البحث اللغوي عند الرومان

توطئة 

       اتصل الرومان في وقت مبكر بالثقافة الهيلنية في إيطاليا وما جاورها من مستعمرات وعن اليونانين اقتبسوا نظام كتابتهم حوالي القرنين الثالث والثاني قبل الميلاد وهي الفترة التي دانت فيها أوربا للحكم الروماني بعد أن بسط الرومان نفوذهم على أرض شاسعة فيها، وتبنت الدولة رسميا الديانة المسيحية إضافة إلى اليهودية والحقيقة أن الرومان قد اعترفوا عن طيب خاطر بقيمة الأعمال الفكرية والانجازات العلمية التي حققها أسلافهم اليونانيون[1]
الترجمة اللغوية
         اهتم الناس في تلك الفترة بالكتاب المقدس وكان قطب الرحى عليه مدار كل     الاهتمامات فترجم العصر القديم إلى اللغة اليونانية من طرف علماء يهود، ثم مست الترجمة الأدب الإغريقي الذي نقل إلى اللاتينية بشكل منظم ابتداء من القرن 4 ق م بل اضطر الشعراء في تلك المرحلة إلى اقتباس النظام العروضي من اللغة اليونانية إلى اللاتينية مكيفين إياه مع طبيعة هذه اللغة في نظمها .
التعدد اللغوي
 يكفي أن ينشر إلى ما أشار إليه "أوليوس جيلوس "من أن "ميترداس" ملك "بونتوس" حوالي  سنة 63 ق م ،كان قادرا على محادثة رعاياة بكل اللغات التي ينطقون بها، وقد بلغت زمنه 20 جماعة لغوية.
النظرية اللغوية[2]
       يمكن القول بدون مبالغة  أن الرومان كانوا تلاميذ أوفياء لأساتذتهم الأغريق،وأ غلب ما وصلنا يدل على أن الرومان قد طبقوا أغلب المقولات اللغوية اليونانية في وصفهم للغتهم اللاتينية[3]، وحوالي 27 ق م أطلع الرومان واضح على آراء مدرسة الإسكندرية والرواقية وهذا ما يظهر جليا في العمل الضخم الذي قدمه اللغوي والفيلسوف الروماني "فارو" في كتابه "اللغة اللاتينية" وهو مؤلف من 25 مجلدا وصل منها خمسة أجزاء من الخامس إلى 10 وقد كان فاروا رواقيا إلى حد بعيد ،ومتأثرا بآراء أستاذه "ستيلو" ،كما يظهر تأثره "بديونسيوس ثراكس في تعريفه للقواعد فهو يقول : "هي المعرفة النظامية لاستعمال معظم الشعراء والمؤرخين والخطباء" وأبرز ما قدمه هذا العالم تقسيمه للدراسة اللغوية إلى: الاتيمولوجيا والصرف والنحو ففي اللغة ثروة مفرداتية ناشئة عن أنواع من الاشتقاق هي التي أوجدت هذا الزخم الكبير من الألفاظ وتغير الصيع عبر التاريخ عائد إلى الاقتراض اللغوي بين اللاتينية والاغريقية ، بل عائد إلى أصول أوربية وهذا ما لم يكن معلوما على الاطلاق في تلك الفترة.
أما موقفه من ظاهرتي الشذوذ والإطراد فهو وجوب التسليم بهما معا في اللغة ذلك أن اللغة تنحو منحى براغماتيا فما هو مهم للإنسان تكون له أكثر من لفظة ،وما يفقد أهميته عكس ذلك ففي اللغة اللاتينية مثلا يميزون بين جنسي الحصان والفرس فلكل منهما صيغة وكذلك الحمام أما الغراب مثلا –فلا نجد له إلا اسما واحد  يطلق على المذكر  والمؤنث .
كما قسمت الكلمة إلى أربعة أقسام مع مراعاة الثنائية (حالة /زمن) وهي :
1-قسم ذو تصريف حاله                      الاسم والصفة
2-قسم ذو تصريف زمن                      الفعل
3-قسم ذو تصريف حالة +زمن              البرتسيل
4- قسم دون تصريف حالة + زمن          الظرف
ويمكننا التعرف على شخصيته لغوية مرموقة في تلك الفترة هي شخصية "كونتيليان" عاش في ق 1 م الذي اعتبر القواعد مدخلا تمهيديا لفهم الأدب في إطار المعرفة العقلانية كما ناقش  نظام الحالة في اللغة اللاتينية والذي يمثله الفعل المضارع، أما برسيان (1) فهو المسؤول ورفاقه من علماء العصر الكلاسي على ظهور  النحو التعليمي  للغة اللاتينية والذي ظل مدروسا بشكل هام عبر فترات ممتدة إلى مرحلة القرون الوسطى ، ويتلخص جهده في كتاب يقع في 12 جزءا عكس فيه المنظومة القواعدية اللاتينية المتأثرة بجهود اليونانين وخاصة منهم الرواقيين ،والحق أن المعرفة بكل فروعها كانت ثابتة في نقطة واحدة تنظر للماضي باختباره أنموذجا يجب احتذاؤه فغلبت بذلك النظرة المعيارية في مجالات الثقافة والفنون والآداب والقواعد ...وراح العلماء يجهدون أنفسهم في شرح وتلخيص ما تركه الأوائل كما نسجل في هذه المرحلة بدايات الأعمال المعجمية خاصة وأن اللاتينية الموصوفة في أعمال برسيان ودوناتوس تبدلت تدريجيا  وهو ما ظهر في عمل ديني مترجم للكتاب المقدس من طرف الأب جبروم [4].



[1] -  - Mourice Leroy ,les grands courents de la linguistique moderne ,Bruxelles ,1970 ;p3-13
 Louis Kuknheim , ctribution a la grammaire  greque et hebraique a l epoque de la renaissance ,Lidan ,1951 , p-[2]
[3] -محمد الحناش ، البنيوية في اللسانيات ،ص62.
[4] -مدخل إلى علم اللسان الحديث ، ص50.
Previous Post Next Post