مفهوم الاعتبار عن ابن الهيثم 
كشف لنا ابن الهيتم أن مفهوم الاعتبار يرتبط ارتباطا وثيقا بمفهوم اليقين، حيث يقول:” فأما كيف تعتبر جميع هذه المعاني اعتبارا يقع معه اليقين فإن ذلك يكون كما نصف‟[1]، والوصف عند ابن الهيتم هو تقديم مجموعة من الاعتبارات أثبت من خلالها أغلاط البصر بواسطة التحليل الهندسي.


ويـرد مفهـوم الاعتبار حسـب الجـدر " عَبَرَ" عـلى الانتقال من شيء ما إلى غيره، كما يحتوي فعل " اِعْتَبَرَ" على التفحص لاستنتاج خلاصة أو الاستدلال على معنى مجهول أساسا، ويقترب أيضا من معنى الاستنتاج عن طريق الملاحظات أو عن طريق الأحكام الصادرة مسبقا؛ أما ابن الهيتم فقد استعمل الاعتبار كمصطلح علمي طوَّع معناه باستعمال منهجي، إذ يتغير مفهوم الاعتبار بتغير الدراسة والبحث، وفي الغالب استعمله على صيغة اسم الفاعل، يقول ابن الهيتم: ”وأيضا فإن المعتبِر إذا رفع الشخص الذي في وسط اللوح، ونظر إلى نقطة التقاطع التي في وسط اللوح وتأمل في الحال الخطوط التي في اللوح، فإنه يجد القطرين أربعة...‟[2]وأيضا ”ويظهر ذلك إذا سترأحد البصرين ونظر ببصر واحد  ‟[3].
إذن،ابن الهيتم استعمل مفهوم الاعتبار في عدة مواضيع علمية متعلقة بفلسفة الطبيعة، واختلف المفهوم من موضوع لآخر، وهذا الاختلاف مرتبط بطبيعة الموضوع المدروس، أما من جانب اللغة فلا يوجد هناك اختلاف، والاعتماد على الاعتبار عند ابن الهيتم مكنه دون شك من تنقيح أخطاء العلماء السابقين، باعتماده على التجربة استطاع أن يدحض آراء أصحاب الشعاع، غير أن التأكيد على دور التجربة لا ينبغي أن يحجب عنا دور المخيلة في إنتاج الفرضيات والتجارب، حيث أن التركيز على الجانب الاعتباري يهمل الجانب العقلاني من التجارب، فلذا نجد أنفسنا أمام حاجة ماسة وملحة لفلسفة مزدوجة القطب عقلية / اعتبارية للإلمام بمعنى المعرفة العلمية عند ابن الهيتم.

[1] - ابن الهيتم، المناظر، الفصل الثاني: تقديم ما يجب تقديمه لتقديم الكلام في أغلاط البصر، ص 208.
[2] - ابن الهيتم، المناظر، ص 212.
[3] - ابن الهيتم، المناظر، ص 213.

Post a Comment

أحدث أقدم