اسس موقف أهل السنة والجماعة في قضية الأسماء والصفات
الأول: الإيمان بكل ما سمى أو وصف الله به نفسه، لأنه لا يصف الله أعلم بالله من الله والإيمان بكل ما وصفه به رسوله ^، لأنه لا يصف الله بعد الله أعلم بالله من رسول الله (ص)
الثاني: تنزيه الله جل وعلا عن أن يشبه شيء من صفاته شيئا من صفات المخلوقين. ومن الواجب على كل مكلف أن يؤمن بما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسوله ^، وينزه الله جل وعلا عن أن تشبه صفته صفة الخلق. ومن أخل بأحد هذين الأصلين وقع في هوة ضلال.
الثالث: قطع الطمع عن إدراك حقيقة كيفية ذات الله أو صفاته، لأن إدراك حقيقة الكيفية مستحيل، وقد ذكر الله سبحانه ذلك في سورة (طه)



ولا شك أن للإيمان بأسماء الله وصفاته العديد من الآثار والثمرات الجليلة التي تنفع العبد في دينه ودنياه، وتزيده قربا من ربه ومحبة له ومعرفة به وإنابة وإخباتا له، وثقة وتوكلا عليه
والعلم بأسماء الله وصفاته من أشرف العلوم وأجلها، وأحقها بوصف العلم النافع، ويزداد الأمر وضوحا إذا علمنا أن: «إحصاء الأسماء الحسنى والعلم بها أصل للعلم بكل معلوم، فإن المعلومات سواه إما أن تكون خلقا له تعالى أو أمرا، إما علم بما كونه أو علم بما شرعه، ومصدر الخلق والأمر عن أسمائه الحسنى وهما مرتبطان بها ارتباط المقتضى بمقتضيه، فالأمر كله مصدره عن أسمائه الحسنى.... وكما أن كل موجود سواه فبإيجاده، فوجود من سواه تابع لوجوده تبع المفعول المخلوق لخالقه، فكذلك العلم بها أصل للعلم بكل ما سواه فالعلم بأسمائه وإحصاؤها أصل لسائر العلوم، فمن أحصى أسماءه كما ينبغي للمخلوق أحصى جميع العلوم، إذ إحصاء أسمائه أصل لإحصاء كل معلوم لأن المعلومات هي من مقتضاها ومرتبطة بها»([91]).
ولكل اسم من أسماء الله تعالى، ولكل صفة من صفاته جل وعلا عبودية خاصة يتعبد بها ويتقرب بها إلى الله تعالى، فله سبحانه العبودية المطلقة على عباده، وهو يحب أن يعبده عباده ويتقربوا إليه بأسمائه الحسنى ويدعوه بها كما قال سبحانه: ??  ?  ?  ?  ?? وكلما أثنى العبد على الله باسم من أسمائه أو بصفة من صفاته كلما كان على مقربة من ربه جل وعلا وقد ثبت عن النبي ^لم أنه قال: «إن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة»([92]).
وسوف نذكر فيما يلي بعض الثمرات والفوائد العظيمة التي يجنيها العبد من إيمانه بأسماء الله وصفاته([93]):
1 - فمن ثمرات الإيمان بصفات الله عَزَّ وجَلَّ: أن العبد يسعى إلى الاتصاف والتحلِّي بما يصح أن يتحلى به من هذه الصفات ؛ لأنه من المعلوم عند أرباب العقول أن المحب يحب أن يتصف بصفات محبوبه ؛ كما أن المحبوب يحب أن يتحلَّى مُحِبُّهُ بصفاته ؛ فهذا يدعو العبد المحب لأن يتصف بصفات محبوبه ومعبوده كلٌّ على ما يليق به، فالله كريم يحب الكرماء، رحيم يحب الرحماء، رفيق يحب الرفـق، فإذا علم العبد ذلك ؛ سعى إلى التحلي بصفات الكرم والرحمة والرفق، وهكذا في سائر الصفات التي يحب الله تعالى أن يتحلَّى بها العبد على ما يليق بذات العبد.
2 - ومن ثمرات الإيمان بصفات الله عَزَّ وجَلَّ أن يظل العبد دائم السؤال لربه، فإن أذنب ؛ سأله بصفات (الرحمة، والتَّوب، والعفو، والمغفــرة) أن يرحمه ويتوب عليه ويعفو عنه ويغفر له، وإن خشي على نفسه من عدو متجهم جبار ؛ سأل الله بصفات (القوة، والغلبة، والسلطان، والقهر، والجبروت) ؛. فإن آمــن أن الله (كفيل، حفيظ، حسيب، وكيل) ؛ قال: حسبنا الله ونعم الوكيل، وتوكل على (الواحد، الأحد، الصمد)، وعلم أن الله ذو (العزة، والشدة، والمحال، والقوة، والمنعة) مانعه من أعدائه، ولن يصلوا إليه بإذنه تعالى  .
