حرص الجاهليين على تربية أبنائهم :
زمن التأديب :
       يجمع  حكماء العرب على أن أنسب الأوقات لتهذيب الخلق ، وتقويم الطبع ، الحداثة والصغر . إذ يكون من طبيعة المرء – في هذه السنّ المبكرة – المرونة ، وفي هذا يقول طرفة ( ) :

الشعر الجاهلي حقيقة ثابتة
قضية الانتحال
       كانت الرواية الشفوية القناة الواسعة التي تدفق عبرها الشعر الجاهلي ، حتى وصل إلى عصر التدوين .
       وكل أثر له قيمته وأهميته يكون عرضة للشك والاتهام : في أصله ، ونسبه  وأصحابه ، وصحته ، وصدقه …
       والأدب في كل أمة من الأمم ، وبخاصة ما فيه من نصوص رائعة ، من الآثار الفنية الممتازة التي تعتز بها الأمم وتفتخر ، وتعتبرها دليل مجدها ، وسجل مفاخرها ، ومن ثم تعرضت الآداب القديمة في كل الأمم للشك والاتهام ( ) . فاتهم الأدب الجاهلي بالوضع والتزوير، ولم تكن هذه الملاحظة لتغيب عن التقات من العلماء والرواة والباحثين منذ جَمْع الأدب الجاهلي وتدوينه ، فقد تنبهوا إلى ذلك ، ووقفوا على النصوص التي ليست أصيلة ، فعرفوها ولم يقبلوها ، واستطاعوا أن يميزوا بين الأصيل والمختلق ، ويتبينوا الصحيح من الزائف . ومن هؤلاء العلماء
ابن ســلاّم :
       لعل أهم فكرة شغلت بال ابن سلاّم وأولاها الكثير من عنايته وبحثه هي فكرة الانتحال ، أو فكرة الشعر المصنوع الذي ينسب للجاهليين ، وليس منهم في شيء .
       وهذه الفكرة التي تعد خطرا على الشعر، قد عرض لها ابن سلام في مقدمة كتابه " طبقات فحول الشعراء " . والحديث عن انتحال الشعر في عصره كان طبيعيا ، فهو عصر بدأ الاهتمام بالرواية فيه يقل، والعناية بالتدوين تزداد .
       ولهذا كان لا بد لصوت كصوته أن يرتفع محذرا ومنبّها ، حتى يتشدد مدوّنو الشعر في تمحيص النصوص وتحقيقها ، وحتى تكون الأجيال القادمة من بعده على علم وبصيرة بأمر هذا الانتحال الذي أصاب بعض الشعر الجاهلي .
بواعث الانتحال :
       وقد حصرها ابن سلام في سببين :
السبب الأول : يتمثل في قلة أشعار بعض القبائل العربية بعد انتهاء عصر الفتوح الإسلامية ، بسبب موت حملة هذه الأشعار من رجالهم أو قتلهم . فيقول : " لما راجعت العرب رواية الشعر وذكر ايامها ومآثرها استقل بعض العشائر شعر شعرائهم وما ذهب من ذكر وقائعهم ، وكان قوم قد قلّت وقائعهم وأشعارهم ، وأرادوا أن يلحقوا بمن له الوقائع والأشعار ، فقالوا على ألسن شعرائهم ،ثم كانت الرواة بعد فزادوا في الأشعار ( ) " .
       فالقبائل كانت تتزيد في الأشعار ، وتروي على ألسنة الشعراء ما لم يقولوه  وقد أشار ابن سلام مرارا إلى ما زادته قريش في أشعار الشعراء ، فهي تضيف إلى شعرائها منحولات عليهم .
ويذكر أن من أبناء الشعراء وأحفادهم مَنْ كان يقوم بذلك ، مثل داود بن متمم بن نويرة فقد استنشده أبو عبيدة شعر أبيه متمم ، ولاحظ أنه لما نفد شعر أبيه جعل يزيد في الأشعار ويصنعها ، وإذا كلام دون كلام متمم ، وإذا هو يحتذى على كلامه ( ) .
السبب الثاني : الرواة :
       ويقدم لنا ابن سلام طائفتين من الرواة ، كانتا ترويان منتحلا كثيرا وتنسبانه إلى الجاهليين :
الطائفة الأولى : كانت تحسن نظم الشعر وصوغه ،وتضيف ما تنظمه وتصوغه إلى الجاهليين . فخلف الأحمر كان يقول الشعر ، فيجيده ، وربما نحله الشعراء المتقدمين . فلا يتميز من شعرهم لمشاكلة كلامه كلامهم ( ) . وحماد الراوية كان أول من جمع أشعار العرب وساق أحاديثها ، وكان غير موثوق به ، كان ينحل شعر الرجل غيره ويزيد في الأشعار ( ) .
       ويقرر ابن سلام أن ما زاده الرواة في الأشعار ، أو وضعه المولدون ، قد يسهل على أهل العلم معرفته ، أما ما وضعه أهل البادية من أولاد الشعراء ، أو من غير أولادهم ، فإنه قد يشكل على أهل العلم بعض الإشكال ( ) .
الطائفة الثانية : لم تكن تحسن النظم ، ولا الاحتذاء على أمثلة الشعر الجاهلي ، وهم رواة الأخبار والسّير والقصص .
       فهو يعـدّ محمـد بن اسحق " ممن هجّن الشعر وأفسده وحمل كل غثاء منه ( ) " . وذلك لأنه أورد في سيرته أشعارا لرجال لم يقولوا الشعر قط ، ونساء لم يقلْن الشعر قط ، ثم جاوز ذلك إلى عاد وثمود .
