نشأة  الدولة  العراقية

    إذا كان الجدل السابق حول نشأة الدول العربية وخلفياتها التاريخية والسياسية، ينطبق أيضاً على نشأة الدولة العراقية أيضاً وكل ما يرتبط بها من عمليات بناء الدولة والأمة والاندماج ومن ثم الانتماء والولاء  لهذه الدول وشرعيتها ، فان ذلك لا يمنع من تطبيق ما هو عام على ما هو خاص عبر ملاحظة الآراء المختلفة حول نشأة الدولة العراقية . يضع ( ٳيليا حريق ) العراق ضمن مجموعة الدول التي سماها ( أنظمة صنيعة الاستعمار ) ،أي الدول التي نشأت استجابة لرغبة الاستعمار بعيداً عن الرغبات المحلية الوطنية ، حسب رأي ٳيليا حريق ، ويقول بهذا الصدد بأن الاستعمار بلغ ذروة نفوذه العالمية الأولى حيث تقاسمت بريطانيا وفرنسا السلطة على الهلال الخصيب ، وأنشأ الفرنسيون والبريطانيون خمس دول جديدة في الهلال  الخصيب لم يكن لأي منها سابق عهد سياسي ، وهذه الدول كانت عبارة عن ولايات ٳدارة عثمانية لا تتطابق مع الدول التي صنعتها بريطانيا وفرنسا( [1]). وحسب هذا الرأي فلم يكن للعراق قبل إنشائه على يد البريطانيين نواة دولة محلية يمكن أن تقام على أساسها دولة حديثة. ويمكن بسهولة ٳيجاد مؤيدين لهذا الرأي في العراق و خارجها بين الباحثين والسياسيين العراقيين والعرب وغيرهم . ويمكن أن نشير في هذا الشأن إلى آراء ( غسان العطية ) الذي يعتقد بأن العراق بحدوده الحديثة لم يكن قط وحده سياسية منفصلة قبل القرن العشرين ، وأن كلمة عراقي ليس لها معنى محدد  في  القرن التاسع عشر ، وبالتالي لم توجد نواة دولة حديثة ( [2]) . ويذهب ( عامر حسن فياض ) مذهباً مماثلا مع بعض التعديل عندما يؤكد بأن الدولة العراقية ونظامها السياسي لم يظهرا حصيلة لعوامل داخلية ، فهذه الدولة لم تخرج من أحشاء المجتمع المدني بل تكونت تحت ضغط مجموعة عوامل خارجية ناجمة عن ثقل علاقات التبعية ، ولهذه العوامل الخارجية الأسبقية على العوامل الداخلية الداعية لنشأتها ، والسبب هو افتقار العراق للطبقة التي تطالب بحضورها وتسهم في نشأتها ، وأن هذه الدولة المستحدثة لم تشكل على حساب انحلال النظام الإقطاعي ، ولم تُبنَ لتحطم هذا النظام بسبب انعدام وجود مثل هذا الماضي الإقطاعي قبل التأسيس. لقد استجاب التنظيم المؤسسي العراقي الحديث لعوامل خارجية المنشأ واستمد أفكارها الليبرالية من أفكار الدولة المهيمنة. ولكن هذه الاستجابة لا تقودنا إلى القول بأن الدولة العراقية المستحدثة قد صنعت بقرار خارجي بريطاني فقط ، لأن العوامل الخارجية التي دفعت لاستحداثها شملت رغبة أكثر من طرف دولي ( [3]) ، وينتهي هذا الرأي إلى ترجيح الاعتبارات الخارجية لنشأة الدولة العراقية ، و لكن دون تجاهل الاعتبارات الداخلية ، المتمثلة بثورة عام ( 1920 ) والتي يرى فيها التعبير الأمثل للرغبة المحلية في تأسيس تلك الدولة بعد أن أجبرت الانكليز على الاستعجال في تأسيس الحكومة الوطنية ( [4]).
