القاضي بشر
القاضي عندما يصدر حكمه في النازلة المعروضة عليه؛ قد يصيب وقد يخطئ؛ مثله مثل سائر البشر؛ غير معصوم من الخطأ. والمتقاضين أنفسهم قد لا يطمئنون للحكم الصادر ضدهم؛ مادام أن الشعور بالارتياب وبعدم الاطمئنان؛ هو شعور عادي؛ وطبيعي لدى الخصم الذي ردت دعواه أو حكم عليه؛ إضافة إلى أن الأحكام الصادرة في نزاع ما قد تمس حقوق ومصالح شخص أجنبي عن هذا النزاع؛ ولم يكن طرفا فيه.
         لهذه الأسباب أجاز المشرع الطعن في الأحكام؛ ضمانا لحقوق المتقاضين؛ ودعما وحماية لثقتهم في القضاء.
         وطرق الطعن في الأحكام؛ هي الوسائل التي حددها المشرع؛ على سبيل الحصر؛ حتى يتمكن الخصوم من المنازعة في الأحكام التي أضرت بحقوقهم ومست مصالحهم.
         والاستئناف طريق عادي للطعن في الأحكام التي لا يكون فيها الطاعن ملزما بالإدلاء بسبب  معين قانونا؛ وإنما يمكن سلوكها كيفما كان العيب المنسوب للحكم؛ ويترتب عنها طرح النزاع من جديد أمام محكمة الطعن؛ التي لها كامل الصلاحية في مناقشة الدعوى بكاملها.
         ويعتبر الاستئناف بذلك الركيزة الأساسية؛ للتطبيق العملي لمبدأ التقاضي على درجتين؛ الذي يعتبر من المبادئ الأساسية في النظام القضائي المغربي؛ لازدواجية فائدته؛ فهو يلزم قضاة المحاكم الابتدائية على العناية بدراسة ادعاءات الخصوم؛ والفحص الدقيق لمستنداتهم؛ وحججهم؛ والعمل على تطبيق القانون الواجب تطبيقه على النزاع المعروض عليهم؛ ومن جهة ثانية يمكن المتقاضين من تصحيح الأحكام الابتدائية التي صدرت عن خطأ؛ أو تقصير في دراسة؛ وبحث موضوع الدعوى؛ عن طريق الطعن في هذه الأحكام.
وتختص محاكم الاستئناف ومحاكم الاستئناف التجارية بالنظر في استئناف أحكام المحاكم الابتدائية والمحاكم التجارية واستئناف الأوامر الصادرة عن رؤسائها.
فكل حكم يفصل في جوهر القضايا المعروضة على هذه المحاكم؛ والتي أوجب القانون صدور الحكم فيها بصورة ابتدائية يجوز الطعن فيه بالاستئناف؛ والعبرة في معرفة ما كان الحكم قد صدر بصفة ابتدائية وانتهائية؛ ليست للوصف الذي تعطيه المحكمة المصدرة لهذا الحكم؛ وإنما لقواعد المسطرة التي تحدد الحالات التي يجب فيها اعتبار الحكم ابتدائيا أو انتهائيا.
وقد حدد المشرع الأحكام التي يجوز الطعن فيها بالاستئناف؛ والأحكام التي لا تقبل هذا الطعن؛ حيث قصر التقاضي فيها على درجة واحدة؛ نظرا لكون الدعاوى الصادرة بشأنها هذه الأحكام؛ هي دعاوى بسيطة وقليلة القيمة.
وهكذا حدد الفصل 19 من ق.م.م. الأحكام التي يمكن الطعن فيها بالاستئناف؛ وهي الأحكام التي تتجاوز قيمة الطلبات فيها 3000 درهم وبالنسبة للقضايا الاجتماعية تكون الأحكام الصادرة فيها قابلة للاستئناف إذا تجاوزت قيمة الطالب 3000 درهم أو كان الطلب غير محدد؛ ويبث ابتدائيا فقط في قضايا حوادث الشغل و الأمراض المهنية؛ وفي المعاشات الممنوحة في نطاق الضمان الاجتماعي؛ باستثناء النزعات الناشئة عن تطبيق الغرامات التهديدية المقررة في التشريع القاضي بالتعويض عن حوادث الشغل والأمراض المهنية فإن الأحكام تصدر فيها بصفة انتهائية ولو كان مبلغ الطلب غير محدد.4
أما الأحكام الصادرة عن المحاكم التجارية فهي لا تقبل الاستئناف إلا إذا تجاوز مبلغ الطلب 9000 درهم ( المادة 6 من القانون المحدث للماحكم التجارية ) وبالنسبة للأوامر الصادرة عن رؤساء المحاكم الابتدائية والتجارية سواء في إطار مسطرة الأمر بالأداء؛  أو في إطار المساطر الاستعجالية فجميعها تكون قابلة للاستئناف؛ باستثناء الأوامر الولائية الصادرة في إطار الفصل 148 من ق.م.م. فرغم صدورها في غياب الأطراف فإنها لا تقبل الاستئناف؛ إلا في حالة الرفض عدا إذا تعلق الأمر بإثبات حال؛ أو توجيه إنذار إضافة إلى ذلك هناك أحكاما وأوامر تصدر في مساطر خاصة متعلقة بالأحوال الشخصية لا تقبل أي طعن.
