عناصر العمل القصصي:
       تشمل هذه العناصر الأحداث والشخصيات والبيئة والوسط والحبكة القصصية أو العقدة.(12) وقد قسم فورستر عناصر العمل القصصي  إلى: الشخصيات والحبكة والفنطازيا(الخيال) والإلهام (ملكة التنبؤ) والأسلوب (البناء والقالب) والإيقاع . (13) أما بيرسي لوبوك فقد حدد عناصر العمل القصصي في الشخصيات والشكل والحبكة والبناء والسرد.(14)
       بينما يعطي كولن ولسن في كتابه " فن الرواية" أهمية خاصة للربط بين التوثيق الاجتماعي والسرد،ويؤكد أن المؤلف يحتاج إلى الحدث،فإذا فقد الحدث أمكنه التعويض عنه باللغة التي تقوم بدور آلة التصوير، ويرى أن الحبكة ضرورية، فلا توجد رواية تخلو من حبكة، ويؤكد أن رواية يوليسيس لا تخلو من حبكة.(15) بينما يرى ألان روب جرييه أن جوهر الرواية هو ما يكمن داخلها، وأن قوة الروائي تكمن في أنه يخترع بحرية دون التقيد بنموذج معين، ويؤكد أن الشكل يتضمن المعنى وأنه لا توجد طريقتان لكتابة كتاب واحد .(16) في العناصر السابقة نجد أن الحدث هو اقتران فعل بزمن ولا تقوم القصة إلاّ به،(17) والزمن يضبط الفعل، به يتم الفعل وعلى نبضاته يسجل الحدث وقائعه، أما شخصيات القصة فهم الذين يصنعون الأحداث، وشخصية الإنسان تتأثر بعدة عوامل هي مولده، وبيئته وسلوكه والظروف التي تعترض طريقه، وسيأتي الحديث عن الشخصية في مكانه في الصفحات المخصصة لدراسة الشخصية،أما الوسط والبيئة فيشملان مجموعة من العوامل والعناصر الثابتة والطارئة التي تحيط بالإنسان وتؤثر في سلوكه،(18) والحبكة القصصية لها مظاهر متعددة مثل الفكرة والعقدة والإطار، والفكرة تعني معقولية الأحداث وترابطها وتسلسلها المنطقي، والعقدة هي بؤرة الفكرة أو مركز الأحداث الذي تلتقي فيه حين تبلغ قمة تعبيرها عن الفكرة وهي من أهم العوامل في بناء القصة باعتبار أن الفن القصصي يعتمد على عنصر التشويق الذي يشد القارئ، أما الإطار فهو الذي يربط بين الأحداث والعقدة، وعن طريقه يســــتطيع الكاتب أن يحول فكرة قصته إلى أحداث وأن يطور الأحداث ليصل بها إلى عقدة ويسير بالعقدة إلى الحل.(19) والحبكة أنواع منها:   
الحبكة المفككة :
       التي تقوم فيها القصة على سلسلة من الحوادث أو المواقف المنفصلة، وتعتمد وحدة العمل القصصي في هذا النوع على بيئة القصة أو الشخصية الأولى فيها أو على نتيجة الأحداث، أو الفكرة الشاملة التي تنتظم الأحداث والشخصيات معا.
الحبكة المتماسكة :
       التي تقوم على حوادث مترابطة تسير في خط مستقيم لتصل إلى نهايتها . و تعتمد الأحداث على عناصر التوقيت الذي يعني سرعة سير الحوادث ، والإيقاع (20) بمعنى التنويع
في درجات الانفعال و التشويق و يقصد به الحيل التي يلجأ إليها الكاتب لشد انتباه القارئ.(21)
2- الرواية العربية:
       ترى أمينة رشيد: "أن قصصنا الحديثة قد تأثرت بالقصص الأوربية بعامة و الفرنسية بخاصة. "(22)  ولكنها تستدرك موضحة بأن هذا يقر نوعا من التبعية يضر بآدابنا ويتجاهل قانون تطورها الخاص، وترى أن هناك فرقاً بين التأثر والتبعية، فالتأثر في نظرها اكتمال وانتساب، أما التبعية فهي في نقل  الإشكالية بحلولها ،وقد ذهبت الكاتبة في دراستها إلى حد اعتبار أن "حديث عيسى بن هشام"على الرغم من حنين كاتبها إلى الماضي، أكثر معاصرةً من "زينب" في وعيها بقضايا مجتمعها وفي إدخالها المحكم لنقد الواقع في شكل مقامة .