    ولكن هناك من يعتقد بأن ٳنشاء الدولة العراقية تم بقرار استعماري رغماً عن ٳرادة ورغبة سكانها ، أو على الأقل رغماً عن ٳرادة بعض من أهم مكوناتها ، ويرى هؤلاء  بأن عملية تشكيل الدولة العراقية بهذه الطريقة هي إحدى أهم معوقات تكامل المجتمع العراقي واندماجه ، لأن التأسيس غير صحيح ولا طبيعي ، وٳنما جاء وفقاً لمصالح وسياسات الدول الاستعمارية دون الرجوع إلى سكانها ، حيث جاء تقسيم الأقاليم والمستعمرات المنسلخة من الإمبراطورية العثمانية وفقا لاتفاقيات بين الدول المسيطرة على المنطقة( [5])،لقد تكونت هذه الدولة (العراق)نتيجة ضم الولايات الثلاثة(الموصل، بغداد، البصرة) عبر مرحلتين ،جاءت الأولى، جاءت عن طريق تأسيس الدولة العراقية من ولايتي البصرة وبغداد ، والمرحلة الثانية هي إلحاق ولاية الموصل بهذه الدولة دون مراعاة لرغبة سكانها، وجاء تأسيس الدولة على أسس عرقية وطائفية تنفيذاً للمخططات الاستعمارية وذلك بإسناد الحكم إلى العرب السنة ، وتهميش العرب الشيعة والأكراد فيها ( [6])، ويرجع ذلك إلى أن الحكم المستند إلى أقلية عددية من سكان البلاد يجعل هذه الأقلية بحكم كونها مهددة داخلياًً ، مضطرة إلى الاستعانة بقوة خارجية تدعمها، ومستعدة للتفاهم معها ، أكثر من الحكم المستند إلى الأكثرية.  وهكذا كانت السياسة البريطانية آنذاك ترتكز على ٳنشاء حكم الأقليات في المستعمرات ، وهو وضع مثالي يوفر الأسس لقيام مصلحة مشتركة بين القوة الخارجية وبين الأقلية الحاكمة لكبت المحكومين والاستئثار بالسلطة السياسية والثروات الاقتصادية ( [7]) .
    ويقول ( ليورا لوكيز ) بهذا الصدد بأن الاعتراف الرسمي بالهيمنة السنية على العراق تتعارض مع التحليلات الحديثة القائلة بأن القوى الاستعمارية في العراق كانت دائماً تحاول الإبقاء على الوعي القومي للأقليات ناشطاً كسبيل لإبقاء انتدابها على البلد ، ولذلك فعلى مستوى الإدارة ، جاهدت بريطانيا من أجل ممارسة السيطرة غير المباشرة على شؤون البلاد،واستطاعت تحقيق ذلك عن طريق ٳتباع  ٳأسلوب  تعيين  المستشارين ٳلا  أن استمرار هذا الوضع غير الطبيعي كان ممكنا فقط عن طريق التحالف مع الأقلية الحاكمة على حساب الأغلبية المحكومة في البلد ، وهذا لا يعتبر مثالاً على سياسة فرق تسد للحفاظ على مصالحها الاستعمارية بل هو مثال على محاولة بناء الدولة عن طريق الدمج ألقسري ولو كان من أجل نفس الهدف الاستعماري ألمصلحي ( [8]) .
    ويشير ( هنري فوستر ) إلى أن تأسيس الدولة العراقية الحديثة يعد من الناحية التاريخية من أحدث ما أوجده اتفاق القوى العظمى العالمية ، والعراق يعد أول تلميذ يتخرج في المدرسة التعليمية التي أسستها العصبة (عصبة الأمم) للشعوب المتأخرة كي تعدّها بذلك لبلوغ صفة الدولة ، وهو يؤكد أن بناء الدولة العراقية لم يكتمل وٳنما بدأت الخطوة الأولى فيه في 3 / تشرين الأول / 1932 وهي البداية نحو بلوغ صفة الدولة وليست البلوغ الكامل ( [9]).وهناك من يؤكد بأنه ٳذا كان قيام العراق كدولة نتيجة لانهيار الإمبراطورية العثمانية ، فانه لم يكن بالضرورة نتيجة حتمية لهذا الانهيار ، وٳذا كان هذا الانهيار أمراً حتمياً ، فانه لم يكن بحد ذاته سببا لازماً لقيام دولة جديدة في العراق ، فقد كانت هناك عدة بدائل للتصرف بالأقاليم التي خلفها العثمانيون ، ولكن الواقع أن تنافس الدول العظمى هو الذي حدد نوع هذا التصرف وطبيعته( [10]). وعلى الرغم من كل الانتقادات التي يوجهها للدولة العراقية وحكومتها وخلل نشأتها ، فأن الباحث ( علي كريم سعيد ) يعتقد بأن العراق كوطن وتاريخ هو من أكثر بلدان الأرض امتلاكاً للمميزات الصالحة لإقامة دولة متماسكة بسبب تأريخه العريق والحضارات التي قامت على أرضه ، ويؤكد على أن أزمة التعثر الراهن لا تكمن في ذاته (كينونته ووجوده) وطنا وشعبا بل ربما تكمن أزمته أو علته شبه المستديمة الراهنة في شكل حكومته القائمة منذ بداية القرن العشرين ولحد الآن، ويعتقد ( على كريم سعيد ) بأن الخلل الأساسي يكمن في ما يسميه بخلل النشأة وطريقة حدوثها ، حيث جاءت هذا النشأة مفروضة من فوق ومن الخارج على أبناءها ، من شكل الدولة ودستورها وجيشها ومضمون عقيدتها العسكرية إلى شكل الشراكة الوطنية القائمة بين أبنائها إلى اختيار الرجال الذين حكموا البلاد دون مشاركة فعلية وحقيقية لأهم مكونات شعبها ( [11]).
