خصال فضائل مناقب ابو بكر الصديق
  من الواجب علينا محبة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهو  فرض على كل مسلم يؤمن بالرسالة، وبذلك يتم الاعتراف بفضلهم ومساهماتهم في نشر الدعوة الإسلامية، ولا يتم الاعتراف بفضلهم حتى نقف على مناقبهم وإحسانهم، وسنعرض في هذه السطور بعض مناقب أبي بكر الصديق رضي الله عنه والتي في الحقيقية لا يمكن حصرها في أوراق محدودة بل يستوجب منا ذلك إفراد التأليف في مناقبه رضي الله، ولا شك أنه ألف في هذا الموضوع عشرات من الكتب على مر العصور، ومن بينها الروض الأنيق للسيوطي ذكر فيه أربعين حديثا في مناقب الصديق، إلى غير ذلك من المؤلفات...
  هذا الشخص الذي لطالما نصر النبي صلى الله عليه وسلم يوم أن خذله الناس، وصدقه يوم أن كذبه الناس، إنه الورِع الحَيِي الحازم الرحيم التاجر الكريم صاحب الفطرة السليمة من أدران الظلام والجاهلية، كان شبيها بالرسول صلى الله عليه وسلم وأَنْعِم به من شِبْه..
فمن فضائله ومناقبه رضي الله عنه: أن الله تعالى شهد له بصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم:
  شهد الله تبارك وتعالى للصديق أنه كان الوحيد الناصر لنبيه صلى الله عليه وسلم بعد الله تعالى، فلما كان المشركون يخططون لاغتياله صلى الله عليه وسلم لجأ –بعد أن أذن له ربه بالهجرة- إلى المدينة. وفي ظل هذا الموقف العصيب، لم يترك الصديق حبيبه صلى الله عليه وسلم بمفرده بل طالبه بصحبته ونصرته صلى الله عليه وسلم فأذن له بذلك. قال تعالى: "إلا تنصروه فقد نصره الله، إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا"[1] . فأثبت الله كرامة الصديق رضي الله عنه وأنه الوحيد الذي جاور النبي صلى الله عليه وسلم في محنته، وكان يخاف أن يكشف الكفار مكانهما ومن ثَم ضياع الدعوة، فإذا به يبشره حبيبه بأن الله معهما يرعاهما: "لا تحزن إن الله معنا"، فهذه شهادة من الرسول صلى الله عليه وسلم أقرها الله تعالى وأثبتها في القرآن الكريم، فأما شهادته سبحانه الثابتة للصديق: قوله سبحانه:"وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى"[2].
  قال الإمام الشوكاني رحمه الله في هذه الآيات: "وأخرج ابن أبي حاتم عن عروة أن أبا بكر الصديق أعتق سبعة كلهم يعذب في الله، بلال، وعامر بن فهيرة، والنهدية وابنتها، وزنيرة، وأم عيسى، وأمة بني المؤمل، وفيه نزلت : 'وسيجنبها الأتقى' إلى آخر السورة..، وأخرج الحاكم وصححه: عن عامر بن عبد الله بن الزبير ما قدمناه عنه وزاد فيه فنزلت فيه هذه الآية: 'فأما من أعطى واتقى' إلى قوله تعالى: 'وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى'، وأخرج البزار وابن جرير وابن المنذر والطبراني وابن مردويه وابن عساكر عنه نحو هذا من وجه آخر، وأخرج ابن مردويه ابن عباس في قوله –تعالى- : 'وسيجنبها الأتقى' قال: هو أبو بكر."[3] .
شهادة الرسول صلى الله عليه وسلم بمحبته للصديق رضي الله عنه:
  عن عمرو بن العاص رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه على جيش ذات السُلاسل، فأتيته فقلت: "أي الناس أحب إليك؟،قال: 'عائشة'، فقلت: من الرجال؟، قال: 'أبوها'، قلت: ثم من؟، قال: 'عمر بن الخطاب'، فعد رجالا".[4]
  فهذا دليل صريح على محبته صلى الله عليه وسلم للصديق، ولأن يكون الإنسان محبا من طرف النبي، فهذا يعني أن له شأن عظيم جدا.
ومن فضائله رضي الله عنه: أنه كان أفضل هذه الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم:
  عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: "كنا نخير بين الناس في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، فنخير أبا بكر، ثم عمر بن الخطاب، ثم عثمان بن عفان –رضوان الله عليهم-"[5] .
