جملة من المسائل المتعلقة بالمكروه :
المسألة الأولى الفرق بين المكروه وخلاف الأولى .
المسألة الثانية هو كون المكروه منهي عنه حقيقة .
والمسألة الثالثة كون المكروه تكليفا .
والمسألة الرابعة دخول المكروه في الأمر .

õ المسألة الأولى: الفرق بين المكروه وخلاف الأولى :
نلحظ علي ألسنة كثير من الفقهاء في مؤلفاتهم وفتاواهم أنهم كثير ما يعبرون بقولهم هذا الآن خلاف الأولى . فتجدهم يقولون في ترك صلاه الضحى عندما يسألون عن صلاه الضحى . فيقولون تركها خلاف الأولى  .
ويفرقون بينها وبين المكروه . بمعني لم يقولوا ترك صلاه الضحى مكروه وإنما قالوا بخلاف الأولى . إلا إن الأصوليين لم يبحثوا هذا الفرق . وإنما اعتبروا خلاف الأولى مرادفا للمكروه . أو نوعا من أنواعه .
 من أوائل من تكلم عن الفرق بين خلاف الأولى والمكروه هو ابن السبكي في كتابه جمع الجوامع . فقد فرق بين المكروه وخلاف الأولى . وجعل خلاف الأولى نوعا سادسا من أنواع الحكم التكليفي .
 وقال إن الحكم التكليفي واجب ومندوب ومباح ومكروه وخلاف الأولى ومحرم . فجعل خلاف الأولى نوعا سادسا من أنواع الحكم التكليفي . وقال إنه ينبغي أن يكون تقسيم الجمهور بهذه الصورة .
حقيقة الخلاف في اعتبار خلاف الأولى في هذه المسألة لابد أن نوضح في هذا أن الفقهاء لهم أيضاً تعريف أو إشارات إلى تعريف خلاف الأولى . ومن خلال هذا يمكن أن نصل إلى هل هناك فرق بين خلاف الأولى والمكروه .

الفقهاء يعرفون خلاف الأولى أنه بما ليس فيه صيغة نهي مقصودة
وبهذا يفرقون بينه وبين المكروه . فيقولون إن المكروه ما كان فيه صيغة نهي مقصودة . وفي هذا السياق يقول الزركشي في كتابه بحر المحيط:  (وفرق الفقهاء بين خلاف الأولى وبين المكروه أن ما ورد فيه نهي مقصود يقال فيه مكروه . ومالا يقال فيه خلاف الأولى ولا يقال مكروه ) . كما ذكر الزركشي في كتابه بحر المحيط أن الفقهاء يعدون خلاف الأولى واسطة بين الكراهة والإباحة ., يعني أمر متوسط بين الكراهة والإباحة .  ويقول إمام الحرمين في هذا: (التعرض للفصل بينهما - يقصد بين المكروه وخلاف الأولى - مما حدثه المتأخرون . ثم ذكر تعريفهم له وقال المراد بالنهي المقصود أن يكون مصرحا به . كقول الشارع لا تفعلوا كذا ونهيتكم عن كذا . بخلاف ما إذا أمر بمستحب فإن تركه لا يكون مكروها يعني يكون في خلاف الأولى ).
 فبناء على هذا بتلخيص لنا أن من فرق بين المكروه وخلاف الأولى فرق من جهة أن المكروه كل ما ورد فيه صيغة نهي مقصودة فهذا نعبر عنه بالمكروه مثل : لو ورد صيغة نهي بالطلاق (أبغض الحلال إلى الله الطلاق) فنقول إنه مكروه
ومثل قوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم" قلنا إن هذا صرف من التحريم إلى الكراهة . فعلى هذا نقول مكروه ولا نقول بخلاف الأولى . لأن السؤال عما لم يرد بشأنه نص من الشرع . هذا نقول مكروه ولا نقول خلاف الأولى إذا ما ورد في شأنه صيغه نهي مقصوده عندما نريد أن نعبر عن حكمه نقول هذا مكروه . وتكون صيغة النهي المقصودة غير جازمة . لأنه لو كانت جازمة كان محرم .
وما لم يرد بشأنه صيغة نهي مقصودة فإنه يكون من قبيل خلاف الأولى . والمقصود بهذا الشيء من الأمور فعله خير من تركه فلو تركه الإنسان فإنه يكون مذموما تركه في هذه الحالة . وحينئذ لم يرد في شأنه صيغة نهي مقصودة فنقول إن تركه خلاف الأولى . مثلا صلاة الضحى تركها لم يرد بشأنها صيغة نهي مقصودة . يعني لم يرد نص ينهي عن صلاه الضحى . إنما ورد نص بفعلها . لكن لم يرد نص بعدم أو نهي عن تركها . فإذن لما أتينا إلى تركها قلنا تركها خلاف الأولى لم نقل تركها مكروه لأنه لم يرد بتركها صيغة نهي مقصودة تنهى عن تركها . فحينئذ نقول أو نعبر عنها بخلاف الأولى .

