البناء الثقافي للمجتمع
يتحدد البناء الثقافي لكل مجتمع من مجموعة المعايير والقيم والعادات والتقاليد، وفي ضوء البناء الثقافي تتحدد الأهداف الجماعية العليا، وهي أهداف لها مكانتها وتأثيرها الجماعي، كذلك يحدد البناء الثقافي الوسائل وأحسن الطرق لتحقيق هذه الأهداف.
وقد قدم العالم (روبرت ميرتون) في نظريته (الأنومي – الاغتراب) تصنيفاً لأنماط استجابات الأفراد أو تكيفهم لذلك التفاوت أو الانفصام بين الأهداف المرغوبة والمحددة ثقافياً (أي النجاح) وبين الأساليب المتاحة لتحقيق هذه الأهداف، وقرر هناك خمسة أنماط لتكيف الأفراد في المجتمع أول هذه الأنماط وظيفي (امتثالي) يساعد على بقاء النسق الاجتماعي، والأربعة الآخرون ضارون وظيفياً تهدد بقاء النسق، وهي:
أولاً: نمط الامتثال:
يحدث هذا النمط من التكيف حيث يتقبل الأفراد في المجتمع الأهداف الثقافية ويمتثلون لها، وفي نفس الوقت يتقبلون الأساليب التي يحددها النظام الاجتماعي بوصفها أساليب مشروعة لتحقيق هذه الأهداف.
ثانياً: نمط الابتداع:
يعني أن هناك في المجتمع من يتقبل الأهداف التي تؤكد عليها ثقافة المجتمع، ولكنه يجد أن فرصة تحقيق هذه الأهداف مؤصدة أمامه، لأن توزيع هذه الفرص غير متكافئة، وفي هذه الحالة يرفض الأساليب المشروعة لتحقيق الهدف (وهو النجاح) ويبتدع وسائل غير مشروعة.
ثالثاً: نمط الطقوسية:
يتمثل هذا النمط من التكيف في التخلي عن الأهداف الثقافية للنجاح الفردي وتحقيق الثروة وصعود السلم الاجتماعي، وفي نفس الوقت يظل الفرد ملتزماً بطريقة شبه قهرية بالأساليب المشروعة لتحقيق الأهداف على الرغم من أنها لا تحقق له شيئاً يذكر.
رابعاً: الانسحابية:
الفرد الذي يلجأ إلى هذا النمط الانسحابي يعيش في المجتمع ولكنه لا يكون جزءاً منه، بمعنى أنه لا يشارك في الاتفاق الجماعي على القيم المجتمعية، والانسحابي يتخلى عن كل الأهداف والأساليب التي يحددها النسق، وهذا النوع من الأفراد لا يقبلون الأساليب الإبداعية (أي غير المشروعة) لتحقيق الأهداف، وفي نفس الوقت لا تتاح لهم فرصة استخدام الأساليب المشروعة لتحقيقها، ولا يكون أمامهم سوى أن ينسحبوا من المجتمع إلى عالمهم الخاص.
خامساً: نمط التمرد:
يتسم هذا النمط بالرفض الإيجابي والسعي إلى استبدال البناء الاجتماعي القائم ببناء آخر يضم معايير ثقافية مختلفة للنجاح وفرصاً أخرى لتحقيقه، عكس النموذج الانسحابي.