فمثل هذا ورد خلاف بين العلماء في قضية تكليفه × فجمهور العلماء على أن الصبي المميز وهو الذي بلغ السابعة إلى سن البلوغ هذا الصبي غير مكلف عند الجمهور واستدلوا على هذا بجملة من الأدلة :
1) مثل قوله عليه الصلاة والسلام  في الحديث المعروف (رفع القلم عن ثلاثة وذكر منهم الصبي حتى يبلغ) فدل هذا على أن الصبي سواء كان مميز أو غير مميز غير مكلف لأن رفع القلم هنا يدل على عدم تكليفه  .
2) ومن الأدلة الدالة على عدم تكليف الصبي المميز أن فائدة التكليف هي الامتثال والطاعة من المكلف والصبي سواء كان مميزا ً أو غير مميز وأتكلم عن المميز خاصة لا يتحقق منه فائدة التكليف لأنه لا يمكن للمكلف الامتثال للتكليف إلا بوجود القصد والنية الخالصة وشرط هذا القصد أن يكون المكلف عالما ً بالشيء الذي يقصد فعله والذي يمتثل من خلاله ليكون فاهما ً لكيفية امتثال هذا التكليف والصبي ومنه الصبي المميز لا يفهم فهو هنا كالبهيمة فلا يتصور منه وجود القصد الصحيح للامتثال فلا يتحقق منه الطاعة والامتثال التي هي فائدة التكليف وكما قلنا يستوي في هذا الصبي المميز وغير المميز هذا ما يتعلق بالدليل الثاني على عدم تكليف الصبي المميز .
3) دليل ثالث وهو أن الصبي وخاصة ً المميز يمكن أن يكون صالحا ً لأهلية الأداء لأنه يفهم ولكن عدم تكليفه هنا من باب التخفيف عنه والتيسير عليه لأن العقل الذي هو سبب أهلية الأداء يظهر على التدريج ولا يمكن الوقوف على اللحظة التي يقال فيها أن الصبي صار فاهما ً للتكليف حتى نقول أنه مكلف لذلك جعل الشارع علامة ظاهرة ً تدل على العقل وهي البلوغ فنربط التكليف بالبلوغ وما كان أقل من البلوغ فلا يرتبط به تكليف .

ç أعترض على هذا القول القائل بأن الصبي سواء كان غير مميز أو مميز وهو قول الجمهور طبعا غير المميز متفق عليه لكن بالنسبة للمميز الجمهور هم القائلون بعدم تكليفه هناك من يقول بتكليفه كما سيأتي والقول بالتكليف هنا يتفاوت .
 ورد قول ثاني بالمسألة وهي في الصبي المميز وهو رواية عن الإمام أحمد أن الصبي المميز يكلف بالصلاة دون غيرها وإن لم يأثم بتركها ودليل هذه الرواية حديث الضرب على الصلاة عند سن العاشرة فهو خاص بالصلاة ولذلك قالوا معناه أنه يكلف
 لكن أجاب الجمهور عن هذا بأن المقصود بالضرب عند الصلاة ضرب التأديب لا ضرب التكليف .

وهناك قول ثالث بالمسألة وهو قول المالكية وأيضا ً ذكر الزركشي أنه بمقتضى كلام أصحابهم من الشافعية وهو أن الصبي المميز مكلف بالمندوب والمكروه فقط .
قالوا لأن كلا ً من المندوب والمكروه فيهما ثواب ولا عقاب عليهما ثواب في فعل المندوب وفي ترك المكروه وهذا يتفق مع ما ورد عن الرسول × في حديث رفع القلم  .
فالرفع هنا أي أنه لا عقاب عليه أما الثواب فهو غير منفي بدليل المرأة التي رفعت الصبي للنبي × وقالت ألهذا حج قال نعم ولك أجر أما الواجبات فهي بحق الصبي المميز مندوبة والمحرمات في حقه مكروهة
وهذا القول حقيقة وهو الذي قلنا قول المالكية وبعض الشافعية وذكره الزركشي أنه قول أصحابه من الشافعية حقيقة قول متوجه يحصل به الجمع بين الأدلة .

قول الجمهور القائلين بأن الصبي المميز غير مكلف هذا قول اعترض عليه اعتراض حاصله أيها الجمهور كيف تقولون أن الصبي المميز غير مكلف ثم توجبون في أمواله الزكاة والغرامات لو أنه أتلف شيئا ً سواء كانت دية أو قيمة شيء متلف أو فيما يتعلق بأروش الجنايات كيف توجبونها في ماله وأنتم تقولون بأنه غير مكلف فإيجاب هذه الأمور في مال الصبي المميز دليل على أنه مكلف .

× الجمهور أجابوا عن هذا الاعتراض بأن قالوا نحن نقول بعدم تكليف الصبي المميز كما نقول بتكليف الصبي غير المميز والتكليف بهذه الأمور التي هي وجوب الزكاة في المال و قيم المتلفات وهو يتضمن خطابين من الشارع :   
 * أحدهما خطاب وضع وهو ربط للسبب بالمسبب ومعناه أنه متى وجد السبب أي وجد عند الصبي مال اجتمعت فيه شروط الزكاة أو أتلف مال غيره أو اعتدى على نفس أو عضو من أعضاء غيره فإنه يوجد المسبب وهو الضمان وهذا الخطاب ليس فيه تكليف على الصبي .
* الخطاب الثاني خطاب تكليف موجه لولي الصبي بوجوب القيام بتنفيذ ما ترتب على الخطاب الأول فالحاصل إذن أن فائدة الخطاب الأول هي مجرد إثبات التزام في ذمة الصبي وهو ما نسميه بالوجوب في الذمة أو أهلية الوجوب .
 ينفذه الولي في الحال أو يبقى معلقا ًفي ذمة الصبي إلى ما بعد البلوغ ولا شك أن الصبي له أهلية وجوب ناقصة ثبتت له باكتسابه صفة الإنسانية فهو ليس كالبهيمة التي ليس لها أهلية فهم الخطاب لا بالقوة ولا بالفعل بل له أهليه يترتب عليها ثبوت الأحكام في ذمته وهذه الأهلية تجعله فاهما ً للخطاب بالقوة لا بالفعل بمعنى أن لديه الاستعداد لتحمل التكاليف وفهم الخطاب بعد زوال العارض عنه حيث إن مصير الصبي إلى العقل فيصلح بناء ً على هذا بأن تثبت الأحكام في ذمته أي يصلح لأهلية الوجوب وإن لم يصلح للتكليف في الحال أي إن لم يصلح لأهلية الأداء .

أحدث أقدم