أعلن الإسلام الحرب على الفقر , وشدد عليه الحصار , وقعد له كل مرصد , درءا للخطر عن العقيدة , وعن الأخلاق والسلوك , وحفظا للأسرة , وصيانة للمجتمع , وعملا على استقراره وتماسكه , وسيادة روح الإخاء بين أبنائه .
من هنا أوجب الإسلام أن يحقق لكل فرد يعيش في مجتمعه ما يحيا به حياة إنسانيه لائقة به بأن يتوافر له فيها - على أقل تقدير- حاجات المعيشة الأصلية من مأكل و مشرب و مسكن , وملبس للصيف , وأخر للشتاء , وما يحتاج إليه من كتب في فنه أو أدوات لحرفته , وأن يزوج أن تائقا للزواج .
ولا يجوز في نظر الإسلام أن يعيش فرد في مجتمع أسلامي- ولو كان ذميا – جائعا أو عاريا , أو مشردا محروما من المأوى , أو من الزواج وتكوين الأسرة .
فالإسلام اوجد الوسائل لتحقيق هذه المعيشة ويكلفها لأبنائه جمعها فضيلة الشيخ د. يوسف القرضاوي وهي  :
ý   الوسيلة الأولى :  العمل :
أن كل إنسان في مجتمع الإسلام مطالب أن يعمل , مأمور أن يمشي في مناكب الأرض ويأكل من رزق الله كما قال تعالى { هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه } .
 أن العمل هو السلاح الأول لمحاربة الفقر , وهو السبب الأول في جلب الثروة , وهو العنصر الأول في عمارة الأرض التي استخلف الله فيها الإنسان , وأمره أن يعمرها كما قال تعالى على لسان صالح لقومه { يا قومي أعبدوا الله ما لكم من آله غيره , هو أنشاءكم من الأرض واستعمركم فيها }
أن الإسلام يفتح أبواب العمل –إمام المسلم – على مصراعيه ليختار منها ما تؤهله له كفايته وميوله , ولا يفرض عليه عملا معينا إلا إذا تعين ذلك لمصلحة المجتمع , كما لا يسد في وجهه أبواب العمل إلا إذا كان من ورائه ضرر . بشخصه أو للمجتمع - ماديا كان الضرر أو معنويا – وكل الأعمال المحرمة في الإسلام محرمة .
أن هذا العمل سيدر على صاحبه غلة أو ربحا أو أجرا , يمكنه من إشباع حاجاته الأساسية وتحقيق كفايته وكفاية أسرته – مادام النظام الإسلامي هو الذي يحكم الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية , ويوجهه وفقا لإحكامه ووصاياه . ففي ظل هذا النظام لا يحرم عامل جزاء عمله , وثمرة جهده , بل يعطي أجره قبل أن يجف عرقه , كما أمر الإسلام , ويعطى أجره المناسب لجهده , وكفايته بالمعروف بلا وكس ولا شطط , لأنه أذا أعطي أقل مما يستحق فقد ظلم, والظلم من أشد الظلمات في الإسلام .
ý   الوسيلة الثانية : كفالة الموسرين :
لقد وضع الإسلام – بإيجاب لنفقة القريب الفقير على قريبه الغني – اللبنة الأولى في بناء التكافل الاجتماعي , ولم يكن ذلك امرأ مستحبا بل هو حق أمر الله بإيتائه . وفضل الفقه الإسلامي أحكامه على القريب الذي لا أظن أن الشرائع القديمة أو القوانين الحديثة اشتملت على مثله. ولهذا كان من حق كل فقير مسلم أن يرفع دعوى النفقة على الأغنياء من أقاربه ,  ومعه الشرع الإسلامي أو القضاء الإسلامي الذي لا يزال اثر منه في المحاكم الشرعية إلى هذا اليوم .
وأشترط الفقهاء لوجوب النفقة على القريب شرطين أساسين :
أحدهما : فقر من تجب له النفقة . فأن استغنى بمال أو كسب لم تجب نفقته لأنها تجب على سبيل المعونة فلا تستحق مع الغنى عنها .