3 - ومنها: أن العبد إذا آمن بصفة (الحب والمحبة) لله تعالى، وأنه سبحانه (رحيم ودود) استأنس لهذا الرب، وتقرَّب إليه بما يزيد حبه ووده له، وسعى إلى أن يكون ممن يقول الله فيهم: (يا جبريل إني أُحبُّ فلاناً فأحبَّه، فيُحبُّه جبريل، ثم ينادي في السماء: إن الله يحبُّ فلاناً فأحبوه، فيُحبُّه أهلُ السماء ثم يوضع له القبول في الأرض)([94]) ومن آثار الإيمان بهذه الصفة العظيمة أن من أراد أن يكون محبوباً عند الله اتبع نبيه ^: ??  ?  ?  ?  ?   ?  ?   ?? [ آل عمران: 31] وحبُّ الله للعبد مرتبطٌ بحبِ العبدِ لله، وإذا غُرِست شجرةُ المحبة في القلب، وسُقيت بماء الإخلاص، ومتابعة الحبيب ^، أثمرت أنواعَ الثمار، وآتت أُكُلَها كلَّ حينٍ بإذن ربها.
4 - ومنها: أنه إذا آمن العبد بصفات (العلم، والإحاطة، والمعية) ؛ أورثه ذلك الخوف من الله عَزَّ وجَلَّ المطَّلع عليه الرقيب الشهيد، فإذا آمن بصفة (السـمع) ؛ علم أن الله يسمعه ؛ فلا يقول إلا خيراً، فإذا آمن بصفات (البصر، والرؤية، والنظر، والعين) ؛ علم أن الله يراه ؛ فلا يفعل إلا خيراً ؛ فما بالك بعبد يعلم أن الله يسمعه، ويراه، ويعلم ما هو قائله وعامله، أليس حريا بهذا العبد أن لا يجده الله حيث نهاه، ولا يفتقده حيث أمره؟! فإذا علم هذا العبد وآمن أن الله (يحبُّ، ويرضى) ؛ عمل ما يحبُّه معبوده ومحبوبه وما يرضيه، فإذا آمن أن من صفاته (الغضب، والكره، والسخط، والمقت، والأسف، واللعن) ؛ عمل بما لا يُغْضب مولاه ولا يكرهه حتى لا يسخط علـيه ويمقته ثم يلعنه ويطرده من رحمته.
5- ومنها: أن العبد إذا تدبر صفات الله من (العظمة، والجلال، والقوة، والجبروت، والهيمنة) ؛ استصغر نفسه، وعلم حقارتها، وإذا علم أن الله مختص بصفة (الكبرياء) ؛ لم يتكبَّر على أحد، ولم ينازع الله فيما خصَّ نفسه من الصفات، وإذا علم أن الله متصف بصفة (الغنى، والملك، والعطاء) استشعر افتقاره إلى مولاه الغني، مالك الملك، الذي يعطي من يشاء ويمنع من يشاء.
6- ومنها: أنه إذا علم أن الله يتصف بصفة (القوة، والعزة، والغلبة)، وآمن بها ؛ علم أنه إنما يكتسب قوته من قوة الله، وعزته من عزة الله ؛ فلا يذل ولا يخنع لكافر، وعلم أنه إن كان مع الله ؛ كان الله معه، ولا غالب لأمر الله.
7- ومن ثمرات الإيمان بصفات الله: أن لا ينازع العبدُ اللهَ في صفة (الحكم، والألوهية، والتشريع، والتحليل، والتحريم) ؛ فلا يحكم إلا بما أنزل الله، ولا يتحاكم إلا إلى ما أنزل الله. فلا يحرِّم ما أحلَّ الله، ولا يحل ما حرَّم الله.
8- ومنها أن العبد الذي يعلم أن من أسماء الله (السلام، والمؤمن) فإنه يشعر بالطمأنينة والهدوء النفسي ؛ فالله هو السلام، ويحب السلام، فينشر السلام بين المؤمنين، وهو المؤمن الذي أمِنَ الخلقُ من ظلمه، وإذا اعتقد العبد أن الله متصف بصفة (الصدق)، وأنه وعده إن هو عمل صالحاً جنات تجري من تحتها الأنهار ؛ علم أن الله صادق في وعده، لن يخلفه، فيدفعه هذا لمزيدٍ من الطاعة، طاعة عبدٍ عاملٍ يثقُ في سيِّده وأجيرٍ في مستأجره أنَّه موفيه حقَّه وزيادة.
Previous Post Next Post