تطور دلالي
التطور الدلالي للألفاظ -
تطور الدلالة، وتغيير في المعنى الأصل -
التطور الدلالي في العربية -
مظاهر التطور الدلالي ف
مظاهر تغيّر الدلالة
دراسة عوامل تطوّر الدلالة
تطور الدلالة
التطور الدلالي
انواع التطور الدلالي
التطور الدلالي بين لغة الشعر الجاهلي ولغة القرآن
رقي الدلالة وانحطاطها.
التطور الدلالي في العربية في ضوء علم اللغة الحديث
كلمات عربية تغير معناها
التغير الدلالي
مثال على رقي الدلالة
الدلالة المركزية والدلالة الهامشية
الدلالة المركزية:
في كل مجتمع من المجتمعات الانسالية تكون وسيلة الاتصال الوحيدة بين الناس هي اللغة ، التي تنتظمهم جميعا .
فالتجارب المختلفة في حياة الناس السابقة تركت اثرا في فهم الالفاظ. ومع هذا فالناس يتوصلون الى فهم مشترك وقد يكون تقريبيا ويكفي في حياتهم العامة. وهذا لايعيق الناس في تبادل وجهات نظرهم ، وهذا القدر يسجله اللغوي في معجمه ، ويسميه الدلالة المركزية ، فكلمة ( شجرة ) تتحذ وضعا واحدا في حياة الطفل ، الّا أن لفظة ( الحب ) تختلف باختلاف العمر وتتطور دلالة اللفظ ، ففي الطفولة تأخذ المفردة وضعا يختلف هذا الوضع عن الشباب والكبر.
الدلالة الهامشية:
هي الدلالة التي تختلف باختلاف الافراد وتجاربهم وامزجتهم ، وتركيب اجسامهم فلو أن متكلماً نطق بلفظة أمام السامع ، أراد أن يوصل الى ذهن السامع دلالتها فتكون هنا في ذهن السامع دلالة معينة اكتسبها السامع من تجاربه السابقة كلفظ (الموت) مثلاً فاصحاب الامزجة المرحة لا يفزعهم لفظ الموت ، ولكن المتشائم يرتعب من لفظ الموت.
لا يخفى على المتتبع والباحث ان الدلالة الهامشية دخلت في مجالات عدة ، ومنها السياسة و القضاء ، ومن هنا بما أنه اللفظ أو الالفاظ السياسية بصورة عامة تحمل الصراع فلذا تكون دلالة اللفظ لها في ذهن السامع دلالة معينة ، تعتمد على تجاربه كما قدمنا في البحث وتتغير هذه الدلالة بما يحدث من متغيرات (فالديمقراطية كنظام سياسي يفهمها الروسي فهما مبايناً لفهم الامريكي) 1.
فالسياسيون حتى في مثل هذا الامر تراهم يسيّروا الالفاظ السياسية الى هواهم ، بما يستفيدون في كسب الدعاية ، فالطاغية يجعلونه ديمقراطياَ.
(فالفاظ السياسة فوق انها الفاظ كاذبة في غالب الاحيان ، تحاط بالدلالات الهامشية)3.
فالدلالة هنا هامشية ، الغرض منها التأثير في عقول الناس وهذا الامر ليس في السياسة فقط بل في غيره كالقضاء.
فالامر في القضاء لا يختلف كثيراً ، فعندما يحتدم نزاع بين طرفين و يثار الجدل ، يكون سببه أن كل مدع أو فاهم للفظ قد امال اللفظ الى تفسيره ، أو لونه بما يريد أن ينتفع به ، و بذلك تحصل معاناة كبيرة في مثل هذا الفهم و لذا يدار النزاع فينظر القضاة الى الاستعانة بمعاجم اللغة أو بدلالة اللغة العرفية للوصول الى فهم اللفظ و دلالته بالدقة الممكنة.
