الفرق بين المحرم لذاته والمحرم لغيره؟
ج----- إذا أردنا أن نعقد مقارنة بين المحرم لذاته والمحرم لغيره إجمالاً فيمكن أن نقول عندنا فرقان  :
الفرق الأول : أن المحرم لذاته غير مشروع أصلاً وعلى ذلك فإنه لا يصلح أن يكون سبباً شرعياً ولا يجوز أن تترتب على القيام به أحكام شرعية وإنما يكون باطلاً من الأصل ولهذا تكون الصلاة من غير طهارة باطلة وزواج إحدى المحارم مع العلم بالحرمة باطل أيضاً وكذلك بيع الميتة وبيع الخمر ولحم الخنزير هذا كله باطل لأنه من قبيل المحرم لذاته والمحرم لذاته لا يصلح سبباً شرعيا
 أما المحرم لغيره فهو في أصله مشروع وإنما طرأت عليه الحرمة بسبب ما اتصف به أو بسبب ما لازمه من الأوصاف المنهي عنها ولهذا اختلف العلماء في صلاحية هذا السبب لترتيب الآثار عليه فمنهم في بعض أحواله اتفق العلماء على عدم صلاحية هذا السبب أو صورة السبب لأنه لابد أن تكون سبباً شرعياً مقبولاً وبعضها محل خلاف بينهم ومثلنا لذلك الصلاة بالثوب المغصوب أو في الأرض المغصوبة أو في دار مغصوبة فهي صحيحة ومجزئة عند جمهور العلماء خلافاً للإمام أحمد مع بعض العلماء
 مع الاتفاق على تأثيمه بالغصب إذ أن النهي منصب فيها على أمر خارج عن الصلاة وهي كونها في أرض مغصوبة أو ثوب مغصوب , ويعلل الفرق بأن التحريم في المحرم لغيره إنما هو لعارض فلا يقع به خلل في أصل السبب ولا في وصفه مادامت أركانه وشروطه مستوفاة , فالسبب مثل الصلاة أركانها وشروطها مستوفاة إنما حصل التحريم بها لعارض وهذا العارض هو كونها في أرض مغصوبة أو في دار مغصوبة فصار الإثم فيها لغيرها فحينئذ لا يؤثر هذا السبب عند بعض العلماء في جعل الصلاة باطلة أو فاسدة وأما الحرام لذاته فيجعل الخلل في أصل السبب ووصفه فيخرج بذلك عن كونه مشروعا .
الفرق الثاني : أن المحرم لذاته لا يستباح إلا للضرورة مثل أكل الميتة  فإنه لا يستباح إلا في حال الإشراف على الهلاك أو خوف الهلاك , أما المحرم لغيره فقد يستباح بالضرورة وقد يستباح بالحاجة العامة التي تنزل منزلة الضرورة وهي أقل درجة من الضرورة
مثل تحريم بيع المجهول أو بيع غير المعلوم فبيع غير المعلوم محرم لغيره لأن الأصل في البيع أنه مباح لكن إذا كان المبيع غير معلوم فهنا التحريم جاء لأمر عارض فهنا كما قال العلماء يجوز بيع في هذه الحال لو أنه عقد البيع ببيع النموذج , بأن يوضع نموذج ويقال باقي هذا المبيع مثل هذا النموذج فالعلماء يقولون بجواز البيع في هذه الحالة مع عدم العلم بباقي المبيع ويجعلون المبيع هنا من قبيل المحرم لغيره الذي يستباح للحاجة لأن حاجة الناس تدعو للتعامل بالبيع بالنموذج خاصة أنه كان كثير من المبيعات قد لا يتمكن البائع من إحضارها في مجلس العقد وإنما يحضر نموذج لها وهذا النموذج كافي للعلم بباقي المبيع , والعلماء أجازوا هذا مع أنه من قبيل المحرم لغيره بطريق الحاجة فالحاجة هنا ليست في الحقيقة ضرورة ولكن حاجة دعت إلى استباحة هذا الأمر المحرم لغيره ولذلك قالوا بإسقاط خيار الرؤية هنا برؤية نموذج المبيع في هذه الحالة .
أحدث أقدم