الدرس اللغوي في القرون الوسطى



      يذهب روبنز إلى أن هذه المرحلة تبدأ بحوالي ق6 ق م إلى عتبة العصر الذي نهظت فيه أوربا ،وقد شهدت هذه المرحلة شروحا وتفسيرا مستمرين لمؤلفات السابقين كمؤلفات ديونيسوس وأبولونيوس دبيسكول  ،وفي هذا العصر نشطت الحركة المسيحية ،وقل الاهتمام بالفلسفة رسميا حوالي 529م ،وطبعت النزعة الدينية المواقف العلمية واللغوية ،فهذا البابا جريجوري على سبيل المثال يزدري قواعد دونا توس ،وينعى على القواعديين تطبيقها على لغة الوحي الالهي كما قامت المعرفة على تعليم الفنون العقلية وهي: القواعد والجدل والبلاغة والموسيقى والحساب والهندسة والفلك ،أما عن شكلها فقد غلب عليه الطابع المعياري التعليمي والاعتماد على الشروح المدرسية التي أثرت عن برسيان ودراسات ابتمولوجية  في أعمال ابسيدور الاشبيلي، وفي هذه المرحلة ألمع العلماء من رجال الدين إلى مفهوم الترجمة التي يجب أن تبنى على المعنى لا على الجانب اللفظي البحت.ويعود الفضل لرجال الذين القرو أوسطيين في اقتباس أبجديات بعض اللغات الأوربية أثناء ترجماتهم المختلفة للانجيل كالسلافية والروسية على الرغم من توسع اللاتينية في انتشارها في أرض واسعة بأوربا العصور الوسطى.
كما تميّز القرنان 7و8 م بأعمال لغوية هامة تمثلت خصوصا في كتاب المحادثة اللاتينية " لـ ايفريك"وقد ضم خمسة قوائم مفرداتية لاتينية وانجليزية قديمة ،وهو موجه خصيصا للأطفال الناطقين بالانجليزية القديمة، ويمكن عدة نموذجا بدائيا للعلاقة التي ربطت الانجليزية باللاتينية رغم الاختلافات التركيبية الواضحة بينهما – كما يقول روبنز – وظهرت الكتب التعليمية في القواعد ككتاب الدكترينا لألكسندر دي فلديو سنة 1200م وهو عبارة عن منظومة شعرية في 2456 بيت . ويبدو أن الاهتمام بالأدب البروفنسالي في صيغة التروبادور عزر العناية باللغة البروفنسالية  ،كما شهد القرن 12 م ظهور كتاب في قواعد الاسلندية لمؤلف مجهول ،و تميز عمله بالدقة والأصالة والاستقلالية في التفكير، وكان مهما بالجوانب الفنولوجية والاملائية في إطار وضع ابجدية إسلندية مقاربة للأبجدية اللاتينية[1] ، كما أبان في هذا الكتاب "عالم القواعد الأول " عن قدرة فائقة في الوصف الصوتي بالرجوع إلى ثنائيات لفظية مختلفة دلاليا ومتشابهة لفضيا على طريقة علماء حلقة براغ ،كما تكثفت الدراسات اللغوية الأكاديمية في الجامعات الأوربية خاصة بعد دخول ترجمات وشروح عربية ويهودية لنصوص  يونانية قديمة في المنطق والقواعد عن طريق الاحتكاك الأدبي العربي في إسبانيا قبل الاستلاء عليها من طرف الفرنج واقصاء المسلمين منها ،ومن العلوم ما بذله العرب من جهد في ترجمة أعمال أرسطو من اللسان الإغريقي إلى العربي ثم ترجمة هذه النصوص من العربي إلى اللاتيني.وارتبطت الدراسات اللغوية في الجانب النظري ارتباطا وثيقا عبرت عنه الفلسفة السيكولائية ،وقد ألمع إلى ذلك " بيتر هلياس" حين قال : "فليس هو الفيلسوف  الذي يدرك بدقة الطبيعة المحددة للأشياء إنما هو عالم القواعد الذي يكتشف القواعد "ولما كانت قواعد المنطق وأصوله عامة كانت هذه الأصول متوافقة مع البنية اللغوية فإنه من المفترض أن تخضع جميع اللغات لبنية لغوية واحدة في أصولها ،وهو ما عبر عنه فليسوف القرن الثاني عشر "روجيه بيكون " بل ذهب إلى أن الخلافات الظاهرة بين اللغات هي خلافات سطحية عرضية  لا تمس الجوهر بالتغيير[2] ويعرض "توماس الأرفرتي" لمفهوم الجملة المقبولة في النحو متأثرا بفلسفة أرسطو من خلال الأسس الأربعة التي تبنى عليها ،وهي الأساسي المادي المتمثل في الكلمات المؤسسة والأساس الكلي الذي تمثله علاقة الاتحاد بين هذه الكلمات والأساس  الكيفي الذي تمثله العلاقات النحوية بين صيغ تصريفية بعينها تتخذها الكلمات قوالب لها ويفرضها عقل المتكلم ؛ أما الأساس الأخير فهو قابلية التركيب لأن يعبر عن فكرة تامة [3]،وقد عبر "سيجر دي كورتراي " على منهج علماء اللغة في العصور الوسطى بقوله : "القواعد هي علم اللغة ومجال دراستها هو الجملة ومعدلاتها وغايتها هي التعبير عن تصورات العقل في جمل مصوغة صياغة جيدة ".

[1] - مدخل إلى علم اللسان الحديث ، ص56 بتصرف .
[2] -البنيوية في اللسانيات ، ص66.
[3] - موجز تاريخ علم اللغة في الغرب ، ص144.
Previous Post Next Post