الصراع بين المركز والمكانة في بناء المجتمع السعودي:
يكون المركز الاجتماعي منسجماً وغير متوتر مع المكانة الاجتماعية عندما تصبح العلاقة بينهما علاقة طردية بمعنى أنه كلما ارتفع المركز الاجتماعي للفرد زادت المكانة الاجتماعية التي يشغلها، ولكن يحدث التوتر والصراع بين المركز والمكانة الاجتماعية عندما يكون هناك حراك لأحدهما وثبات للآخر، فقد يحدث الصراع من تغير مركز الفرد إلى الأفضل، لكنه ما يزال يشغل مكانة اجتماعية متدنية، أو العكس، فقد تتحسن مكانة الفرد الاجتماعية، لكن مركزه الاجتماعي ما يزال متدنياً، وكل هذا قد يحدث خللاً لنمط التفاعل في شبكة العلاقات الاجتماعية للفرد بسبب التناقض في القيم والمعايير المحددة لكل من المركز الاجتماعي والمكانة الاجتماعية، مما يترتب عليه تناقض وصراع في الأدوار التي ترسم النمط العام للسلوك المرتبط بالمركز الاجتماعي، والمرتبط كذلك بالمكانة الاجتماعية، وتنشأ هذه الظواهر غالباً في المجتمعات المحافظة، التي تسعى إلى تثبيت ثقافتها وتراثها الثقافي في برامجها التنموية، من أجل بناء ثقافة قوية، تبرز من خلال قوة المعايير والقيم الاجتماعية والمبادئ الدينية، بحيث لا تمنح ثقافة المجتمع فرصة لظهور تصرفات وسلوكيات فردية، وهو ما ينطبق كثيراً على المجتمع السعودي، الذي اتبعت الحكومة فيه سياسة موجهة لتثبيت الثقافة الدينية والاجتماعية في جميع برامجها الحياتية.
لذلك يمكن القول أن ظاهرة الصراع بين المركز الاجتماعي والمكانة الاجتماعية تنشأ غالباً في المجتمعات ذات البناء الثقافي المسيطر على سلوك الأفراد، والتي تعاني من وطأة التغير، وخاصة التغير الفجائي أو السريع، والمجتمع الرشيد الذي يقوم على بناء اجتماعي منظم وتغير ثقافي مخطط يتميز بتناسب أو على الأقل باستقرار في العلاقة بين المركز الاجتماعي والمكانة الاجتماعية لأفراده، بينما يشيع في المجتمعات الإنسانية ذات البناء الاجتماعي غير المنظم أو التي حدث التغير الثقافي فيها تغيراً عشوائياً الصراع والتوتر بين المراكز والمكانات الاجتماعية للأفراد.
إن التغير الاجتماعي والاقتصادي الذي حدث في المجتمع السعودي مع تطبيق برامج خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية منذ عام (1390هـ) وبالتحديد بعد انتهاء فترة الحضانة الاجتماعية لتلك البرامج ومرور عشر سنوات على العمل بها  (أي منذ عام 1400هـ) قد أحدث حراكاً وتغيراً لبعض المراكز والمكانات الاجتماعية لكثير من الأفراد والوظائف في المجتمع، وقد كان يفترض أن اتجاه التغير في العلاقة بين المركز الاجتماعي والمكانة الاجتماعية تغيراً طردياً، بمعنى أنه كلما ازداد المركز الاجتماعي ارتفعت المكانة الاجتماعية وإن ثبات أحدهما وتغير الآخر يحدث صراعاً ويؤثر في الأدوار والوظائف التي يقوم بها الأفراد في النسق الاجتماعي، وعلى مستوى بناء المجتمع ككل.
أحدث أقدم