أدلة صدق الرسل
ودلائل النبوة أو آيات الأنبياء هي علامات وبراهين قاطعة من الله تعالى يقيمها سبحانه دليلا على صدق رسله، وليكون لدى الناس من الحجج ما يفرقون به بين النبي الصادق والمتنبئ الكذاب المدعي ما ليس له، ومن أبرز هذه الدلائل ما يلي:
1- ما يخبر به الأنبياء والرسل من الأخبار الصادقة عن المغيبات التي لا سبيل للبشر لمعرفتها والوصول إليها ألبتة،
2- أن ما جاءوا به من الشرائع والأخبار في غاية الإحكام والإتقان، وكشف الحقائق وهدي الخلق مما يعلم بالضرورة أن مثله لا يصدر إلا عن أعلم الناس وأبرهم، ويضاف لذلك ما ظهر من حسن أخلاقهم وطيب شمائلهم، ومخايل الصدق عليهم، مع حسن صورة وكمال خلق وتمام رجولة، وقد أدركت خديجة رضي الله عنها هذا الأمر حينما قالت كما في الصحيح: «كلا أبشر فوالله لا يخزيك الله أبدا، فوالله إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق»([141]) كما أدرك نفس الأمر عبد الله بن سلام حيث قال: لما قدم النبي ^ انجفل الناس عليه، فكنت فيمن انجفل، فلما تبينت وجهه عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب، فكان أول شيء سمعته يقول «أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام»([142]).
3- أن طريقتهم واحدة فيما يأمرون به من عبادة الله، والعمل بطاعته، والتصديق باليوم الآخر والإيمان بجميع الكتب والرسل ؛ فلا يمكن خروج واحد منهم عما اتفقوا عليه ؛ فمتأخرهم يصدق متقدمهم، ويبشر متقدمهم بمتأخرهم ؛ كما بشر المسيح ومن قبله بمحمد ^، وكما صدق محمد ^ جميع النبيين قبله.
4 - إخبارهم الأمم بما سيكون من انتصارهم وخذلان أعدائهم، وبقاء العاقبة لهم، فوقع كما أخبروا، ولم يتـخلف منه شيء؛ كما حصل لنوح وهود وصالح وشعيب وإبراهيم ولوط وموسى ونبينا محمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين مما قصه الله في كتابه.
5- أن الله يؤيدهم تأييدا مستمرا، وقد علم من علم من سنة الله أنه لا يؤيد الكذاب بمثل ما يؤيد به الصادق، بل يفضح الكذاب ولا ينصره، ولابد أن يهلكه، وإذا نصر ملكا ظالما مسلطا فهو لم يدع النبوة ولم يكذب عليه، بل هو ظالم سلطه الله على ظالم مثله بخلاف من قال: إن الله أرسله وهو كاذب؛ فهذا لا يؤيده تأييدا مستمرا، لكن قد يمهله مدة ثم يهلكه.
6- ما أجراه الله على أيديهم من المعجزات القاهرة، والخوارق الباهرة، التي أرغمت أنوف أعدائهم، وأظهرت الحجة البالغة عليهم، كما أن تلك المعجزات تأتي نصرة للأنبياء، وتثبيتا لأتباعهم وإيناسا لهم.
وربما يسأل سائل عن الفرق بين دلائل النبوة، وخوارق السحرة والكهان، وعجائب المخترعات التي ظهرت اليوم؟ والجواب: أن هناك فوارق كثيرة بين دلائل النبوة وخوارق السحرة والكهان والمخترعات الصناعية: منها: أن أخبار الأنبياء لا يقع فيها تـخلف ولا غلط؛ بخلاف أخبار الكهنة والمنجمين؛ فالغالب عليها الكذب، وإن صدقوا أحيانا في بعض الأشياء بسبب ما يحصل عليه الكهان من استراق شياطينهم للسمع. ومنها: أن السحر والكهانة والاختراع أمور معتادة معروفة ينالها الإنسان بكسبه وتعلمه؛ فهي لا تـخرج عن كونها مقدرة للجن والإنس، ويمكن معارضتها بمثلها؛ بخلاف آيات الأنبياء؛ فإنها لا يقدر عليها جن ولا إنس؛
فآيات الأنبياء لا يقدر عليها الخلق بل الله هو الذي يفعلها آية وعلامة على صدقهم؛ كانشقاق القمر وقلب العصا حية وتسبيح الحصا بصوت يسمع وحنين الجذع وتكثير الماء والطعام القليل فهذا كله لا يقدر عليه إلا الله، ومنها: أن الأنبياء مؤمنون مسلمون يعبدون الله وحده بما أمر ويصدقون جميع ما جاءت به الأنبياء، وأما السحرة والكهان والمتنبئون الكذبة؛ فلا يكونون إلا مشركين مكذبين ببعض ما أنزل الله، ومنها: أن الفطر والعقول توافق ما جاء به الأنبياء عليهم السلام، وأما السحرة والكهان والدجالون الكذابون؛ فإنهم يخالفون الأدلة السمعية والعقلية والفطرية، ومنها: أن الأنبياء جاءوا بما يكمل الفطر والعقول، والسحرة والكهان والكذبة يجيئون بما يفسد العقول والفطر، ومنها: أن معجزات الأنبياء لا تحصل بأفعالهم هم، وإنما يفعلها الله عز وجل آية وعلامة لهم ؛ كانشقاق القمر وقلب العصا حية والإتيان بالقرآن والإخبار بالغيب الذي يختص الله به، فأمر الآيات إلى الله لا إلى اختيار المخلوق؛ كما قال الله لنبيه عندما طلبوا منه أن يأتي بآية وأما خوارق السحرة والكهان والمخترعات الصناعية؛ فإنها تحصل بأفعال الخلق.