معنى المثقف

   إن الاستخدامات الأولى لكلمة مثقف كانت في أواخر القرن 19 عندما صدرت جريدة الاورور الفرنسية بعنوان إعلان المثقفين بمناسبة  اعتراض أصحابه على الاعتداء على الإجراءات الشكلية المتعلقة بحماية المواطن أثناء محاكمته.( دريفوس)
العربية ينبغي الإشارة إلى مرجعين أساسين لهما وزنهما في الفكر الأكاديمي المتخصص و في حقل الثقافة العامة سواء في الثقافة العربية أو الثقافة الغربية و هذا المرجعان هما غرامشي (Gramsci) و سارتر (Sartre).
    ميز غرامشي (Gramsci) بين صنفين من المثقفين المثقف العضوي وهو الذي يعمل على إنجاح المشروع السياسي و المجتمعي الخاص بالكتلة التاريخية المشكلة من الفلاحين و العمال مقابل المثقف التقليدي الذي يوظف أدواته الثقافية للعمل على استمرار الهيمنة الثقافية لهذه الكتلة هذه القراءة امتد تأثيراتها من ايطاليا إلى فرنسا إلى الوطن العربي.
أما سارتر(Sartre) فقد كان لكتابه دفاع عن المثقفين (plaidoyer pour les intellectuels) نصا متميزا في بيان وظيفة المثقف داخل مجتمعه .

أما فيبر Weber فقد اعتبره بأنه المفكر المتميز و المتسلح بالبصيرة و بارسونز Parsons  بمفهوم المفكر المتخصص في أمور الثقافة و الفكر  المجرد البعيد عن أمور الحياة.
إن المتفحص لهذه التعاريف يدرك تماما أنها تثير الكثير من القضايا بعضها يتعلق بمصدر المعرفة و أخرى تختص بنوعية الثقافة و أشكالها ، و ثالثة تثير قضية العلاقة بين المثقف و النخبة السياسية ، و رابعة ترتكز على التخصص الفني.
      أما في البلاد العربية فهو استخدام حديث العهد نسبياً، دخل إلى العربية ليحلّ محل ألفاظ عديدة نجدها في التراث العربي، مثل الفقيه، الإمام، المتصوف، العالم، المتكلم، الفيلسوف  حيث توصل  د. محمد عابد الجابري في بحثه (المثقفون في الحضارة العربية) إلى النتيجة التالية: كان الأمراء هم العلماء، وكان الصحابة أمراء وعلماء في الوقت نفسه يحكمون بالشرع ويشرّعون للحكم. ثم حصل خلاف حول الحكم، فاستأثر الأمراء بالسلطة وتمسك العلماء بالرأي، وحصل استبداد بـ(الأمر) أدى إلى استقلال الرأي، فانفصل العلم والثقافة عن السياسة وبدأت فئة المثقفين الأوائل في الإسلام بالظهور".
     أما تعريفه عند الكتاب العرب  فقد اخذ عدة أسس ، فمنهم اشترط توفر معيار التعليم و الثقافة ، ومنهم من يرى بأن المثقف هو الذي يسعى إلى التغيير و بالتالي لابد من وجود معيار التغيير ، و البعض الأخر من يطرح معيار المشاركة في بناء المجتمع ،و أخيرا مجموعة أخرى تعتبر أن للمثقف دورا هاما في المجتمع يتركز على نقد السلطة و أن يظل دائما ناقدا لها و ليس مبررا لسلوكها.
أهم التعاريف التي تناولت مفهوم المثقف نذكر بعض التعاريف لأصحابها
يعتبر د. زكي نجيب محمود من أكثر الكتاب الذين اهتموا بموضوع المثقف و افرز له مجوعة من التعاريف المختلفة فقد عرفه في احد تعاريفه : بالشخص الذي يحمل في ذهنه أفكارا من إبداعه هو أو من إبداع سواه...... في تعريف اخر وصفه بـ: بأنه الشخص الذي يروج للقيم العليا (أخلاقية أو جمالية)  عكس المتخصص الذي يقف عند تخصصه في فرع من فروع العلوم ....
و في تعريف اخر : بأنه هو من أدرك مثلا للحياة الإنسانية ثم لا يقف عند مجرد الإدراك ،بل حاول تغيير الحياة وفق ما أدركه....
    أما الأديب نجيب محفوظ فيعرف المثقف "بأنه الشخص الذي يقم بالاطلاع على أثار الفكر و الأحداث من فلسفة و فنون و آداب و تيارات سياسية و علمية بحيث ينتهي معها إلى رؤية في الحياة و موقف خاص......
في حين يرى إبراهيم خورشيد أن المثقف هو الشخص الذي يعي البيئة التي يعيش فيها بتراثها و عناصرها المختلفة و يشترط أن تكون له عقلية متمشية مع التقدم الفكري و العلمي و الفني في العالم.
انطلاقا من التعريفات السابقة للمثقف يمكن القول أن التعريف الذي يعتبر المثقف بأنه المتعلم الحاصل على الشهادة الجامعية هو تعريف سطحي ،لأنه يعني ضمنيا أن كل متعلم مثقف  غير أن للمثقف وظائف أخرى تميزه من بقية المتعلمين .
و عليه فإن تعريفنا للمثقف هو ذلك الشخص المتعلم الذي يدرك ما يحيط به و يستوعبه و يشارك بوعيه في بناء و تغير الأوضاع المحيطة به.
Previous Post Next Post