وقد استدل ابن سلام على بطلان هذا النوع من الشعر بالأدلة التالية :
1- يقول ابن سلام : أفلا يرجع – ابن اسحق – إلى نفسه ، فيقول :
من حمل هذا الشعر ؟ ومن أداه منذ ألوف السنين، والله تبارك وتعالى يقول : " وإنه أهلك عادا الأولى وثمود فما أبقى " وقال في عاد : " فهل ترى لهم من باقية ؟ " . وقال : " وعاداً وثمود والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله ( ) " .
2- إن أول من تكلم بالعربية ونسي لسان أبيه إسماعيلُ بنُ إبراهيمَ ، وإسماعيل كان بعد عاد . ثم إن مَعَدّاً وهو الجد الذي قبل الأخير من جدود العرب المعروفين كان بازاء موسى عليه السلام ، أو قبله قليلا .ومعنى هذا أن اللغة العربية لم تكن موجودة في عهد عاد ، وإذن فليس من المعقول أن يوجد شعر بلغة لم توجد بعد .
3- ودليل آخر استمده من تاريخ الشعر العربي . ويتمثل ذلك في قوله :
" ولم يكن لأوائل العرب من الشعر إلا الأبيات يقولها الرجل في حادثة . وإنما قصدت القصائد ، وطوّل الشعر على عهد عبد المطلب وهاشم بن عبد مناف . وذلك يدل على إسقاط شعر عاد وثمود وحمير وتبع ( ) . ويقول : " وكان أول من قصد القصائد ، وذكـر الوقائـع المهلهل بن ربيعة التغلبي في قتل أخيه كليب وائل( ) وكذلك يقول : " كان امرؤ القيس بن حجر بعد مهلهل ، ومهلهل خاله ، وطرفة وعبيد ، وعمرو بن قميئة ، والمتلمس في عصر واحد ( ) " .
       وإذا كان هؤلاء الشعراء الذين لا يبعد عهدهم كثيرا عن عهد الإسلام هم الذين قصدوا القصيد وأطالوه ، فإن هذه الحقيقة التاريخية تنفي صحة كل قصيدة تعزى إلى عهد أقدم من عهدهم . وهو بهذا ينفي صحة الشعر الذي أورده ابن اسحق في سيرته وعزاه إلى عاد وثمود وحمير وتبع أو غيرهم .
       وقد لفتت هذه القضية ، قضية انتحال الشعر الجاهلي ، أنظارَ الباحثين المحدثين من المستشرقين والعرب ، وبدأ النظر فيها تيودور نولدكه وتلاه آلورد ، ولكن الذي أثار الضجة في هذه القضية ، وسلك فيها طريقا غير قويم ، المستشرق الإنجليزي د .س . مرجوليوث ، إذ كتب مقالا مفصلا نشره في مجلة الجمعية الملكية الآسيوية ، سنة 1925م ، جعل عنوانه " أصول الشعر العربي ( ) " ونراه يستهله بموقف القرآن الكريم من الشعر متحدثا عن بدء ظهوره ونشأته وآراء القدماء في ذلك ، ثم ينتقل إلى الحديث عن حفظه ، وينفي أن تكون الرواية الشفوية هي التي حفظته … وانتهى إلى القول : لم تكن هناك وسيلة لحفظه سوى الكتابة ، ثم يعود فينفي كتابته في الجاهلية ، ليؤكد أنه نظم في مرحلة زمنية تالية للقرآن الكريم ، ويقف بازاء الرواة المتهمين أمثال حماد وخلف الأحمر ، ليزعم أن الوضع في هذا الشعر كان مستمرا . ويقول : إنه لا يمثل الجاهليين الوثنيين ، ولا مَنْ تنصروا منهم ، فأصحابه مسلمون ، لا يعرفون التثليث المسيحي ، ولا الآلهة المتعددة ، وإنما يعرفون التوحيد والقصص القرآني وما في الإسلام من مثل الحساب ويوم القيامة وبعض صفات الله .
       وينتقل إلى اللغة فيلاحظ أنها لغة ذات وحدة ظاهرة . وهي نفس لغة القرآن الكريم التي أشاعها في العرب .ويقول : ولو أن هذا الشعر صحيح لمثل لنا لهجات القبائل المتعددة في الجاهلية ، كما مثل لنا الاختلاف بين لغة القبائل الشمالية العدنانية واللغة الحميرية في الجنوب .
       وزعم أن النقوش المكتشفة للممالك الجاهلية المتحضرة ، وخاصة اليمنية ، لا تدل على وجود نشاط شعري فيها ، فكيف أتيح لبدو غير متحضرين أن ينظموا هذا الشعر ، بينما لم ينظمه مَنْ تحضروا من أهل هذه الممالك ؟ .
       وقد تعرض له جماعة من المستشرقين نقضوا آراءه ، وأبطلوا مزاعمه ، منهم المستشرق شارلس جيمس ليال ، وجورجيو ليفي دلافيدا " ( )  .
       أما العرب المعاصرون فقد كان مصطفى صادق الرافعي في كتابه " تاريخ آداب العرب " أول من شق طريق البحث في هذا الموضوع ، لكنه لا يتجاوز في عرضه سرد ما لاحظه القدماء .
       فلما أصبحت القضية بين يدي طه حسين ، وضعها في حلّة قشيبة من أسلوبه الجميل ،في كتاب ألفه عام 1926، أي بعد عامين من قيام المستشرق مرجوليوث من نشر مقالته المذكورة .