وقد يطال هذا الامر اللفظ المشترك ، وهذا ما يمكن ملاحظته في الشريعة ، فمثلاً تقف الشريعة أمام اللفظ فيفسر في معنيين فمثلاً كلمة (قرء) تفسر بالحيض أو الطهارة في الحيض ولهذا نرى جدلاً اثير عند المفسرين و الاصوليين والفقهاء فضلاً عن علماء اللغة في مثل هذا الامر و من هنا نرى ان الدلالة الهامشية حاضرة بشكل كبير في اللفظ ودلالته.
1- دلالة الالفاظ 109
2 ، 3 – المصدر نفسه 109
الدلالة عند الكبار
تختلف الدلالة لدى كل انسان باختلاف التجارب التي مر بها ، أو الظروف التي تحيط به ، فالطفل مثلاً عندما يرى التفاح للمرة الاولى في صورة معينة ، ثم تتكرر تجاربه فيراه بصورة اخرى مرة هو سليم واخرى هو مريض ، فتتكون في اخر الامر من كل تلك التجارب صورة ذهنية معينة. وهكذا نرى أن الدلالة أمر فردي لا تكاد تتحد فيه الاذهان ، بل تتباين تبايناَ كبيرا ، ورغم كل ذلك لا يقف اللغوي أمام تلك الدلالات المتباينة مكتوف الايدي ، بل يحاول تحديدها في معجمه على اساس مشترك بين جمهور الناس أو بين طبقة متميزة منهم فقد يلجأ في تحديد الدلالة الى خبرة الخبراء و اهل العلم فيستعين بمعلوماتهم في تحديدها و يكون وصفه لها اقرب الى المصطلحات العلمية.
ولكن الناس في حياتهم العامة يعمدون الى التعاون والتفاهم ولا يمكن أن يتم هذا الا بعد أن يتنازل كل منهم عن تلك الفروق التي تميِّز شخصاً من شخص أو فهما من فهم فيتحقق التعاون.
ومع قدر التسامح والتنازل يستطيع اللغوي ان يحدد الدلالات في معجمه ، و أن يقول لفظ كذا مدلوله في اللغة العربية مثلاً هو كذا دون التعرض لقوة الدلالة أو ضعفها فمرجع الافراد هنا تجاربهم المختلفة.
لا بد أن ينظر في ما تقدم أن للدور التاريخي والبيئة اثراً كبيراً و واضحاً في تحديد الدلالات فالانسان بطبعه اجتماعي والالفاظ تنشأ عن حاجة الناس اليها والامر يتعلق بما وضعه الناس لحاجاتهم ، فاصبحت دلالاته متفق عليها تقريباً أما وجه التباين فلم يكن كبيراً والا ما كانت اللغة هي وسيلة التفاهم أو التعبير عن ثقافات الشعوب فهناك عوامل كثيرة تشترك في ايجاد وضع مناسب للدلالات أوله البيئات وتقارب الثقافات والفطرة وما الى ذلك مما يجعل الانسان يصغي لهذه الدلالات باعتبار المجتمع. وما حصل من تبايين أو تفاهم في قضية الدلالة كان يعزى الى عوامل كثيرة منها التعصب للرأي أو الحالة النفسية ، الا ان هذا الامر اقل مما يتصور والا كان الوصول الى الدلالات مما يصعب تحقيقه
تطور الدلالة
لا يخفى على كل متتبع و دارس ، أن دلالة اللفظ تتطور بفعل ما يحصل من ظواهر تاريخية و اجتماعية و نفسية ، فالفاظ تبنى و اخرى تستحدث ، و الفاظ تفقد دلالتها الاصلية. وهذا بفعل ان اللغة كالكائن الحي ينمو و يتغير بمرور الزمن ، ثم ان العلاقات بين المجتمعات وظهور ظروف جديدة تطرأ عليها لها اثر كبير في تغيير الدلالات او بالاحرى تطور هذه الدلالات. و التغيير على ما عهدناه في لغتنا مثلا او في اللغات الاخرى يتنامى ولكن ببطء ، وكل تغيير في اللفظ ودلالاته يأخذ وقتا طويلاً.