     ويقول ( على جواد كاظم وتوت ) بأن صعوبة التأسيس الأول للدولة الحديثة كانت ترتكز على حقيقة أنه فيما عدا نخبة المجتمع في العراق ، فإن جل هذا المجتمع لا يعي معنى الدولة الحديثة ولا السياسة الحديثة ، ولا معنى عندهم ( لا في وعيهم ولا في تفكيرهم ) لأية مؤسسة أو لأية علاقات أو لأية أجهزة وخصوصيات نظراً لما اعتادوا عليه سابقاً من تقاليد و إدارات محلية أو عشائرية أو أوتوقراطية أو طائفية أو بيروقراطية فالمشكلة ليست في تأسيس الدولة بقدر ما تكمن المشكلة في عوامل النشأة والتأسيس وظروفه ( [12]) . وحسب رأي ( على جواد كاظم وتوت ) فإن أحدى المشاكل الرئيسة لعملية تكوين الدولة العراقية هي أن هذه الدولة بالتحديد لم تنشأ في جحر المجتمع وتعبيراً عنه ، ولكنها نشأت من أنقاضه وفي مواجهته ( [13]).ويشير ( ره فيق سابير ) إلى أن عملية ٳنشاء الدولة العراقية لم تتم فيها مراعاة عوامل التناسق القومي والتاريخي والديني والثقافي والجغرافي والإنساني ، لذلك فليس باستطاعة هذه الدولة الاستمرار والبقاء بدون دعم و إسناد قوى استعمارية أو حكم طاغي استبدادي ، ولأن هذه الدولة أسست على أساس الظلم والاضطهاد وتم تجميع مجموعة من الجماعات العرقية والاثنية والطائفية والمذهبية رغماً عن إرادتهم وبدون أن يكون هناك أدنى  مستوى من الرغبة في التعايش معاً أو وجود أي ماض مستقر للتعايش والانسجام  معاً  في  كيان   سياسي موحد ، فقد فرض عليهم التعايش في ٳطار سياسي مصطنع ، لذلك فإن هذا الكيان لا يمكن الاحتفاظ به ٳلا عن طريق استخدام القوة والعنف والظلم والطغيان ( [14]).