واستئناف الأحكام يقدم بواسطة مقال يشترط لصحته أن يكون متوفرا على شكليات خاصة حددها الفصل 142 من ق.م.م. وهي تضمينه للأسماء الشخصية؛ والعائلية؛ وصفة؛ أو مهنة؛ وموطن؛ أو محل إقامة كل من المستأنف؛ والمستأنف عليه؛ وكذا اسم؛ وصفة؛ وموطن الوكيل عند  الاقتضاء وإذا تعلق الأمر بشركة اسمها الكامل؛ ونوعها؛ ومركزها وأن يتضمن كذلك موضوع الطلب؛ والوقائع والوسائل المثارة ويرفق بالمستندات والحجج التي يريد المستأنف استعمالها.
ويقدم هذا المقال أمام كتابة ضبط المحكمة الابتدائية التي أصدرت الحكم المطعون فيه ويوجه مع المستندات المرفقة به دون مصاريف إلى كتابة ضبط محكمة الاستئناف المختصة.
وإذا كان الأصل هو منع تقديم طلبات جديدة أمام محكمة الاستئناف يمكن تقديمها أمام محكمة الاستئناف وهي :
-         طلب المقاصة
-         كون الطلب الجديد لا يعدو أن يكون دفاعا عن الطلب الأصلي.
-         طلب الفوائد والكراء والملحقات الأخرى المستحقة عند صدور الحكم وكذا تعويض الأضرار الناتجة بعده.
ولا يعد طلبا جديدا؛ الطلب المترتب مباشرة عن الطلب الأصلي؛ والذي يرني إلى نفس الغايات؛ رغم أنه أسس على أسباب أو علل مختلفة.
يعين الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف المستشار المقرر ويسلم له الملف الاستئنافي.
ويعين المستشار المقرر الجلسة التي سيدرج فيها الملف ويأمر باستدعاء الأطراف لهذه الجلسة.
تطبق أمام محكمة الاستئناف قواعد المسطرة الكتابية ويدرج الملف في أول جلسة؛ وعند الإدلاء بمذكرة جوابية من طرف المستأنف عليه تأمر المحكمة بإرجاع الملف لمكتب المستشار المقرر؛ عدا إذا اعتبرت أن القضية جاهزة للحكم فيها.
يقوم المستشار المقرر باتخاذ الإجراءات الضرورية لجعل القضية جاهزة و يأمر بتقديم المستندات التي يرى ضرورتها للتحقيق في الدعوى؛ ويمكنه إما تلقائيا أو بناء على طلب الأطراف أن يأمر بأي إجراء من إجراءات التحقيق كإجراء بحث أو خبرة.
وبعد دراسة الملف واعتبار أنه أصبح جاهز للحكم فيه يصدر الأمر بالتخلي ويحدد تاريخ الجلسة التي سيدرج فيها الملف.
يمكن العدول عن الأمر بالتخلي بقرار معلل؛ إذا طرأت بعد صدور الأمر بالتخلي واقعة جديدة؛ من شأنها أ، تؤثر على القرار؛ أو إذا تعذرت إثارة واقعة قبل ذلك خارجة عن إرادة الأطراف.
تصدر القرارات الاستئنافية في جلسة علنية.
القرار الاستئنافي إما يقضي برد الاستئناف؛ وتأييد الحكم الابتدائي؛ أو يقبله؛ أو يلغى أو يعدل الحكم الابتدائي لفائدة المستأنف؛ وإذا كانت القضية جاهزة للبث فيها وجب على محكمة الاستئناف أن تتصدى وتبث فيها.
وحق التصدي الممنوح لمحكمة الاستئناف ليس حقا مطلقا؛ فمقتضيات الفصل 146 من ق.م.م. تشترط لاستعمال هذا الحق أن تكون القضية المعروضة على محكمة الاستئناف جاهزة للبث فيها؛ بمعنى أنه إذا كان الحكم المستأنف لم يبث إلا في الجانب الشكلي من الدعوى فليس لمحكمة الاستئناف من حق التقاضي على درجتين.

Post a Comment

Previous Post Next Post