الحجز التحفظي على منقولات التاجر .
نصت على هذه الحالة المادة 316/1 ينصها على أنه (( للدائن أن يوقع الحجز التحفظي على منقولات مدينه . . إذا كان حاملاً لكمبيالة أو سند تحت الاذن ، وكان المدين تاجراً له توقيع على الكمبيالة أو السند يلزمه بالوفاء بحسب قانون التجارة )) .
ونلاحظ بداية أن هذه الحالة قد استبقاها المشرع في تقنين المرافعات الحالى من التقنين السابق (م601 )، نصاً وروحاً . إذ المقصود منها استكمال الائتمان اللازم لتشجيع المعاملات التجارية وخاصة الائتمان في الأوراق التجارية والاستجابة لما تقتضيه هذه المعاملات من سرعة . وحرصاً من المشرع على كل ذلك وردت نفس الحالة بالنص عليها في المادة 173 من التقنين التجاري . وأحالت في شأنها إلى قانون المرافعات
ونرى أن كل من النصين يكمل الآخر . ومن جماعهما نستخلص شروط هذه الحالة :
أولاً : من حيث طرفي الحجز ( الحاجز والمحجوز عليه ) :
النص قاطع في الدلالة على أن الحاجز لا بد أن يكون حاملاً للكمبيالة أو السند الإذني ، ومعنى ( الحمل ) هنا لا بد من فهمه على ما تقضي به قواعد القانون التجاري ، بمعنى أن المقصود هنا هو ( الحامل الشرعي ) سواء كان هو المستفيد الأول من الكمبيالة أو المظهر إليه ، يستوي بعد ذلك أن يكون تاجراً أو غير تاجر ، ولذلك لا نرى مبرراً لإضفاء الصفة التجارية المطلقة على هذه الحالة من الحجز والقول بأننا بصدد حجز تحفظي تجاري ، لأنه إذا كان الحاجز غير تاجر ، فلن يكون الحجز بالنسبة له تجارياً ، كما أنه لن يكون عملاً تجارياً مما تنص عليه المادة الثانية من القانون التجاري ، فلن يخضع لقواعد القانون التجاري ، إلا فيما سبقت الإشارة إليه .
فالحجز عمل إجرائي يخضع لقواعد قانون المرافعات.
ومن ناحية أخرى فقد حصر المشرع الورقة التجارية التي تتضمن الحق المحجوز من أجله ، والتي يحملها الدائن في نوعين من الأوراق فقط : هما الكمبيالة والسند الإذني ، وبديهي أنه يجب الرجوع إلى أحكام القانون التجاري لمعرفة ما يعتبر كمبيالة أو سند إذني كما أن هذا الحصر يفيد أن باقي الأوراق التجارية لا تصلح كمستند للحجز التحفظي ، كالشيك والسند لحامله .
غير أن ذلك لا يمنع - في نظرنا - حامل الشيك والسند لحامله من الحجز التحفظي على أموال المدين التاجر أو غير التاجر طبقاً للمعيار العام للاستعجال الذي سبقت دراسته . وعندئذ يتعين على طالب الحجز اثبات عنصر الاستعجال الذي يخضع في تقديره لسلطة القاضي .
النص قاطع في الدلالة من ناحية أخرى على ان ( المحجوز عليه ) لابد أن يكون ( مديناً تاجراً ) وذلك على خلاف الحاجز . فقد يكون الحاجز تاجراً أو غير تاجر . أما المدين في الكمبيالة أو السند الإذني لابد أن يكون تاجراً . ويرجع في معرفة كيفية ثبوت صفة التاجر للشخص إلى قواعد القانون التجاري .
ليس هذا فقط بل تطلب قانون المرافعات - فضلاُ عن ذلك - أن يكون للمدين التاجر توقيع على الورقة التجارية يلزمه بالوفاء بحسب القانون التجاري.
ثانياً : من حيث الإجراءات السابقة على الحجز :
تطلب المشرع في الحجز التحفظي في الحالة التي نحن بصددها بعض الإجراءات الخاصة السابقة على الحجز ذاته بالإضافة إلى الإجراءات العادية في الحجز التحفظي بصفة عامة التي سوف نتناولها فيما بعد ، وقد أثارت هذه الإجراءات الخاصة خلافاً في الفقة .
فلقد ثار التساؤل عما إذا كان يجب على الدائن طالب الحجز أن يتخذ الإجراءات التي يستلزمها القانون التجاري لامكان الرجوع على المدين المراد توقيع الحجز على منقولاته رجوعاً صرفياً ، وخاصة من حيث تحرير برتستو عدم الدفع لكي يمكنه طلب الحجز ، أم أن هذه الإجراءات خاصة بالرجوع الصرفي ولا شأن لها بالحجز التحفظي ؟
الواقع أن هذا الخلاف يرجع أساساً إلى أن الحجز التحفظي في هذه الحالة التي نحن بصددها قد عالجه المشرع بنصين أحدهما في القانون الإجرائي في المادة 316\1 مرافعات والتي لم تشترط تحرير برتستو عدم الدفع قبل الحجز ، والثاني في قانون موضوعي ، هو القانون التجاري في المادة 173 منه والتي اشترطت هذا الإجراء . فكان السؤال هل تغلب القاعدة الإجرائية أم القاعدة الموضوعية ؟
ذهبت غالبية الفقة - سواء فقه قانون المرافعات أو فقة القانون التجاري - إلى ضرورة تحرير برتستو عدم الدفع ، وأن يكون صحيحاً ، وإلا رفض القاضي الإذن بتوقيع الحجز التحفظي ، بل ذهب البعض منهم إلى ضرورة ذلك في حالة الحجز التحفظي ، حتى ولو كان الدائن معفى من هذا الإجراء أصلاً عند الرجوع الصرفي على المدين طبقاً لقواعد القانون التجاري كما هو الحال عند وجود شرط الرجوع بلا مصاريف .