فمن الاسباب و الظواهر التي ذكرناها انفاً ، التي تُعدُّ من العوامل المهمة في التطور الدلالي هي ما يأتي:
1- العامل الاجتماعي
الانسان بطبعه اجتماعي يتنقل بين مكان و اخر و يلتقي ابناء مجتمعه او المجتمعات و يواكب الحضارة في تطورها. فمن هنا تنشأ دلالات جديدة اللفظ بما تفرضه الحاجة اليه وبما يتعلق بحياته السياسية والاجتماعية والاقتصادية ، لكونه يتعامل مع الحياة بالشكل الطبيعي ، و وسيلة الاتصال تعد هي الوسيلة الكبرى فلذا تنتج دلالات جديدة لالفاظ مستحدثة او جديدة ، فعندما اكتشفت بعض الالات وضع لها الفاظ بدلالاتها نضرب مثلاً السيارة.
2- العامل النفسي
من العوامل المهمة في تطوير دلالات اللغة ، فقد تستعمل احياناً مفردات لها مدلول نفسي على المتلقي ، فنقول للاعمى (بصيرا) و هذا المعنى و ان كان مضاداً للمعنى الحقيقي الا انه اخذ مدلولاً اوسع مما كان عليه بحيث اثر الجانب النفسي في اطلاق دلالته.
3- العامل التاريخي
و هو من العوامل المهمة فالدلالة اخذت تناغماً مع اللفظ القديم و استنطقته فدل دلالة جميلة ، فلو اخذنا مثلاً كلمة قطار فهي بالاصل موضوعة لقافلة الجمال.
وهناك حالتان مهمتان يعزى إليهما أسباب التطور الدلالي ، فيرى الدكتور إبراهيم أنيس أن التطور إما أن يكون شعوريا أو لا شعوريا (فالتطور اللاشعوري و يتم في كل لغة و في كل بيئة ثم يفطن إلا بعد المقارنة ما بين العصور.
و التطور المقصود المتعمد الذي يقوم به المهرة من صناع الكلام كالمجامع اللغوية و هذا التطور يحصل في مدة قصيرة) 1.
وهذا الرأي ليس جديدا بل هو رأي الاصوليين والمنطقيين 3.
و ما ما يجدر الإشارة إليه في عوامل التطور الدلالي هو ما لخصه في ما يأتي:
أولا: الإستعمال
إن كل مجتمع لا بد أي يستعمل أو يكثر من الألفاظ و لذا لا تقف عند حد معين, فكثرة الإسعمال يعطي اللفظ دلالات أخرى و قد يفقد دلالاته الأصلية. وهذا ما يتبع التجربة و الخبرة و الذكاء ، و تبعا لذلك تتكيف الدلالة. و قد يحدث أيضا ملابسات في فهم اللفظ و من هنا وضح الدكتور ابراهيم أنيس أن عناصر هذا العامل الرئيسي يمكن تلخيصها في ما يأتي :
أ- سوء الفهم
فقد يساء فهم الألفاظ و هذا ما حصل فعلا عندنا في معاجمنا العربية فقد أختلف في معنى كلمة (ليث) و هي الأسد و تعني أيضا العنكبوت. فهنا لا يمكن أن نجد نفسيرا معقولا للفظ إلا بالإتجاه إلى الطفرة الدلالية لحد التعقيد.
.
1 دلالة الأفاظ 134 – 135
2 دلالة الألفاظ 135
3- أصول الفقه من 20-39
ب- بلى الألفاظ
و هذا ما يحدث في اللفظ حين يصيب اللفظ بعض التغير في الصورة و يشابه لفظا آخر في صورته فتختلط الدلالتان ككلمة القماش كما يذكر الفيروز آبادي (أراذل الناس ، و القماش ما وقع على الأرض من فتات الأشياء) و الجوهري يذكر في صحاحه (القماش متاع البيت) و يذكر الدكتور إبراهيم أنيس عن القس طوبيا العنسي الحلفي في كتابه الألفاظ الدخيلة أن كلمة قماش مأخوذة عن الفارسية (كماش) بمعنى نسيج القطن الخشن .