الثاني : أن يكون للمنفق فضل مال ينفق عليهم منه زائد عن نفقة نفسه وزوجته لما جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( أبدأ بنفسك ثم بمن تعول ) , ولان نفقة القريب مؤاساة , فيجب أن تكون في الفاضل عن الحاجة الأصلية , ونفقة نفسه من الحاجة الأصلية , ومثلها نفقة زوجته , لأنها تجب لحاجته هو , فأشبهت نفقة نفسه.


ý   الوسيلة الثالثة : الزكاة :
لقد فرض الله لهم في أموال الأغنياء حقا معلوما , وفريضة مقررة ثابتة هي الزكاة , فالهدف الأول من الزكاة هو إغناء الفقراء بها. والفقراء والمساكين هم أول  من تصرف لهم الزكاة ,
والزكاة ليست موردا هينا أو ضئيلا. أنها العشر أو نصف العشر من الحاصلات الزراعية من الحبوب والثمار والفواكه والخضروات وأيضا ربع عشر النقود و الثروة التجارية للأمة , أي 2.5% من نقود أو تجارة كل مسلم مالك للنصاب الشرعي , إذا كان خاليا من الدين, وفاضلا عن  حوائجه الأصلية  ,وهذه الفريضة السنوية لها خصائص مميزة:
أ‌-     فهي ضريبة على الرؤوس والأشخاص لا على الأموال .
ب-هي  ليست فريضة على الأغنياء المالكين للنصاب كزكاة المال , بل فرضها الرسول على  كل مسلم : ذكر أو أنثى  , غني أو فقير. ما دام هذه الفقير يملك مقدارها فاضلا عن قوت يوم العيد وليلته له ولعياله . وهدف الإسلام من ذلك تدريب المسلم على البذل والإنفاق في السراء والضراء , وتعويده على الإعطاء ولتكون يده اليد العليا ,حتى ولو كان محتاجا ممن يستحقون زكاة الفطر.
جـ - وهي لا تجب على المسلم المكلف عن نفسه فحسب , بل عن نفسه ولوده وكل من يمونه ويلي عليه.
د- وقد قلل الإسلام مقدارها بحيث تستطيع الأغلبية الساحقة في الأمة- إن لم نقل جميعها – أداءها.  وهذه المقدار قد حدده الرسول  بصاع من تمر أو زبيب أو قمح . ومثل ذلك غالب  قوت البلد الذي يعيش فيه المكلف .
الزكاة أول ضمان اجتماعي في العالم :
 إن الزكاة بذلك تعد أول تشريع منظم في سبيل ضمان اجتماعي, لا يعتمد على الصدقات الفردية التطوعية, بل يقوم  على مساعدات حكومية  دورية  منتظمة , مساعدات غايتها  تحقيق الكفاية لكل  محتاج : الكفاية في المطعم و الملابس و المسكن وسائر حاجات الحياة, لنفس الشخص ولمن يعوله , في غير إسراف ولا تقتير.
ولم يكن ذلك خاص بالمسلمين وحدهم, بل شمل كل من يعيش في ظل دولتهم من اليهود و النصارى . 
ý   الوسيلة الرابعة : كفالة الخزانة الإسلامية بمختلف مواردها :
إذا كنا بينا أن الزكاة هي المورد المالي الأول  لمعالجة  الفقر , وسد  خلة الفقراء  في الإسلام , فلنضف  إلى ذلك أن جميع الموارد الراتبة لبيت المال ((الخزانة  الإسلامية)) فيها قدر مشترك لعلاج هذا الجانب .
