤسسات الصغيرة، وبالتالي تزداد مخاطر إقراضها وهو ما يؤثر على استثمار القطاع الخاص.


[1]  د. بلعزوز بن علي، مرجع سبق ذكره، ص ص112- 113.
[2]  عبد المجيد قدي، مرجع سبق ذكره، ص 54-57.
*دافع المعاملات: هو أن يرغب الأعوان الاقتصاديون في الاحتفاظ بمقدار من النقود في شكل سائل لمواجهة نفقاتهم العادية والطلب بدافع المعاملات هو دالة في الدخل ذات ميل موجب.
دافع الاحتياط: يعني أن النقود تطلب بغرض مواجهة الطوارئ، والطلب على النقود بغرض الاحتياط هو دالة كذلك في الدخل ذات ميل موجب. دافع المضاربة: تكون النقود مخزنا للقيمة، ويحتفظ الأفراد بنقود سائلة لمواجهة احتمالات المستقبل الناجمة عن ارتفاع معدلات الفائدة، والطلب على النقود لأغراض المضاربة هو دالة في أسعار الفائدة ذات ميل سالب.

[3]  د. عبد المجيد قدي، مرجع سبق ذكره، ص 77.
[4]  تقرير المجلس الوطني والاجتماعي حول نظرية عن السياسة النقدية في الجزائر، الدورة العامة السادسة والعشرون، جويلية 2005، ص 16.
[5]  د. عبد المجيد قدي، مرجع سبق ذكره، ص 79.
أحدث أقدم