 ويحلل (فالح عبد الجبار) تأسيس الدولة العراقية الحديثة من منظور اقتصادي / سياسي ، حيث يرى في تشكل هذه الدولة  تعبيراً عن الانتقال من المركزية الزراعية إلى المركزية الحديثة ، لقد انبثقت الدولة العراقية في ظل الاحتلال البريطاني ، وتشكلت في مركب جديد يجمع الحديث والتقليدي في جامعة الجهاز الإداري العسكري البريطاني الحديث بممثلي الجماعات المحلية من أشراف وتجار وممثلي الطوائف ، وقد أضيف إلى هذين المكونين الحديث والتقليدي ، الخارجي / الداخلي في آن ، عنصر الثالث هو الملك فيصل وجماعة الضباط الشريفين وهم الضباط العراقيون الذين خدموا في الجيش العثماني المحدث وتحولوا إلى صف الشريف حسين أثر اندلاع ما عرف بالثورة العربية الكبرى ( [15])، ويقصد ( فالح عبد الجبار ) بالمركزية الزراعية بأن الجماعات الزراعية هي كيانات اجتماعية اقتصادية مكتفية ذاتياً ، وتنظيماتها الداخلية مستقلة كالقبائل والعشائر التي تعيش على العرف القبلي ، وأن علاقة الدولة بهذه الجماعات تقوم على أخذ الضريبة بالقسر ما فوق الاقتصادي ، أما المركزية الحديثة فتقف في تضاد صارخ مع هذا التشظي ، وتشكل قاطرة جبارة بقوة العلاقات التجارية الجديدة وجبروت التكنولوجيا والتنظيم العسكري والإداري الأرفع ، وأن العهد ما بعد الزراعي مستحيل في ظروف التشظي القبلي حيث كل جماعة تعيش وفق قانون خاص ، وتشكل كياناً عسكرياً مميزاً  ، ولا يمكن بدون تنظيمات جيش دائم و نظام تعليمي موحد يتجاوز عزلة الطوائف والمذاهب والطرق ، وينتج عناصر ذات ثقافة موحدة ضرورية للأجهزة الموحدة  المرتكزة على لغة قومية موحدة في شكل طباعي ، ونظم اتصالات حديثة هذا هو الإطار العام للانتقال من المركزية الزراعية المميزة للعهد العثماني إلى المركزية الحديثة التي بدأت تتطور في العراق في بداية القرن العشرين ، واكتسبت زخماً اكبر بعد إنشاء الحكم الأهلي عام 1921 ( [16]) .
ويذهب (رياض ألأسدي) إلى أبعد من ذلك عندما يؤكد انه كان للعراقيين طموحات للاستقلال السياسي قبل الاحتلال البريطاني للعراق عام (1914) ، وأن محاولات الاستقلال المحلي في العراق تمتد جذورها إلى ما هو أبعد من بدايات القرن العشرين وترجع بداياتها إلى أعوام (1750) وما بعدها والمتمثلة في التمردات المتكررة ضد السلطات العثمانية وضد الظلم والإهمال والفساد الإداري للعثمانيين في العراق( [17]) ، وبذلك فإنه يرجع نواة الوطنية الحديثة في العراق والوعي القومي والوطني إلى القرن الثامن عشر ، وهذه ٳعادة تفسير لأحداث الماضي بعقل وفكر ومعايير حديثة ، إنها إسقاط للحاضر على الماضي . وهناك أيضاً من يعد نشأة الدولة العربية بصورة عامة ونشأة الدولة في العراق نتيجة حتمية لانهيار الإمبراطورية العثمانية وانحلالها ، الأمر الذي أفرز ثلاث ظواهر مختلفة في الحياة العربية، هي اتساع التغلغل الأوروبي ، ومحاولات الانبعاث الداخلي ، وازدياد التمردات المنظمة ، وعلى الرغم من أنه لم توجد في أعوام (1918 – 1921 ) أمة عربية عراقية ، ولكن العرب العراقيين تجاوزوا  مرحلة العشائرية دون أن يكتسبوا الشروط الكاملة للقومية، وأسهمت ثورة العشرين في استقلال البلاد وتوحيد الجهود للنضال ضد المحتل ، إذن انحلال الإمبراطورية العثمانية والتغلغل الغربي في العراق ادى إلى انبعاث داخلي ( قومي / ديني ) وإلى الاستقلال الوطني / القومي في العراق ( [18]). وتركز هذه الآراء على الحركة القومية العربية في العراق وأهدافها ، وتغفل أو تهمل الحركات السياسية الأخرى في العراق مثل الحركة القومية الكُردية و أهدافها ومواقفها من عملية تأسيس الدولة في العراق ، ٳذ تعتقد أن العراق الحديث هو النتاج التاريخي لعملية التوحيد السياسي والاقتصادي للولايات العثمانية الثلاث : الموصل وبغداد و البصرة ، وتعززت هذه الصيرورة التاريخية بعاملين مهمين، أولاً: سياسات الحكومة البريطانية بعد الحرب العالمية الأولى ، وثانياً : النمو المتزايد للحركة القومية والاستقلالية ، وأدت هذه عوامل إلى تشكيل الحكومة العراقية المؤقتة عام 1920 ، ومن ثم ميلاد الدولة العراقية الحديثة ، وبدأت هذه الصيرورة حسب هذا الرأي في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ( [19]) ، ويقصد بالحركة القومية ، الحركة القومية العربية حصراً في العالم العربي عموماً و في العراق بصورة خاصة ، وهذا تهميش وتجاهل لدور غير العرب من الكُرد والآشوريون و التركمان واليهود في العراق .