بينما ذهب رأي - جدير بالملاحظة - إلى أن كل ما يجب في هذه الحالة ألا يكون حق الدائن في الرجوع على من يريد الحجز عليه قد سقط لعدم تحرير برتستو عدم الدفع أو لعدم اعلانه لكن هذا الرأي لم يشترط تحرير برتستو عدم الدفع في كل الحالات طالما أن حق الدائن ظل قائماً لأن قانون المرافعات لم يشترط ذلك. وأنه لا يعتد في هذا الصدد بنص القانون التجاري أعمالاً للمبادئ المستقرة في التفسير من أن النص اللاحق ( وهو نص قانون المرافعات ) ينسخ النص السابق ( وهو نص القانون التجاري ) ، وخاصة ان قانون المرافعات هو صاحب الاختصاص الأصيل في تنظيم الحجز التحفظي . ولا يقدح في ذلك - في نظر هذا الرأي - ما ذهب إليه الرأي الآخر من أن واضع قانون المرافعات لم يتنبه إلى نص المادة 173 تجاري (1) . لأن هذا الإدعاء - ونحن نؤيد ذلك - غير متصور ، وإلا لوجب على الشارع أن يبحث في كل حالة عن المعلومات القانونية لدى واضع كل نص ومدى معرفته بالنصوص السابقة وإرادته الرجوع عنها ، ولأمكن تبعاً الابقاء على نص قديم نسخه نص لاحق بدعوى أن واضع النص الجديد لم يكن لديه علم بالنص القديم هذا فضلاً عن أنه - من واقع الأعمال التحضيرية لقانون المرافعات - يتبين أن واضعي هذا القانون كانو على علم بوجود هذا الشرط في القانون التجاري ، وهم بصدد إعادة تنظيم الحجز التحفظي من جديد ، ( وهي حالة من حالات الإلغاء الضمني للنص ) ، بل أن هذا الشرط كان مشاراً إليه في قانون المرافعات القديم الأهلي (م675 ) والمختلط م (764 ) ، فعدل عنه المشرع ابتداءاً من قانون المرافعات السابق (م601) ، وتأكد ذلك في قانون المرافعات الحالي (م316\1) ، حيث أحال المشرع في هذين النصين إلى قواعد القانون التجاري ينصها على الحجز التحفظي إذا كان المدين ملزماً بالوفاء ( بحسب قانون التجارة ) . ولما كان المدين -كقاعدة عامة لا يلزم بالوفاء بموجب الورقة التجارية إلا بتحرير برتستو عدم الدفع فإن نص قانون المرافعات يعتبر أخذاً بهذا الشرط في الحالات التي يلزم فيها . وينتهي هذا الرأي إلى أنه لا يبقى من خلاف في هذه النقطة بين نص المرافعات والنص التجاري إلا أنه وفقاً لنص المرافعات لا يلزم هذا إلا حيث يلزم تحرير البرتستو للرجوع على المدين . فإذا لم يكن يلزم هذا كما في حالة وجود شرط الرجوع بلا مصاريف ، فإنه يمكن توقيع الحجز التحفظي دون تحرير البرتستو.
ونحن نؤيد هذا الرأي لاستقامته على منطق قانوني سليم ، ولكن مع تحفظنا عليه بأنه في الوقت الذي يقرر فيه أن النص الإجرائي قد ألغي النص الموضوعي ( التجاري ) يعتد به عندما يقرر أنه لا يلزم البرتستو في الحجز التحفظي ، إلا حيث يلزم الرجوع على المدين طبقاً للقانون التجاري . لكن دون أن نصل مع ما ذهب إليه رأي آخر من أن مبدأ النص اللاحق ينسخ السابق قد ألغى في حالتنا هذه ، ودون أن نصل إلى رميه بالتناقض كما فعل هذا الرأي.
فهذه المحاولة قد انطوت على مجموعة من الانتقادات تصلح وبشكل أعمق هدفاً للدحض ولن ندخل في تفاصيل ذلك ، وحسبنا القول بأننا لن نكون تجاريين أكثر من التجاريين أنفسهم فإذا كان القانون التجاري - الذي - أحال إليه قانون المرافعات - يعفى الدائن من تحرير برتستو عدم الدفع في بعض الحالات عند الرجوع الصرفي على المدين لاقتضاء حقه فعلاً ، فلن نشترطه نحن عند مجرد الاحتياط الإجرائي بالحجز التحفظي حفاظاً على هذا الحق . وإلا نكون قد خالفنا القانون ، ليس فقط قانون المرافعات ، بل القانون التجاري أيضاً.
إرسال تعليق