و الكلمة العربية الأصلية قد نطقت بالقاف أوا لكاف. لسبب أو لآخر. فأشبهت الكلمة الفارسية و إنصرفت دلالتها إلى الفارسية التي بمعنى النسيج.
ج. الإبتذال
يصيب بعض الألفاظ الإبتذال في إستعمالها ، و هذا ما يعزى إلى أسباب سياسية أو إجتماعية أو عاطفية. أو ما يتعلق بالسخرية ككلمة الحاجب التي كانت تعني في الدولة الأندلسية رئيس الوزراء أما اليوم فالكلمة تعني الحارس.
و كلمة (ثور بمعنى شريف و هو السيد و اليوم كلمة الثور كلمة سلبية)1.
ثانيا: الحاجة
الحاجة إلى العناصر المهمة في تطور الدلالة و هذا ليس جديدا بل عبر عنه إبن جني (إختراع الصناع لصنائعهم) فها أنت في العصر الحديث تسمع كلمة الجوال بشكل إشتهرت للحاجة إلى مثل هذه المفردة. و هي واضحة الدلالة و لا تحتاج إلى تفسير، و أحيانا تدعو الحاجة إلى إستعمال الألفاظ غير العربية لعدم وجود مرادف لها في العربية ، إلا أن بعض المجامع إعترضت على ذلك كالمجمع العلمي العراقي و السوري و كانوا دائما يجدون حلا لمثل هذه الألفاظ .
1 الدلالة بين السلب و الإيجاب
د. إبراهيم السامرائي مجلة مجمع اللغة العربية صفحة 98 العدد 27 سنه 1993
و الحاجة إلى إستعمال اللفظ أمر طبيعي و هو ما يقودنا إلى مبحث نشأة اللغة ، و هذه الحالة إنسانية يتفق عليها أبناء المجتمعات فيضعون ما هو دال على المعنى الذي يريدون.
و اللغات كما يرى كثير من الباحثين ، أو بما أبدته التجربة الانسانية و الإستقراء هي حاجة إنسانية ، إحداها تحتاج إلى الأخرى . فلذا نجد كثيرا من الألفاظ العربية في اللغات الأوربية ، وهذا ما لاحظناه حتى في أيامنا هذه خلال معيشتنا في المجتمعات الأوروبية, إذ دخلتها ألفاظ دون تردد من هذه مثلا الآن في المجتمع السويدي كلمة (يلا) بالعربية العاميةأصبحت شائعة ما بين أبناء المجتمع السويدي ، و حتى كلمة (حبيبي) التي هي عربية أصيلة. والضرورة الى الاستعمال دعت الى الاخذ عن اللغات الاخرى.
وهذا ليس جديدا فاللغات الاخرى أحذت الفاظا غن العربية ، فدخلت معاجمها ، منها مثلا الفاظ العلوم كالرياضيات والكيمياء والطبيعيات واليك بعض الامثلة:
Sirap شراب
Coffeقهوة
Dragoman ترجمان
و تعني الكحول بالعربية. و هذه الألفاظ و غيرها مما ذكر(alkohol) و كلمة
في الكتب و كتب عنه كتبا كثيرة.
و أرى أن اللغة العربية وصلت إلى أوج تطورها و أصبحت عالمية لأسباب ، منها ما هو ديني و منها ما هو علمي ، إلا أننا لو تتبعنا اللغة قبل ظهور الإسلام لوجدنا أن العرب كانوا ينتقون و يستعيرون أجمل الألفاظ من اللغات الأخرى مما أدى إلى تطور لغتهم ، فأنظر كلمة فردوس ، و حرير و إستبرق و إلى غير هذه الألفاظ تجد أن جمال الجرس و الصوت ، ووقعهما الجميل أثار الذهنية العربية فإنتقلت دلالتها بهذه الصورة ، وهذا لا ينحصر فقط بهذا الأمر بل يتعدى إلى الأسباب التاريخية و السياسية و إلى غير ذلك