    وهناك من يعتقد بأنه بالرغم من أن العراق لم يشكل كياناً سياسياً موحداً قبل الاحتلال البريطاني ، ولكن ذلك لم يؤد إلى بروز كيانية خاصة أو هوية مميزة في كل من الولايات الثلاثة ، لأن التفاعلات والعلاقات الاجتماعية والاقتصادية والفكرية تواصلت فيما بينها ، مثلما تواصلت أيضاً بين كل منها وبين عمقها العربي في بلاد الشام والخليج وشبه الجزيرة ، وبالنتيجة احتفظ العراق بتمايزه كإقليم وبقسماته العربية وٳن لم تبرز وقتذاك شخصية وطنية عراقية ( [20]).ويعتقد ( غسان سلامة ) بأن العراق المعاصر هو الوريث الطبيعي لسلسلة من الأنظمة السياسية التي انبثقت في بلاد الرافدين بحيث يمكن لأي عراقي معاصر أن يرى في تاريخه مراحل مهمة كان العراق فيها كياناً سياسياً متميزاً إلى جانب المراحل الأخرى حيث تم دمج هذا الكيانات في إطار أوسع . ويعود ( غسان سلامة ) إلى (300 ق.م) وحتى اليوم ، حيث يعتقد بأنه يحتوي ، في آن معاً ، حججاً ومبررات للعراقيين المعاصرين ، كما للذين يريدون تمزيقه دويلات أو ضمه لما هو أكبر منه ، وأنه لم يكن في الثقافة السياسية قبل المعاصرة هذا التقديس شبه الديني للحدود ، ويؤيد العراقيين في حجتهم بأن الانكليز بعد سيطرتهم على البلاد لم يترددوا طويلاً في تحديد عدد وهوية الكيانات السياسية التي سوف ينشؤنها ، فلا ترى في العراق بالحدة نفسها التي تلمسها في سوريا ، تلك الذبذبة في الأوساط الاستعمارية حول مستقبل البلد وحدوده ، ثم أنك لا ترى في العراق ردود فعل على ٳنشاء الكيان عنيفة تدعو إلى تقسيمه أو إلى إدماجه في دول أكبر( [21])
   ويظهر من الوثائق البريطانية لتلك الفترة ، أن هناك ثلاثة شروط أساسية لتحقيق لأهداف البريطانية من تأسيس الدولة العراقية ( [22]) :

  1-  ٳنشاء دولة عصرية ذات حدود و سلطة مركزية لفرض الأمن وجباية الضرائب وحماية                                المصالح البريطانية من الداخل .

     2-سيطرة نخبة محلية حليفة / تابعة على جهاز الدولة الوليدة .

    3- قبول المنافسين الآخرين من الدول العظمى لهذا الأمر .

     إن هذه الآراء تبسط للأحداث التاريخية والمعوقات التي واجهت تأسيس الدولة العراقية في الداخل وخاصة من قبل المناصرين للإمبراطورية العثمانية ووريثها الدولة التركية في داخل العراق وأيضاً المطالبين بالاستقلال القومي من الأكراد في كُردستان العراق الذي عبروا عن مواقفهم بالثورات  المتواصلة منذ ( 1918 ) بقيادة ( الشيخ محمود الحفيد ) ، وعدم مشاركتهم في بيعة الملك فيصل وموقفهم من قضية ولاية الموصل( [23]).

وتتوزع الآراء المقدمة حول تأسيس الدولة العراقية بين اتجاهين رئيسيين الاتجاه الأول يشكك في شرعية هذه الدولة بدءا من التشكيك في نشأتها التي يراها عملية غير صحيحة وغير طبيعية ، بهدف تقسيمها ( الانفصاليون الكُرد ) أو بهدف ضمها وتوحيدها مع كيان أكبر منها (القوميين العرب أو الإسلاميون) ، والاتجاه الثاني يؤكد على شرعية هذه الدولة ويدحض كل آراء وأطروحات الاتجاه الأول وهؤلاء هم (العراقويين ) أي الذين يؤمنون بشرعية وجود الدولة العراقية المستقلة وتأريخها ومشروعها الوطني ، ويعدونها وريثة حضارات وتأريخ عريق يرجع إلى ما قبل الميلاد مروراً بالعصور الوسطى والعهد الإسلامي إلى يومنا هذا  . 

Previous Post Next Post