الوقف ودوره في التنمية الاقتصادية
دليل على الوقف من القران
الوقف الاسلامي
دور الوقف في تنمية المجتمع
دور الوقف في التنمية الاجتماعية
دور الوقف في التنمية الاقتصادية
فوائد الوقف للمجتمع



مقاصد الوقف: للوقف مقصدان، مقصد عام، ومقاصد خاصة:
 أما المقصـد العـام للوقف: فهو إيجاد مورد دائم ومستمر لتحقيق غرض مباح من أجل مصلحة  معينة.
والمقاصد الخاصة للوقف هي:
أ - في الوقف ضمان لبقاء المال ودوام الانتفاع به والاستفادة منه مدة طويلة؛ لأن الشيء الموقوف محبوس مؤبداً على ما قصد له، لا يجوز لأحد التصرف فيه.
ب - في الوقف برّ للموقوف عليه، وقد حثتنا الشريعة المطهرة على البرّ ورغّبَت فيه؛ فبالبر تدوم صلة الناس، وتنقطع البغضاء، ويتحابون فيما بينهم.
ج - استمرار النفع العائد من المال المحبس؛ فالأجر والثواب مستمر للواقف حياً أو ميتاً، ومستمر النفع للموقوف عليه، والانتفاع منه متجدد على مدى الأزمنة.
د - محافظة الوقف للمال وحمايته من الإسراف والتصرف فيه؛ فيبقى المال وتستمر الاستفادة من ريعه، ومن جريان أجره له، ومن تأمين مستقبل ذريته بإيجاد مورد ثابت يضمنه، ويكون واقياً لهم عن الحاجة والفقر.
هـ - امتثال أمر الله ـ سبحانه وتعالى ـ بالإنفاق والتصدق في وجوه البر، وامتثال أمر نبينا محمد r بالصدقة والحث عليها، وهذا أعلى المقاصد من الوقف، وبهذا الامتثال يكون الوقف سبباً لحصول الأجر والثواب من الله ـ سبحانه وتعالى ـ ومحو السيئات([5]).
و - في الوقف صلة للأرحام؛ حيث يقول الله تعالى: ) وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ ([ الأنفال :75] وجاء في الحديث: " الرحم معلقة بالعرش تقول من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله"([6]).
والصلة تشمل العطف والرحمة، ولذا فقد أمر صلوات الله وسلامه عليه أبا طلحة الأنصاري بقوله: " فاجعله في الأقربين" فتصدق به أبو طلحة على ذوي رحمه..([7]).
ز - فيه تعاون على البر والإحسان لكفالة الأيتام وعون الفقراء والمساكين، وهو ضرب من التعاون في كل ما ينفع الناس، وهو ما يسمى اليوم بالتكافل والرعاية الاجتماعية، وذلك ما دعا إليه القرآن الكريم:)  وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى( [ المائدة:2]،  ولقد أثنى الله تعالى على المحسنين بقوله: ) وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ (24) لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ( [ المعارج:24-25].
ح - في الوقف رعاية للأولاد بالحفاظ على أموال المورث بعد موته من الضياع؛ لأن كثيراً من الوارثين يتلفون الأموال التي ورثوها إسرافاً وبداراً، ثم يظل أحدهم عالة يتكفف الناس، وهذا ما قاله زيد بن ثابت t: " لم نر خيراً للميت ولا للحي من هذه الحبس الموقوفة؛ أما الميت فيجري أجرها عليه، وأما الحي فتحبس عليه ولا توهب ولا تورث ولا يقدر على استهلاكها"([8]).
ط - الوقف على المساجد والمعاهد والمدارس والمشافي ودور العجزة وملاجيء الأيتام، كل هذا مما يضمن لهذه المرافق العامة بقاءها وصيانتها.
ي - أن الوقف من القربات التي يسري ثوابها للمحسنين في حياتهم الدنيا وبعد الموت جزاء بما قدمت أيديهم([9]).
ك - يتحقق في الوقف في الدنيا بر الأحباب، وفي الآخرة تحصيل الثواب، وفي الوقف حل لكثير من المشاكل الاجتماعية التي تنتاب المجتمع في كل عصر وحين([10]).