  وأخرج ابن عساكر عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: "كنا معاشر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم –ونحن متوافرون-، نقول: أفضل الأمة بعد نبيها: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم نسكت."[6].
  وهذا فيه بيان حول تدرج الصحابة رضوان الله عليهم في الأفضلية، ومن البديهي أن كل من له الأفضلية العظمى يقدم على الآخرين في جميع الشؤون سواء الدينية منها أو الدنيوية.
ومن فضائله رضي الله عنه: أنه كان له منزلة كبيرة عند الرسول صلى الله عليه وسلم:
  فعن أبي الدرداء رضي الله عنه، قال: "كنت جالسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم  إذ أقبل أبو بكر آخذا بطرف ثوبه حتى أبدى عن ركبتيه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: 'أما صاحبكم فقد غامر'،فسلم وقال: يا رسول الله، إني كان بيني وبين ابن الخطاب شيء، فأسرعت إليه ثم ندمت فسألته أن يغفر لي فأبى علي، فأقبلت إليك، فقال: 'يغفر الله لك يا أبا بكر –ثلاثا-'ثم إن عمر ندم فأتى منزل أبي بكر فسأل: أثَم أبو بكر؟ -يعني: هل أبو بكر هنا؟- فقالوا: لا، فأتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجعل وجه النبي صلى الله عليه وسلم يتمعر، حتى أشفق أبو بكر، فجثا على ركبتيه فقال: يا رسول الله أنا كنت أظلم –مرتين-. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: 'إن الله بعثني إليكم فقلتم: كذبت، وقال أبو بكر صدق، وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركوا لي صاحبي؟-مرتين-'، فما أوذي بعدها"[7].
  ويستفاد من هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم عد بعض خصال أبي بكر المهمة التي لديها وقع كبير على تثبيت وترسيخ دعائم الرسالة المحمدية وإتمامها بفضل نصرة الصديق للنبي صلى الله عليه وسلم مما دعا منه صلى الله عليه وسلم الدفاع عنه رضي الله عنه في بعض المواقف –إن لم نقل جلها-.
ومن فضائله أيضا: نيابته رضي الله عنه في الصلاة مكان النبي صلى الله عليه وسلم:
  لما اشتد المرض بالنبي صلى الله عليه وسلم الذي توفي فيه، أمر بإنابة الصديق ليصلي بالناس بدلا عنه، "فعن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في مرضه: 'مروا أبا بكر يصلي بالناس'، فقالت عائشة رضي الله عنها: قلت لحفصة: قولي –له- : إن أبا بكر إذا قام مقامك لم يسمع الناس من البكاء، فأمر عمر فليصل بالناس. ففعلت حفصة، فقال: 'إنكن لأنتن صواحب يوسف، مروا أبا بكر فليصل بالناس'، فقالت حفصة لعائشة -رضي الله عنهما-: ما كنت لأصيب منك خيرا"[8].
  وتعتبر صلاة أبو بكر الصديق رضي الله عنه نيابة عن الرسول صلى الله عليه وسلم من المؤهلات التي أهلته لأن يكون خليفة للمسلمين بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم خاصة في مؤتمر السقيفة المشهور.
نيابته في الحج:
 فقد "أذن الله أن يتم المسلمون فروض دينه، والحج تمام هذه الفروض، لكن تَتَابُعَ الوفود لم يتح لرسول الله أن يغادر المدينة إلى بيت الله الحرام، لذلك أمر أبا بكر أن يحج بالناس، فخرج في ثلاثمائة من المسلمين، حجوا وطافوا وسعوا، وفي هذا الحج أعلن علي بن أبي طالب- وفي رواية أبو بكر- أن لا يحج بعد ذلك العام مشرك، ثم أجل الناس أربعة أشهر ليرجع كل قوم إلى مأمنهم وبلادهم، ومن يومئذ إلى اليوم وإلى ما يشاء الله لم يحج إلى البيت الحرام مشرك، ولن يحج إليه مشرك"[9].
ومن مناقبه أيضا: أنه جمع خصال الخير كلها في يوم واحد:
  عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: 'من أصبح منكم اليوم صائما؟' قال أبو بكر: أنا، قال: 'من تبع منكم اليوم جنازة؟' قال أبو بكر: أنا، قال: 'فمن أطعم منكم اليوم مسكينا؟' قال أبو بكر: أنا، فقال صلى الله عليه وسلم: 'ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة' "[10].
