الـفـرد والـمـجـتـمـع
ساهمت أراء روسو، و لوك، وهوبز، ومونتيسكيو، حول العقد الاجتماعي، بلورة مفهوم الفرد. ظهر مفهوم الفرد، كقيمة اجتماعية، أبان عصر النهضة بعد انهيار الإقطاع، ونشوء الطبقة البرجوازية ابتداءا القرن 15م. وتبلور مفهوم النزعة الفردية من خلال الأطروحات الفلسفية، التي بدأت تبتعد عن الأفكار التقليدية التي يمثلها المجتمع التقليدي، الممثل لنظام فكري وسياسي واجتماعي إقطاعي. وما عزز هذا النزوع نحو الحرية الفردية في أوروبا هو نشوء الليبرالية والديموقراطيات الحديثة بعد الثورتين الفرنسية والإنجليزية.
و في هذا السياق، يعتبر طوكفيل، وحتى ماركس، أن النزعة الفردية أو الفردانية فكرة حديثة المنشأ، و مرتبطة بالديموقراطية عند طوكفيل، وبالمجتمع البورجوازي عند ماركس. وقد أتاحت الفردانية للمواطنين الانعزال عن المجتمع (ما يسميه طوكفيل "كتلة الأشباه")، وبالتالي تأسيس العالم الأصغر الخاص بالفرد بعيدا عن إكراهات الأسرة أو العشير أو الطائفة أو القبيلة كما كان الحال قبل ظهور اللبيرالية. إن ما يميز النزعة الفردية، حسب طوكفيل هو:
· النظرة الانعزالية للذات والانغلاق التام خل العزلة الخاصة
· الاعتقاد في القدرة في التحكم في المصير
· الانفصال عن العلاقات العائلية والدموية والقرابية.
ينظر دوركهايم لعلاقة الفرد بالمجتمع من زاويتين مختلفتين. فهو يرى يميز بين شكلين من المجتمعات:
· مجتمعات تخضع للتضامن الميكانيكي
· مجتمعات تخضع للتضامن العضوي
تتسم المجتمعات الخاضعة التضامن الميكانيكى بما يلى:
· حجم وكثافة سكانية ضعيفة
· تنظيم اجتماعي غير متمايز (تشابه بين الأفراد)
· قانون قمعي
· وعي جماعي يدمج الفرد جيدا في المجتمع
بينما مجتمعات التضامن العضوي تتصف بالاتي :
· حجم وكثافة سكانية عالية
· وظائف اجتماعية مختلفة جدا
· قانون تعاوني
· أفراد متحررين
يخضع الأفراد في المجتمعات ما قبل الصناعية لمبدأ الارتباط الداخلي، حيث يسود التضامن الميكانيكي الذي يربط الفرد بالجماعة ويشترط تحقبق إنسانسيته داخلها على اعتبار أن المجتمع أو الجماعة هما الغاية والمنتهى الطبيعي للإنسان. في المقابل، يخضع ألفراد داخل المجتمعات الحديثة لمبدأ التميز الوظيفي، حيث يتحدد كل فر د وفق انتمائه، ليس العرقي أو الديني أو الدموي أو القبلي...، وإنما، السوسيو-مهني أو السوسيو-اقتصادي، وذلك انسجاما مع مقتضيات الحياة الاجتماعية وأنماط تقسيم العمل.
Post a Comment