الدور الاقتصادي والتنموي للوقف في الحضارة الإسلامية:
لقد أثبتت التجربة التاريخية عبر القرون الإسـلامية الماضية الدور الكبير والعطاء المتميز لمؤسسة الوقف في تمويل التنمية الاقتصادية والاجتماعية والعلمية والصحية والمجتمعية، مما ساعد على نمو الحضارة الإسلامية وانتشارها؛ حيث انتشرت بسببها المدارس والمكتبات والأربطة وحِلَق العلم والتأليف، وتحسنت بدعمها الأحوال الصحية للمسلمين وازدهر علم الطب، إضافة إلى دور هذه المؤسسة في دعم الحركة التجارية والنهضة الزراعية والصناعية، وتوفير البنية الأساسية من طرق وقناطر وجسور.
والمتأمل في أساليب الانتفاع الاقتصادي لمؤسسة الوقف في العصور الإسلامية الأولى سيجد أنه شمل أنواعاً مختلفة من مصادر ثروة المجتمع تمثلت في أراض زراعية، وحدائق وبساتين، إلى مختلف العقارات والدكاكين وأدوات الإنتاج، فضلاً عن السفن التجارية والنقود. أما عن الآثار التنموية لمؤسسة الوقف التي تظهر في حياة المجتمع فهناك آثار اقتصادية أبرزها: الأثر على التشغيل والتوظيف وتوزيع الثروة وتشجيع الاستثمارات المحلية، كما أن لها آثاراً اجتماعية، أهمها: تحقيق التكافل الاجتماعي والترابط الأسري، وبناء المساكن للضعفـاء، ومساعدة المحتاجين، وتزويج الشباب، ورعاية المعوقين والمقعدين والعجزة، وبناء القبور، وتجهيز لوازم التغسيل والتكفين للموتى([1]).
الدور الاجتماعي والإنساني للأوقاف في الحضارة الإسلامية:

الأوقاف الإسلامية لها دور عظيم في إمداد الجانب الإنساني والاجتماعي لخدمة الفرد والجماعة والأمة .. وقد تميّز هذا الدور ـ ولا يزال ـ في جميع مراحل الحضارة الإسلامية. ويؤكد هذا المعنى الأستاذ الهاشمي الفيلالي ـ وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية (سابقاً) بالمملكة المغربية ـ فيقول([2]):" إن الحديث عن مؤسسة الأوقاف في العالم العربي والإسلامي .. يتعلق بمؤسسة اجتماعية اقتصادية دينية لعبت الدور الفعّال في تنظيم المجتمع الإسلامي وتكوين (إمبراطوريته) وتشييد حضارته ..  إن هذه المؤسسة الإسلامية المنيرة قامت وعلى طول تاريخ الحضارة العربية الإسلامية بدور مركزي في تنظيم المجتمع وتسيير شؤونه من خلال:
1-الوقف على المؤسسات الإنسانية، مثل: المستشفيات، والأيتام، والعجزة.
2- الوقف على المرافق العامة، مثل: حفر الآبار وتعهدها.
3- الوقف من أجل بناء المساجد والمدارس والمعاهد العلمية وغيرها... ".
ثم يضيف الأستاذ الفيلالي قوله: هذه المؤسسة الإسلامية لها تأثير فعَّال في حياة المجتمع الإسلامي، بالإضافة إلى إبرازها للمباديء السمحة التي بشر بها ديننا، والحاثة على التضامن والتكافل الاجتماعي الإسلامي..
 الدور الصحي للأوقاف في الحضارة الإسلامية:
اهتم المسلمون بالصحة العامة اهتماماً عظيماً، وتمثل ذلك فيما وقفوه من الأموال لإنشاء المستشفيات والدور الصحية لعلاج الإنسان بل والحيوان .. وفي الوقت الذي كان للمسلمين من خلال الأوقاف مستشفيات وأطباء وأدوية كانت أوروبا لا تعرف النظافة ولا الصحة ـ كما يحدثنا التاريخ وعقلاء الغرب أنفسهم .. و الأمثلة التي تبرز الدور العظيم الذي قامت به مؤسسة الأوقاف في رعاية الصحة من خلال إنشاء المستشفيات -التي عرفت بالمارستانات- في الحضارة الإسلامية والتي تعني بيت المرضى، وهذا ما يعنيه مصطلح المستشفى في الوقت الحاضر، والأمثلة على ذلك كثيرة ولا تحصى.
ففي عهد الدولة الطولونية أنشأ أحمد بن طولون بيمارستاناً أوقف عليه دخل بعض الأبنية([3]). كما شهدت مصر في عهد الأيوبيين إنشاء بيمارستانات وقفية خُصِّص لها الأطباء المهرة والمشرفون والخدام، وذلك في القاهرة والإسكندرية، وتولى الإنفاق عليها من ديوان الأحباس؛ على اعتبار أن الرعاية الصحية في ذلك العصر من أعمال الخير أكثر منها من مهام الدولة.

