التعريف المال العام

(1)    الاتجاه الأول : ويذهب إلى أن المال يكون مخصصاً لمنفعة عامة حينما يكون المال مخصصاً بطبيعته للاستعمال المباشر للجمهور ومثلا ذلك الطرق العامة، والميادين، والحدائق العامة.

يؤخذ على هذا المعيار أنه يضيق بشدة من مفهوم المال العام، حيث أن العديد من الأموال العامة- بإتفاق- لا يستعملها الجمهور مباشرة، كالمباني الحكومية، والحصون، والقلاع العسكرية. بل أنه بالنسبة للقلاع العسكرية لا يسمح للغالبية العظمى من الجمهور بارتيادها.

أما القول بأن المال العام مخصص " بطبيعته " لاستعمال الجمهور فيقصد به عدم قابليته للتملك من قبل الأفراد، وهذا أيضاً غير صحيح، حيث أن الطرق والقنوات – وهي ، في حكم المعيار المذكور، أموال عامة بلا جدال – تقبل بلا شك الملكية الفردية، فهناك العديد من الطرق الخاصة، والقنوات المائية الخاصة التي أنشأها الملاك في أملاكهم الخاصة، وعلى كل حال، إن جزءاً كبيراً من الأموال العامة لا يتنافى ، بطبيعته ، مع الملكية الخاصة للأفراد.

(2)    الاتجاه الثاني : ودافع عنه أنصار مدرسة المرفق العام كمعيار مميز للقانون الإداري – يعني أن المال يكون عاماً، حينما يكون مخصصاً لخدمة مرفق عام.

إلا أن هذا المعيار يرد عليه تحفظان أساسيان هما:
الأول : هو شديد الضيق، حيث يخرج من دائرة الأموال العامة تلك الأموال المخصصة للاستخدام والاستعمال المباشر للجمهور كالطرق ، والكباري ، والميادين العامة.

ثانياً: هو شديد الاتساع، ذلك أنه وإن كان هذا المعيار يؤدي إلى الاعتراف بصفة المال العام للمباني المخصصة للمرافق العامة، إلا أنه – ومن هذه الزاوية – شديد الأتساع، لأنه يدخل في دائرة المال العام أشياء على قدر كبير من تفاهة الأهمية : كالمحابر ، وورق النشاف وأقلام الرصاص المخصصة لخدمة مرفق عام. فليس من المعقول أن تطبق على هذه الأشياء صور الحماية القانونية – من جنائية، ومدنية – التي يضفيها المشرع على المال العام.

ولذلك فقد حاولوا أنصار هذا الاتجاه تفادي هذه الانتقادات ، بإدخال بعض التعديلات عليه: فمن قال بأن المال العام يوصف بأنه مال عام إذا خصص لمرفق عام ، شريطة أن يكون له دور رئيسي في سير هذا المرفق، وتطبيقاً لذلك، قيل إن الطرق والقنوات تعتبر أموالاً عامة بعكس المدارس، والثكنات العسكرية ودور المحاكم ، حيث أن الدور الرئيسي – في مرفق التعليم ، ومرفق الدفاع ، ومرفق القضاء – يقوم به المدرس والجندي والقاضي.

إلا أن هذا القول لا يمكن التسليم به، ولقد تمت الإساءة في الواقع باختيار المثال، فالمدارس والثكنات العسكرية ودور القضاء تلعب ، بالحق وبالواقع، دوراً رئيسياً في تسيير المرافق العامة المخصصة لها... فلا يمكن أن يمارس المدرس عمله في العراء ولا يمكن أن يقوم الجندي بواجبه دون أن يحتمي بساتر ولا يمكن للقاضي أن يؤدي مهنته في أحد الميادين العامة.
وفي قول أخر لأنصار الاتجاه الثاني أيضاً، إن المال العام هو ذلك المال المخصص لخدمة مرفق عام، شريطة ألا يكون من الأموال التي يمكن استبدالها بسهولة دون تعطيل لسير المرفق.