هذا كمثال للتفريق بين عندما قالوا المكروه يخص بما كان فيه صيغة نهي مقصودة غير جازمة وأن خلاف الأولى يخص بما لم يكن فيه صيغة نهي غير مقصودة .
وفي الجملة المقصود بذلك ترك المندوبات . فيكون من خلاف الأولى . نشير هنا إلى أن الدافع إلى أن الفقهاء عندما جعلوا خلاف الأولى نوعا خاص يغاير المكروه . دعا لذلك بحثهم التفصيلي للأحكام الفقهية لأن الفقهاء يعتنون بالبحث التفصيلي للأحكام الفقية . بخلاف الأصوليين فإنهم لم يحتاجوا إلى البحث التفصيلي للأحكام الشرعية إنما يحتاجون إلى البحوث الإجمالية للأحكام الفقهية . فلذلك لم يعتنوا بالتفرق بين خلاف الأولى والمكروه وهذا هو السبب لاعتناء الفقهاء وعدم اعتناء الأصوليين لهذا الأمر . إضافة إلى هذا أن التفريق بين خلاف الأولى والمكروه تعريف اصطلاحي والعلماء جروا على أنه لا مشاحة في الاصطلاح . من العلماء الذين أيدوا التفريق بين خلاف الأولى وبين المكروه

و جعل خلاف الأولى نوعا غير المكروه الزركشي في البحر المحيط حيث قال بعد أن عرض الأقوال في التفريق بين خلاف الأولى و بين المكروه قال ( والتحقيق أن خلاف الأولى قسما من المكروه ودرجات المكروه تتفاوت كما في السنن ولا ينبغي أن يعد قسم آخر وإلا لكانت الأحكام ستة وهو خلاف المعروف أو كان خلاف الأولى خارج عن الشريعة وليس كذلك فإذن الزركشي نشير إلى كلامه لأنه يؤيد التفريق بين خلاف الأولى وبين المكروه . بل يقول إن خلاف الأولى نوع من أنواع المكروه وكلاهما يدور في دائرة واحدة .
فقال كما أن المندوبات تتفاوت في قوة طلب فعلها . فكذلك المنهيات تتفاوت في طلب تركها . فكما أن المندوبات على درجات فكذلك المكروهات أيضاً على درجات فخلاف الأولى درجة من درجات المكروه . لماذا قال لأنه لو عددناه قسم آخر لخالفنا بذلك إجماع العلماء السابقين على أن أقسام الحكم التكليفي خمسة . وأيضا أو نعده خارجا عن الشريعة وليس أمرا مقبولا في هذا المقام .

أيضا ابن عابدين وهو من علماء الحنفية يرى أن خلاف الأولى أعم من المكروه . فكل مكروه تنزيها عند الحنفية خلاف الأولى ولا عكس . لأن خلاف الأولى قد لا يكون مكروه حيث لا دليل خاص كترك صلاة الضحى كما مثلنا في ذلك . وبه يظهر كون ترك المستحب راجعا إلى خلاف الأولى لا يلزم أن يكون مكروها إلا بنهي خاص . لأن الكراهة حكم شرعي فلابد لها من دليل . كأن ابن عابدين يرى هنا أن خلاف الأولى أعم من المكروه لأن خلاف الأولى كأنه مكروه وزيادة . فيكون كل مكروه تنزيها يعتبر من قبيل خلاف الأولى لكن ليس كل خلاف الأولى من قبيل المكروه تنزيها لأن المكروه تنزيها أخص من خلاف الأولى .
وكما قلنا خص المكروه تنزيها . بما كان بشأنه دليل خاص يدل على أنه منهي عنه . وخلاف الأولى يشمل ما كان بشأنه دليل خاص ولم يرد بشأنه
دليل خاص . كترك المستحبات كترك صلاة الضحى . هذا معنى كلام ابن عابدين في هذا المقال ...
أحدث أقدم