       وسواء أكانت الرواية العربية قد تأثرت بالرواية الغربية أو بالموروث العربي القديم، فإن فن القص قديم قدم الإنسان ، ولعل أبسط أنواع القصص نجدها في الأمثال ، فالمثل "يرجع معناه في العبرية إلى معنى الأسطورة أو الحكاية ، و قريب من هذا أيضا معناه في القرآن الكريم ، فهو بمعنى الحكاية القصيرة أو الطويلة نسبيا."(23) وقد وردت بعض القصص في القرآن بأســــــــلوب رفيع كقصة يوســف و سليمان و ملكة سبأ وقصة الخضر و أهل الكهف وغيرها ، و قد وجد فن القص في العصر الأموي ، ثم ابتدع بديع الزمان الهمذاني (ت398هـ) فن المقامات على غير مثال سابق ، و قد جعل لمقاماته بطلاً واحداً . ويرى  د/محمد زغلول سلام أن قصص القرن التاسع عشر العربية سواء في سوريا أو لبنان أو مصر قد تأثرت بالمقامات العربية القديمة كما نشاهد في" ليالي سطيح" لحافظ إبراهيم وحديث عيسى بن هشام للمويلحي.(24)
       كما ساهمت الترجمة في نقل الروايات عن الأدبين الفرنسي و الإنجليزي ، ومن رواد الترجمة في مصر رفاعة رافع الطهطاوي  وعثمان جلال ، وقد قام مصطفى لطفي المنفلوطي بالمواءمة بين القصة العربية في ترجمتها العامية الركيكة و بين المزاج العربي الفصيح فأعاد صياغة كثيرٍ من القصص الفرنسية بأسلوب عربي ناصع .(25)    
       ويعتبر مؤرخو الأدب أن قصة "الهيام في جنان الشام "هي أول عمل روائي قصصي متكامل ، فقد نشرها سليم البستاني على حلقات في مجلة الجنان سنة 1871م في بيروت تلتها رواية "زنوبيا" التي نشرت مسلسلة في مجلة الجنان سنة 1871م ، و" بدور "عام 1872م ، و"أسماء "عام 1873 ، وكانت مجلة الجنان ومحررها سليم البستاني أول من رسخ الاهتمام بالفن الروائي القصصي في شكله الحديث المستورد ،(26) ثم قام سعيد البستاني، تلميذ سليم البستاني بنقل هذا الفن إلى مصر، فحمل الكتاب المصريون شعلة هذا الفن وانتقلوا به إلى مراقٍ جديدة، فأضافوا بعدا جديداً وامتداداً فسيحاً في الجهود الروائية، فبرز طه حسين ومحمود تيمور والعقاد وتوفيق الحكيم وأحمد شوقي ونجيب محفوظ الذي كتب ثلاثيته المشهورة "بين القصرين  وقصر الشوق والسكرية "، وهناك ثلاثيتان أخريان تشكلان مع ثلاثية نجيب محفوظ أعظم ثلاث ثلاثيات في الأدب العربي الحديث، وهما:ثلاثية الكاتب الجزائري محمد ديب "الدار الكبيرة ـ الحريق ـ النول"، وثلاثية الكاتب السوري صدقي إسماعيل "العصاة آل عمران والصديقان والعصبة "(27)  ولم يتوقف ظهور الثلاثيات عند تلك التي ذكرها د/عبد الرحمن ياغي في 1981، فقد ظهرت خماسية عبد الرحمن منيف "مدن الملح"  وثلاثية أحمد عمر شاهين التي تناول فيها ثلاث شخصيات مختلقة من عائلة الشواهدي عاشت حياتها في مناطق مختلفة، في يافا وفي مصر وفي فرنسا.
        ويرى إلياس خوري أن البحث الروائي العربي يتشكل في ثلاثة محاور كبرى :
الأول : هو" التوازي "ويتمثل في قراءة الحاضر بلغة الماضي أو بتقنيات  لغوية ذات مرجع
تراثي ونجد ذلك في كتابات : " جمال الغيطاني ـ إميل حبيبي " .
الثاني : ويحاول استنباط لغة لتفاصيل الحياة المعيشة ، مستفيدا من تجربة الرواية الجديدة في الغرب ويبرز لدى : " إدوار الخراط و عبد الحكيم قاسم و غالب هلسا و هاني الراهب " .
الثالث : ويسميه " كتابة الحاضر"أي رواية الزمن المعاش بوصفه مزيج أزمنة ، ويقدم الكتابة الناقصة بوصفها الشكل الروائي المحتمل في زمنٍ متغير"إبراهيم أصلان ـ إلياس خوري "(28)
       يقول إلياس خوري :" قد يكون من حسن حظ الرواية العربية أن الأسطورة النقدية لم تعترف بنصٍ قصصيٍ أول ، حسن الحظ هذا انقلب إلى سوء طالع ، لأن أسطورة الأول  انتقلت إلى النموذج الغربي، فجورجي زيدان أوله والتر سكوت ، ونجيب محفوظ أوله بلزاك، والطيب صالح أوله الرواية الإنجليزية في القرن التاسع عشر. " (29)
       والرواية ذات خصائص شبه ثابتة، سواءُُ أكانت غربية أم عربية، وما يمثل فيها الإضافة الإبداعية هو محتواها، وخصوصية هذا المحتوى، ومدى مساهمته في تطورها كنوعٍ أدبي ، وقد أدى تفجر الوعي القومي البرجوازي إلى تفجر الوعي الفني الروائي (30) والرواية هي أكثر الأجناس الأدبية قدرة على التعبير عن هموم الإنسان العربي وطموحاته وآماله . (31)


Previous Post Next Post