وطبقاً لهذه المحاولة، تعتبر الثكنات العسكرية أموالاً عامة، حيث لا يمكن الاستعاضة عنها بغيرها بسهولة، ودون تأثير في سير مرفق الدفاع، في حين أن المباني الحكومية تخرج من دائرة الأموال العامة ، حيث من اليسير استبدالها بمباني أخرى.

وفي قول ثالث للاتجاه الثاني: يكون المال المخصص لمرفق عام مالاً عاماً ، حينما يكون قد أعد إعداداً خاصاً لخدمة هذا المرفق، وينطبق ذلك، مثلاً على مباني الإذاعة اللاسلكية، لأنها معدة إعداداً خاصاً يتلاءم مع نشاط مرفق الإذاعة.

في حين أن المباني الحكومية ، كالمدارس مثلاً، تخرج عن إطار المال العام، حيث أنها لم تخضع لإعداد خاص.

على كل حال، إن هذه المحاولات جميعها يشوبها الكثير من الغموض، لأنها تستند على معايير فضفاضة وغير منضبطة، كفكرة الدور الرئيسي، وفكرة الاستعاضة بسهولة عن المال، وفكرة الإعداد الخاص له.

(3)    أما الاتجاه الثالث : وهو الاتجاه السائد في الفقه حيث يجمع بين مضموني المعيارين السابقين، مع تحريرهما من القيود التي أقترحها البعض عليها.

بعبارة أخرى، يكون المال عاماً، حينما يكون مخصصاً للاستعمال المباشر للجمهور، أو حينما يكون مخصصاً لمرفق عام.

ويستوي بعد ذلك أن يكون المال العام عقاراً أو منقولاً، وعلى ذلك ، تعتبر أبنية المدارس والوزارات أموالا عامة شأنها في ذلك شأن الطرق والميادين العامة، وبغير تفرقة بين ما يمكن وما لا يمكن استبداله ، وبغض النظر عن الدور الرئيسي، أو غير الرئيسي للمال، في أداء الخدمة العامة.

كما أن السفن الحربية والبوارج العسكرية، باعتبارها منقولاً، تدخل في دائرة المال العام، مثلها في ذلك مثل الكتب الموجودة في المكتبات العامة، والوثائق التاريخية، والأشياء ذات القيمة الأثرية التي تزدحم بها المتاحف.

ولا أثر لاستعمال الجمهور للمال العام، فقد يكون هذا الجمهور شاملاً لجميع المواطنين، أو محصوراً في أفراد طائفة معينة، أو وحدة جغرافية معينة، طالما كان تحديد هؤلاء الأفراد قد تناولهم بصفاتهم ووظائفهم، لا بأسمائهم وذواتهم.

ويبقى القول ، في هذه الجزئية ، أن المال العام يكتسب صفته العامة بالفعل، أو بمقتضى قانون، أو مرسوم ، أو قرار من الوزير المختص.
أي أن التخصيص للمنفعة العامة قد يتم بالطريق الرسمي : صدور قانون، أو قرار جمهوري ، أو قرار وزاري يضفي صفة المال العام على مال معين،وقد يكون التخصيص للمنفعة العامة بالطريق الفعلي، وفي هذه الحالة يصبح التخصيص للمنفعة العامة واقعة مادية يجوز إثباتها بكافة طرق الإثبات، فالطريق المباح فيه المرور للكافة، والأرض المخصصة لدفن الموتى، والحدائق العامة المفتوحة لجمهور المواطنين، كل ذلك يعتبر من المال العام.

كما أن قضاء المحكمة الإدارية العليا مستقر على أنه إذا كان التخصيص للمنفعة العامة يتم بالأسلوب الرسمي أو الفعلي، فإن انتهاء التخصيص يكون كذلك بذات الأساليب.
أحدث أقدم