الأسطول التجاري والحربي
وكان للدولة البونيقية أسطول ضخم يمخر العباب إلى الأقطار النائية، ويشق البحار
إلى الغايات البعيدة التي لم يصلها غيرهم من الأمم. ان البونيقيين أبناء اليم.  نبتوا في
أكنافه، فأمواجه لا تفتأ من مناغاتهم، وهم لا يفارقون البحر كأن ببينه وبينهم رحما
ماسة، قد ذللوا غواربه، برعوا كل البراعة في الملاحة، فكانوا في الزمن لقديم كالانجليزية والأمريكان في هذا العصر في كثرة الأساطيل، وفي التمكن من أعنة البحر، يركبونه إلى أي ناحية شاءوا. وكان أسطولهم قد بلغ خمسمائة سفينة، وملاحهم عشرات الآلاف.
وقد استولوا على الحوض الغربي للبحر الأبيض المتوسط كله. فوضعوا أيديهم على
شواطئ ليبيا وعلى صقلية، وسردينيا، وكورسيكا، وعلى جزر الباليار، وعلى الأندلس،
وعلى الشواطئ في جنوب فرنسا.
وكان أسطول البونيقيين ينقسم إلى قسمين. أسطول تجاري، وأسطول حربي.ولكل
منهما نظامه ورجاله وشكل سفنه. وسفنهم هي فلك ضخم فيه صفوف كثيرة على
جانبيه من المقاذيف، وعليها شراع يبسطونه إذا هبت الريح فتزجيهم إلى المقصود.
وكانت السفن التجارية ذات حيزوم مستدير، وشكلها غير بالغ الضخامة. أما
السفن الحربية فضخمة الشكل. معقربة الصدر، لها صفوف كثيرة من المقاذيف قد
تصل التسعة.
وكان للدولة في قرطاجنة اكبر مرسى للسفن يوجد في ذلك الزمان. وكان ينقسم
إلى قسمين: إلى مرسى تجاري، ومرسى حربي.  ومكانه في شمال جون لكرم، بين
صالمبوودرمش. والمرسى التجاري مستطيل الشكل طوله 456 م وعرضه 325 م أما المرسى
الحربي فاكبر من التجاري، وهو مستدير، في وسطه جزيرة القيادة البحرية.
وكان للدولة مصانع كثيرة ضخمة لصنع السفن وإصلاحها. وكانت سفنها
لا تضاهي في الضخامة، والمتانة والجمال. وكان البحر يهدهدها في حجره، فتتهادى
منتشية بلمساته للطيفة، وأنغامه لعذبة وكانت أشرعته تخترق الأجواء في البحار
النائية فترفع اسم الدولة في كل مكان.
تلك هي القوة الحربية للدولة البونيقية. فكيف كانوا في التين. ان الدين هو قوة
الأمة وسبب تقدمها، فما تجردت منه لا تجردت من كل قواها ومن رشادها، فصارت
حيوانات ضارية يأكل بعضها بعضا، فيقعون جميعا في الهاوية. بقد كانت الدولة
البونيقية عظيمة. فما هو دينها، وما تمسكها به، وما أثره فيها؟

Post a Comment

Previous Post Next Post