مقاصد الشريعة في التصرفات المالية: 
ما يظن بشريعة جاءت لحفظ نظام الأمة وتقوية شوكتها وعزتها إلا أن يكون لثروة الأمة في نظرها المكان السامي من الاعتبار والاهتمام, وإذا استقرينا أدلة الشريعة من القرآن والسنة الدالة على العناية بمال الأمة وثروتها والمشيرة إلى أن به قوام أعمالها وقضاء نوائبها نجد من ذلك أدلة كثيرة تفيدنا كثرتها يقيناً بأن للمال في نظر الشريعة حظاً لا يستهان به, وما عدُّ زكاة الأموال ثالثة قواعد الإسلام وجعلها شعار المسلمين وجعل انتفائها شعار المشركين إلا تنبيه على أهمية المال للقيام بمصالح الأمة اكتساباً وانفاقاً,
قال تعالى: ((يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة" وقال تعالى: "وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة" وقال تعالى في معرض الامتنان, ((الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده)) وقال في معرض المواساة بالمال ثناء وتحريضاً "ومما رزقناهم ينفقون" وقال : " وأنفقوا مما رزقناكم" وقال: "زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث" وقال: "وجعلت له مالاً ممدوداً" وقال: "وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم" وقال: "وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها" وقال: ((وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله )) أي يسافرون في التجارة كما قال علماء التفسير. وقال: ((ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم)) أي تتجروا في أشهر الحج وقال: ((الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً)) وقال: ((وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله) وقال: ((وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيدكم إلى التهلكة)).
وفي صحيح مسلم أن أناساً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا يا رسول الله: ذهب أهل الدثور بالأجور يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ويتصدقون بفضول أموالهم. قال صلى الله عليه وسلم : "أوليس قد جعل الله لكم ما تصدقون به: إن لكم بكل تسبيحة صدقة إلى أن قال: فرجع الفقراء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا ففعلوا مثل ما فعلنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ذلك فضله الله يؤتيه من يشاء".  
وفي الحديث: "إن لله ملكاً يدعو اللهم أعطي منفقاً خلفاً وممسكاً تلفاً", فحرض على الإنفاق بوعد الخلف للمال, وحذر من الإمساك بوعيد التلف وقال رسول الله لكعب بن مالك "أمسك بعض مالك فهو خيرٌ لك" وقال لسعد بن أبي وقاص: "إنك إن تدع ورثتك أغنياء خيرٌ من أن تدعهم عالة يتكففون الناس".
وإنما أفضنا في ذكر الأدلة على ما للمال من الأهمية لإزالة ما خالط نفوس كثير من الناس من توهم أن المال ليس منظوراً إليه بعين الاهتمام في الشريعة. وإنما لم تأمر الشريعة صراحة بجمع المال وكنزه لاستغنائه بما جُبلت عليه النفوس من حبه ولكي لا ينظم مع داعية الحرص على المال داعية أخرى, قد أشار إلى ذلك قوله تعالى: ((وتحبون المال حباً جماً)) وقوله عز وجل: ((زين للناس حبُّ الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة)) فحتى لا يحصل من اجتماع الداعيتين تكالب الأمة على اكتساب المال والافتتان به معرضين عما عدا ذلك من أسباب الكمال, بل لقوة داعية الحرص على المال في النفوس حذر القرآن من الافتتان به وجعله الهم الأكبر.قال تعالى: ((إنما أموالكم وأولادكم فتنة)) وقال: ((وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفاً))                   وفي الحديث الصحيح : "أخاف عليكم أن تنافسوا فيها كما تنافس الذين من قبلكم فتهلككم كما أهلكتهم".فشبه التنافس المحذور بتنافس الذين من قبلنا وهو التنافس الذي تتمحض له الأمة – أي تخلص – فتنصرف عن التنافس في الفضائل والأخلاق الحميدة وربما تركت كثيراً من صفات الكمال وراء جلب المال. لذلك فإن الشريعة في هذا الشأن لم تنه الناس عن اكتساب المال من وجوهه المعروفة وبينت لهم ما في وجوه صرفه من المصالح والمفاسد رغبة ورهبة, وقد تقرر عند العلماء أن حفظ الأموال من قواعد كليات الشريعة الراجعة إلى قسم الضروري.
أحدث أقدم