كيف نشكر الله على نعمة الحواس 



 نعم الله على الإنسان كثيرة لا تعد ولا تحصى، لقول الله تعالى : "وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ
لَغَفُورٌ رَحِيمٌ" (1) ولئن تحاولوا حَصْرَ نِعَم الله عليكم لا تستطيعون، سوف تعجز أعقد أجهزة السوبر كمبيوتر عن
إحصائها.قال الله تعالى: "وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الإنسان لَظَلُومٌ كَفَّار"ٌ(2)
لنتأمل هذه الحواس و المشاعر الخمس نعمة السمع والبصر والذوق والشم واللمس،حتى نعلم حكمة الله فيها وما أودع فينا من أسرار.
وهذه الحواس الخمس تكتسي أهمية كبيرة لدى الإنسان، وبها يشكر المسلم ربه،ويعرف نعم الله المغدقة عليه ظاهرة وباطنة،
قال الله تعالى " أَلَمْ تَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن
يُجَادِلُ فِي ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ هُدًى وَلاَ كِتَابٍ مُّنِيرٍ " (3) تلك الحواس التي علق الله بها الكثير من الشرائع والأحكام ،وأن
الإنسان بحواسه يفرق بين الخير و الشر، وبين النفع والضر، وبين النعمة والنقمة. كما أنه بها يفرق بين الأحجام ، و
الألوان ،و المسافات ، و الأصوات . والإنسان الحامل لهذه الحواس لمسؤول مسؤولية جسيمة عنها. وهو مطالب في أن
يستخدمها في طاعة الله ورضاه، قال الله تعالى : " وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ ٱلسَّمْعَ وَٱلْبَصَرَ وَٱلْفُؤَادَ كُلُّ أُولٰئِكَ كَانَ
عَنْهُ مَسْؤُولاً ". (4) تستطيع أيها الإنسان في هذه الحياة أن تتحكم في حواسك وتوجهها حيث تريد وحيث تشاء، ولكنك في
الآخرة عاجز، وستقف متهماً أمامها لا تستطيع السيطرة عليها، ولا التحكم فيها.
ففي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضَحِكَ , فَقَالَ :" هَلْ تَدْرُونَ مِمَّ
أَضْحَكُ ؟ قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ , قَالَ مِنْ مُخَاطَبَةِ الْعَبْدِ رَبَّهُ فَيَقُولُ : يَا رَبُّ أَلَمْ تُجِرْنِي مِنْ الظُّلْمِ , يَقُولُ بَلَى , فَيَقُولُ إنِّي لَا
أُجِيزُ الْيَوْمَ عَلَى نَفْسِي شَاهِدًا إلَّا مِنِّي , فَيَقُولُ كَفَى بِنَفْسِك الْيَوْمَ عَلَيْك حَسِيبًا وَالْكِرَامِ الْكَاتِبِينَ شُهُودًا , قَالَ فَيُخْتَمُ عَلَى فِيهِ
وَيُقَالُ لِأَرْكَانِهِ انْطِقِي فَتَنْطِقُ بِأَعْمَالِهِ , ثُمَّ يُخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَلَامِ فَيَقُولُ بُعْدًا لَكِنْ وَسُحْقًا فَعَنْكُنَّ كُنْت أُنَاضِلُ ".(5)
(1) [
النحل: 18].
(2) [
إبراهيم: 34]
(3)
سورة لقمان الآية 19
(4)
سورة الإسراء الآية36
(5)
صحيح مسلم كتاب الزهد والرقائق
ولما كانت الحواس بهذا القدر من الأهمية والخطورة، فإنه يجب على الإنسان تسخيرها في طاعة الله وتقويمها بقوام الشرع،
ولن يتأتى ذلك إلا بمعرفة الأحكام التكليفية الخمس : من وجوب ومباح ومستحب ومكروه وحرام .
يقول عبد الواحد ابن عاشر رحمه الله تعالى مبيناً هذه الأحكام
أَقْسامُ حُكْمِ الشَّرْعِ خَمْسّةٌ تُرامْ **فَرْضٌ ونَدْبٌ وكَراهَةٌ حَرامْ
ثُمَّ إِبَاحَةٌ فَمَأْمُورٌ جُزِمْ ** فَرْضٌ ودونَ الْجَزْمِ مَنْدوب وُسِم
ذو النَّهيِ مَكْروهٌ ومَعَ حَتْمِ حَرامْ** مَأذُونُ وَجْهَيْهِ مُبَاحٌ ذا تَمامْ
وبتوفيق الله سأحاول أن أنزّل هذه الأحكامَ على كل حاسة حتى يتسنى للمسلم معرفة أمر دينه، ليعبد الله بكل حواسه
وجوارحه بل وأيضاً بنياته.
 

Post a Comment

أحدث أقدم