ففي أملاك  الدولة الإسلامية, والأموال العامة , التي تديرها وتشرف عليها .إما باستغلالها,أو بإيجارها أو بالمشاركة عليها وذلك كالأوقاف العامة , والمناجم و  المعادن التي يوجب الإسلام  في أربع مذاهبه ألا يحتجزها الأفراد لأنفسهم , بل تكون في يد الدولة, ليكون الناس كافة شركاء في الانتفاع بها في ريع هذه الأملاك وما تدره من دخل للخزينة الإسلامية , مورد للفقراء والمساكين حين تضيق حصيلة الزكاة عن الوفاء بحاجاتهم .
وفي خمس الغنائم وفي مال الفيء , وفي الخراج وكل أنواع الضرائب حق للمحتاجين والمعوزين . قال تعالى {وأعلموا إنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل } .
ý   الوسيلة الخامسة : أيجاب حقوق غير الزكاة :
وهناك حقوق مالية أخرى تجب على المسلم بأسباب و ملابسات شتى , وكلها مورد لإعانة الفقراء , ومطاردة الفقر من دار الإسلام  ومن هذه الحقوق :
1.حق الجوار : الذي أمر الله برعايته في كتابه , وحض عليه الرسول في سنته , وجعل أكرام الجار من الأيمان , وإيذائه وإهماله من دلائل البراءة من الإسلام , قال الرسول صلى الله عليه وسلم ( من كان يؤمن بالله واليوم الأخر فليكرم جاره) وقال ( مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه )  , ومن الجميل في آداب الإسلام  أنه جعل للجار حقا ولو كان غير مسلما .
2.الأضحية في عيد الأضحى : وهي – في مذهب الحنفية – واجبة على الموسر لحديث ( من كان عنده سعة فلم يضح فلا يقربن مصلانا )  والهدي .
3.الحنث في اليمين : قال تعالى فكفارته (إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة ) .
4.كفارة الظهار وكفارة الجماع في نهار رمضان , وفدية الشيخ الكبير , والمرأة العجوز, والمريض الذي لا يرجى برءوه .
5.حق الزرع عند الحصاد .
6 .حق الكفاية للفقير والمسكين : وهذه من أهم الحقوق , فأن من حق كل فرد في المجتمع المسلم أن يوفر له تمام الكفاية من مطالب الحياة الأساسية , له ولمن يعوله فإذا كان من مال الزكاة فبها ونعمت , وكفى الله المؤمنين أن يطالبوا بشيء أخر . وإذا لم يكن في مال الزكاة ولا في الموارد الراتبة الأخرى لبيت المال سعة لتحقيق تلمك الكفاية فأن للمال حقا أخر سوى الزكاة كما روى ذلك الترميذي عن النبي صلى الله عليه وسلم عن فاطمة بنت قيس قالت : سألت- أو سئل- النبي  صلى الله عليه وسلم عن الزكاة فقال : ( إن في المال حقا سوى الزكاة ثم تلا هذه الآية التي في البقرة {ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب }) .
ý   الوسيلة الخامسة : الصدقات الاختيارية والإحسان الفردي :
وفوق هذه الحقوق المفروضة , وتلم القوانين الملزمة , عمل الإسلام على تكوين النفس الخيرة, المعطية الباذلة , نفس الإنسان الذي يعطي أكثر مما يطلب منه , وينفق أكثر مما يجب عليه ,بل يعطي بغير طلب ولا سؤال , وينفق في السراء والضراء , وبالليل والنهار , سرا وعلانية , ذلك الذي يحب الناس ما يحب لنفسه , بل يؤثر على نفسه ولو كان به خصاصة , ذلك الذي يعد المال وسيلة لا غاية , وسيلة لأنفاق البر بالناس , فيفيض قلبه بالخير فيضا , ويبسط يده بالعطاء بسطا , ابتغاء رضاء ومثوبته , لا حبا في جاه , ولا طلبا لسمعة أو شهرة , ولا خشية من عقوبة سلطان . قال تعالى { من ذا الذي يقرض الله قرضا حسننا فيضاعفه له أضعافا كثيرة والله يقبض ويبسط وأليه ترجعون } .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آلـــه وصحبه أجمعين
أحدث أقدم