طــه حسيــن :
       في سنة 1926 أصدر طه حسين كتابه " في الشعر الجاهلي "، وأراد به أن يقلب المناهج التقليدية في دراسة الشعر الجاهلي ، فبنى منهجه على مذهب بعض أساتذته من المستشرقين ، ودعا إلى الشك في التراث ، وأمعن في ذلك إمعانا حتى أثار ما أراده لمنهجه من ضجة ، لعل أصدق دليل على عنفها أن صاحب الكتاب نفسه أعاد إصداره سنة 1927م بعنوان " في الأدب الجاهلي " بعد أن تناوله بالحذف والإضافة تخفيفا لما كان من غلواء ، وتجنبا لما كانت الضجة أن تؤدي إليه مما لم يكن في الحسبان .

نتائج مفزعة :
       انتهى طه حسين من بحثه إلى " أن الكثرة المطلقة مما نسميه أدبا جاهليا ليست من الجاهلية في شيء ، وإنما هي منحولة بعد ظهور الإسلام ، فهي إسلامية تمثل حياة المسلمين وميولهم وأهواءهم أكثر مما تمثل حياة الجاهلييـن ( ) ". وأضاف : " إن هذا الشعر الذي ينسب إلى امرئ القيس ، أو إلى الأعشى ، أو إلى غيرهما من الشعراء الجاهليين  لايمكن من الوجهة اللغوية والفنية أن يكون لهؤلاء الشعراء ، ولا أن يكون قد قيل وأذيع قبل أن يظهر القرآن ( ) " . ثم اعتدل في رأيه فقسم الشعر الجاهلي ثلاثة أقسام ،فقال : " إنا نرفض شعر اليمن في الجاهلية ، ونكاد نرفض شعر ربيعة أيضا ، وأقل ما توجبه علينا الأمانة العلمية أن نقف من الشعر المضري ، لا نقول موقف الرفض أو الإنكار ، وإنما نقول موقف الشك والاحتياط ( ) .


حرص العرب في الجاهلية على تربية أبنائهم :
كيفية تربية الاولاد في الاسلام
تربية الابناء الصحيحة
كتب تربية الاطفال
تربية الاطفال الرضع
تعبير عن دور الوالدين في تربية الابناء
تربية الاولاد الذكور
موضوع تعبير عن تربية الابناء
الأساليب الخاطئة في تربية الأبناء وآثرها على شخصياتهم
حرص  العرب في الجاهلية على تربية أبنائهم :


Previous Post Next Post