  أي خصال وأي خير هذا، جمع الخير كله في يوم واحد، إنه اجتهاد عظيم من رجل عظيم تخرج من مدرسة عظيمة وقائدها عظيم بل هو أعظم صلى الله عليه وسلم، فهذه هي القدوة  الحسنة التي يجب على كل مسلم أن يقتدي بها ليسعد في دنياه وفي أخراه.
  وعن بكر المزني قال: ما فاق أبو بكر أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم  بصوم، ولا صلاة، ولكن بشيء وقر في قلبه.
وقال إبراهيم: بلغني عن ابن علية أنه قال في عقب هذا الحديث: الذي كان في قلبه: الحب لله عز وجل والنصيحة لخلقه"[11].
ومن مناقبه أيضا التنافس والإسراع في فعل الخيرات من الأعمال:
  عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتصدق، فوافق  ذلك مالا عندي، قلت: اليوم أسبق أبا بكر –إن سبقته يوما- فجئت بنصف مالي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: 'ما أبقيت لأهلك؟'، قلت: مثله، وأتى أبو بكر بكل ما عنده، فقال: 'يا أبا بكر: ما أبقيت لأهلك؟'،  قال: أبقيت لهم الله ورسوله، فقلت: لا أسبقه في شيء أبدا"[12].
  بل وكان صلى الله عليه وسلم ينتفع بمال أبي بكر في كثير من الحالات، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: 'ما لأحد عندنا يد كافأناه ما خلا أبو بكر، فإن له يد يكافئه الله بها يوم القيامة، وما نفعني مال قط ما نفعني مال أبي بكر'، فبكى أبو بكر، وقال: هل أنا ومالي إلا لك يا رسول الله"[13].
ومن الفضائل أيضا: أنه كان أعلم الصحابة:
  أخرج تمام الرازي في فوائده، وابن عساكر عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: 'أتاني جبريل فقال: إن الله يأمرك أن تستشير أبا بكر'، وأخرج الطبراني وأبو نعيم وغيرهما عن معاذ بن جبل : أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يسرح معاذا إلى اليمن استشار ناسا من أصحابه، فيهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي والزبير وطلحة وأسيد بن حضير، فتكلم القوم، كل إنسان برأيه، فقال: ما ترى يا معاذ؟ قلت: أرى ما يرى أبو بكر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: 'إن الله يكره وسمائه أن يخطأ أبو بكر' "[14].
   هذه بعض المناقب المصرحة في الأحاديث بفضل أبي بكر رضي الله عنه، وهناك أحاديث كثيرة تبين فضل أبي بكر رضي الله عنه ولكن لا يسمح المقام بذكرها كلها، وإنما التركيز على أهم المناقب التي اختص بها عن غيره، جاهد بماله ونفسه في سبيل إعلاء كلمة الإسلام في أرجاء المعمورة، فواجبنا نحن المسلمين تجاهه أن نعترف بفضله ونقر ما أقره الله ورسوله صلى الله عليه وسلم في حقه وهذا كذلك مع باقي الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين، ومع السعي إلى الإقتداء بهم قدر المستطاع، باعتبارهم عاشوا مع خير  البشرية وبالتالي سنكون خير أمة أخرجت للناس، كما قال الله تعالى: "كنتم خير أمة أخرجت للناس"[15].




[1] - سورة التوبة، الآية 40.
[2] - سورة الليل، الآية 21.
[3] - تفسير فتح القدير، الشوكاني. ج 5 ص 455.
[4] - البخاري في كتاب: فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر"، رقم: 3662، وأخرجه مسلم، رقم: 2384.
[5] - البخاري في كتاب: فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، باب: فضل أبي بكر بعد النبي صلى الله عليه وسلم، رقم: 3655.
[6] - الصديق أبو بكر، لمحمد حسين هيكل، ص: 46.
[7] - البخاري في كتاب: فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر"، رقم: 3661.
[8] - البخاري ومسلم.
[9] - محمد حسين هيكل، الصديق أبو بكر، ص 44.45.                                                                                                                
[10] - مسلم 1028 فضائل الصحابة، باب من فضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
[11] - استنشاق نسيم الأنس، لابن رجب الحنبلي، ص: 13، ط- المكتب الإسلامي.
[12] - أبو داود والترمذي.
[13] -  الترمذي عن أبي هريرة، ومسلم عن ان مسعود، وصححه الألباني.
[14] -
[15]

Post a Comment

Previous Post Next Post