نشأة الرواية:
      الرواية جنسٌ أدبيٌ حديثٌ ، ارتبطت نشأتها بنشأة الطبقة البرجوازية ،ومن هنا كان اعتبارها فناً برجوازياً ، بمعنى أن نشأتها مرتبطة بالتطورات الاقتصادية ، والتحولات الاجتماعية داخل المجتمعات الأوربية ،وقد  نظر هيجل إلى الرواية على أنها النوع الفني الذي يقابل الملحمة ، حيث تتمثل في الرواية السمات الجمالية للقصة الملحمية الكبيرة ، وعلى هذا الأساس فإنه يرى أن الرواية طور تاريخي من أطوار الفن الملحمي الكبير. ( 1 )
      وقد تولدت الرواية من حيث المضمون عن الصراعات الأيديولوجية بين البرجوازية الصاعدة وبين الإقطاع ، ولكن هذا الصراع لم يحل بين الرواية وبين الانفتاح على ميراث الثقافة الإقطاعية الحكائية ، ( 2 ) هذا عند لوكاتش ، أما باختين فيرى أن هناك وجوداً روائياً في حقب الضعف والانهيار التي تلت سقوط الحضارات  القوية والمهيمنة، (3) وهذه ظاهرة لافتةٌ للنظر عبر التاريخ، حيث أن الأدب يزدهر في مراحل التدهور السياسي ، فالأدب المقاوم مثلاً ينمو خلال فترات الكفاح والصراع .
      وقد دعا هويه (huet) إلى البحث عن نشأة الرواية في مواطن أكثر بعداً ، في مصر وسوريا والهند وإيران وبلاد العرب، فقد خرج أكبر روائيي العصور القديمة من هذه الشعوب، (4) بينما يرى الدكتور السعيد الورقي أن الأشكال القصصية في الأدب العربي القديم لم تؤثر في نشأة الرواية في الأدب العربي الحديث  (5) .
      وقد ترجمت المقامات في بداية القرن الثامن عشر في أوربا ، كما ظهرت ألف ليلة وليلة في باريس ولندن ، وهذا يجعل من المقبول أن تكون الرواية الأوربية قد تأثرت بطريقة  أو بأخرى بالموروث الأدبي العربي ، لتصل إلينا بعد ذلك في ثوبها الغربي الذي بدا غريباً عنالأول وهلة.( 6)
      ويذهب د/ إبراهيم السعافين في  الاتجاه نفسه حيث يرى أن الأوربيين قد استفادوا من التراث الروائي والقصصي عند العرب في الأندلس ، فقد استشهد في سبيل تأكيده لذلك بالباحث الأسباني (أمريكو كاسترو) الذي عزا تطور الفن الروائي في أوربا إلى تلك الأحاديث القصصية التي كان يتناقلها العرب ، فقد كان الأوربيون يقبلون بشغفٍ على تلك الأحاديث التي يقصها العرب في مجالسهم وأسمارهم، بل إن أول إنتاجٍ قصصي أسباني أصيل وهو أول إنتاجٍ قصصي أوربي أيضاً للأمير (خوان مانويل ، 1282-1348) اقتبس عن قصص كليلة ودمنة، وقد أسهمت قصص الفروسية العربية، والمقامات العربية في إنضاج الفن الروائي الأسباني، والفن الروائي الأوربي من بعده،(7) كما يرى د/محمود ذهني أن الفن القصصي في الأدب العربي ليس حديثاً أو منقولاً عن الأدب الغربي نقل ترجمة واحتذاء ، فالفن القصصي موجود قبل الشعر، ووجود هذا الفن مرتبط بوجود الشعب ، وهو موجود قبل الملوك الذين ارتبط الشعر بهم . (8)
    ويرى الدكتور محمود غنايم أن الرواية العربية استمدت مقوماتها من الأدب الغربي وأنها دخلت إلى الأدب العربي قبيل الحرب العالمية الثانية . (9) وتؤكد أمينة رشيد أن نشأة الرواية تختلف من قارة إلى قارة . (10)
      والحقيقة أنه لا يمكن أن يعيش بلدٌ من البلدان أو شعبٌ من الشعوب بمعزلٍ عن بقية بلدان وشعوب العالم ،فالتراث الإنساني ملكٌ لجميع الأمم، تأخذ منه ما تحتاج إليه، وتضيف إليه ما تبدعه، فيخرج في ثوبٍ جديدٍ، وعليه فإنه ليس من حق أي طرفٍ ،كائناً من كان، أن يدعي أنه ابتدع هذا الجنس الأدبي أو ذاك، فالأجناس الأدبية تتناقلها الشعوب وتضيف إليها من قريحة أبنائها بما يتلاءم وظروفها الموضوعية الخاصة، ويمكن الاسترشاد بما حدث في مجال الملحمة، فقد ظل العالم كله أسير نظريةٍ تنسب أقدم الملاحم إلى اليونانيين والإغريق ،إلى أن كشفت الحفريات أن ملحمة جلجامش كتبت قبل الملاحم اليونانية بزمنٍ طويلٍ"1500 عام".(11)

مواضيع ذات صلة
 تاريخ الرواية

نشأة الرواية:
تعريف الرواية العربية
الرواية العربية الحديثة
تطور الرواية العربية الحديثة لعبد المحسن طه بدر
الرواية العربية النشأة والتحول
نشأة الرواية الغربية
الرواية العربية
مفهوم الرواية المغربية
نشأة الرواية عند الغرب



Previous Post Next Post