([1])     الوقف: مكانته وأهميته الحضارية، للدكتور فواز بن علي الدهاس.  
([2])      ندوة الأوقاف في العالم العربي والإسلامي (ص9-11).
([3])      المقريزي: المواعظ، 2/405.


تاريخ الوقف:
الوقف نظام اقتصادي إسلامي أصيل لحبس الأصول الاقتصادية بحيث تكون غلتها مصدر تمويل دائم لمصلحة الأمة وابتغاء مرضاة الله.
بُديء بدعم المؤسسات التعليمية مع بدْء التشريع الإسلامي ، وأقام الوقف الإسلامي أول مجتمع للمعرفة في بلاد المسلمين؛ وذلك بدعمه للجهود العلمية والبحثية وإنشاء المكتبات.
لقد كان الوقف السبب الرئيسي في أغلب الإنجازات العلمية التي شهدها العالم في العصر الوسيط، والتي كانت الأساس الذي شيِّدت عليه الحضارة الحديثة.
كانت أوائل الوقفيات في عهد الرسول r مسجد قباء، ووقف سبعة بساتين حوائط بالمدينة المنورة ([1])، ووقف عمر بن الخطاب أرضه التي بخيبر، ووقف عثمان بئر روما، ووقف أبو طلحة بستانه بيرحاء. وفي العصر الأموي تم إنشاء إدارة خاصة للإشراف على  الوقف في زمن هشام بن عبدالملك([2]).
وتوسعت مصارف ريع الوقف في العصر العباسي لتشمل الأوقاف الحاضرية المدنية كالمستشفيات والمكتبات ودور الترجمة ومعاهد التعليم وغيرها.
وفي عصر المماليك تم إنشاء ثلاثة دواوين للإدارة والإشراف على الوقف، هي: ديوان لأحباس المساجد، ديوان لأحباس الحرمين الشريفين، ديوان للأوقاف الأهلية([3]).
وفي العهد العثماني تم توسعة مصارف ريع الوقف لتشمل كليات الطب، والخدمات الطبية لمستشفيات قائمة؛ مواكبة للتقدم والتطور العلمي في العصور الحديثة([4]).

([1])       أحكام الأوقاف: للخصاف ص 2-3.
([2])       تاريخ المدينة 1/175.
([3])  محاضرات في الوقف: لأبي زهرة ص 16.
([4])  المرجع السابق.
([5])     انظر: أحكام الوقف في الشريعة الإسلامية د. محمد الكبيسي 1/137، مقدمة دراسة كتاب الوقوف من مسائل الإمام أحمد د. عبدالله زيد 1/66.
([6])     صحيح الإمام مسلم بشرحه للنووي 16/113.
([7])     صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري 5/387، وصحيح مسلم مع شرحه للنووي 11/86.
([8])     كتاب الإسعاف في أحكام الأوقاف لإبراهيم الطرابلسي ص9، مفتاح الدراية ص18.
([9])     انظر: مفتاح الدراية لأحكام الوقف والعطايا للمستشار يوسف إسحق النيل ص18.
([10])  انظر: الخصاف، أبو بكر بن أحمد بن عمرو الشيباني، أحكام الأوقاف ، ص12، مجلة البحوث الإسلامية العدد (36) ، بحث د. أحمد عبد الله بن أحمد الزيد ص 207 وما بعدها.


Previous Post Next Post