التأصيل الشرعي للإغاثة والأدلة عليها من القرآن والسنة.
     يشمل العمل الإغاثي الفرد والجماعة، المسلم  وغير المسلم، وهو نوع من الصدقات، الذي هو لون من الوان العمل الخيري، والدين الإسلامي حث على العمل الخيري ورغب فيه وأثاب عليه، وعندما يتأمل الإنسان في دين الإسلام يجد أنه دين عظيم، إحترم إنسانية الإنسان لأنه إنسان، مسلم كان أو غير مسلم، وكرمه على سائر الخلق، فقد قال الله تعالى:" وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً"[الإسراء:70] والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يقول في حديث شريف مبينا فضل العمل بالزراعة وثواب المسلم عليه إذا أكل منه إنسان - مسلما كان أو غير مسلم- أو طير، أو بهيمة، فيقول: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَزْرَعُ زَرْعًا، أَوْ يَغْرِسُ غَرْسًا، فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ، أَوْ إِنْسَانٌ، أَوْ بَهِيمَةٌ إِلَّا كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ"[1]، فمن هذين النصين الكريمين وغيرهما من النصوص الكريمة التي لا يتسع المقام لذكرها يتبين لنا أن من قيم هذا الدين العظيم، ومن مبادئه التي تدل على سماحته الأمر بتقديم الخير والعون للإنسان لأنه إنسان- بغض النظر عن معتقده ودينه- مما يفرض احترام المخالف له، إذ أنه لم يجعل الدين مانعا ولا حائلا لمد يد العون حتى للمخالف، ولنا أن نذكر من الأيات الكريمة والأحاديث الشريفة ما يدلل على مشروعية الإغاثة من المسلم للمسلم ولغير المسلم، وهي على النحو الآتي:
     بما أن العمل الإغاثي فرع من فروع العمل الخيري، ونوع من أنواع التكافل الاجتماعي، وصدقة من الصدقات، فيمكن القول بأن كل آية أو حديث ورد فيهما الحثَ على فعل الخير والمعروف، والحضَ على الإنفاق والصدقة والبذل يكونان دليلاً على مشروعية الإغاثة باعتبارها من عمل الخير، ومن المعروف الذي أثاب الحق جل وعلا عليه جزيل الثواب، فمن ذلك:
- قوله تعالى:"مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم". [البقرة:261]
- وقوله تعالى:"وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأقرضوا الله قرضاً حسنا، وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيراً وأعظم أجراً واستغفروا الله إن الله غفور رحيم".[المزمل:20]
-وقوله تعالى:"يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه واعلموا أن الله غني حميد"[البقرة:268]
- وقوله تعالى:"من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافاً كثيرة والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون "[البقرة:245] وقوله تعالى: "ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكورا"[الإنسان:8].
- وقوله تعالى:"وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب".[المائدة:2]
وجه الدلالة: في النصوص المذكورة  نلاحظ أن الحق جل جلاله أمر بفعل الخير، وحث عليه من من نفقة، وصدقة، وإنفاق وإقراض وإطعام وتعاون على البر، تارة بالأمر المباشر، وتارة بالثناء على فاعله، ورتب لذلك الثواب ومضاعفة الأجر، وهذا يدل على أن العمل الإغاثي مأجور من الله تعالى، وأن فاعله مستحق الثناء.
ومن السنة النبوية: هناك الكثير من الأحاديث النبوية الشريفة التي حضت على فعل الخير، ودعت إليه، فمنها:
- ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر، يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلما، ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه......". [2]
- ما رواه النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مثل المؤمنين في توادهم، وتراحمهم، وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى[3].
ما رواه البخاري عن سَعِيد بْنُ أَبِي بُرْدَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ فَقَالُوا يَا نَبِيَّ اللهِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ قَالَ يَعْمَلُ بِيَدِهِ فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ وَيَتَصَدَّقُ قَالُوا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ قَالَ: يُعِينُ ذَا الْحَاجَةِ الْمَلْهُوفَ[4] قَالُوا: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ؟ قَالَ فَلْيَعْمَلْ بِالْمَعْرُوفِ وَلْيُمْسِكْ ، عَنِ الشَّرِّ فَإِنَّهَا لَهُ صَدَقَةٌ[5].
بَيْنَمَا نَحْنُ فِي سَفَرٍ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ عَلَى رَاحِلَةٍ له قَالَ: فَجَعَلَ يَضْرِبُ يَمِينًا وَشِمَالًا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا ظَهْرَ لَهُ، وَمَنْ كَانَ لَهُ فَضْلُ زَادٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا زَادَ لَهُ»، فَذَكَرَ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ مَا ذَكَرَ حَتَّى رَأَيْنَا أَنْ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ مِنَّا فِي فَضْلٍ[6].
فقد بينت هذه الأحاديث الشريفة  وجوب تواد وتحاب المسلمين فيما بينهم ، وضرورة شعورهم فيما بينهم كأنهم جسد واحد، وكالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً ، فيشعر المسلم بشعور أخيه يسر لسروره، ويحزن إذا ما أصابه مكروه، ويقدم له يد العون أذا احتاج إليها، ينأى بنفسه عن الأنانية وحب الذات، وبما أن العمل الإغاثي من عمل الخير فهو يندرج تحت التوجيهات النبوية المذكورة.   
الإغاثة الإنسانية ومقاصد الشريعة( الضرورية).
     سبق وأن ذكرت أن الإغاثة الإنسانية أوالعمل الإغاثي إنما هو ضرب من ضروب عمل الخير، الذي حث الشارع الحكيم عليه ورتب له الثواب الجزيل، ويسعى هذا العمل إلى تحقيق مقاصد شرعية كثيرة، وسيتناول هذا المطلب الحديث عن الإغاثة الإنسانية ومدى تحقيقها للمقاصد الشرعية الضرورية، خاصة مقصد حفظ الدين، ومقصد حفظ النفس.
ومما لا بد من الإشارة إليه أن الإغاثة الإنسانية تقدم للفرد وللجماعة، للمسلم ولغير المسلم، لكل من أصابه ضرر نتيجة أزمة أو كارثة ألمّت به كزلزال، أو بركان، أو فيضان، أو وباء، أو مجاعة، أو نزاع مسلح، أو اضطهاد بسبب العرق، أو الدين، أو المذهب، أو أي ابتلاء يوقع الإنسان في البأساء والضراء، فيجعله بحاجة إلى إيواء وغذاء وكساء ودواء وأمن، وغير ذلك سواء أخرج من دياره مضطرا، أم بقي فيها على مضض، فتأتي الإغاثة لتوفر ما يأتي:
1- المأوى الآمن المناسب لكرامة الإنسان.
2- تقديم الغذاء والكساء والدواء والرعاية الصحية للمحتاجين. 
3- توفير التعليم لكل محتاج إليه وقادرعليه وتأمين المرافق الخاصة بذلك من دور العلم.
4- توفير دور العبادة لتمكين اللاجئين والمستغيثين من ممارسة شعائرهم الدينية.
5- توفير الكفالة للأيتام، وإنشاء الدور والمراكز الاجتماعية لهم وإدارتها.
6- تقديم المساعدات العسكرية المتمثلة بالرجال والسلاح في الأحوال التي تتطلب تقديمها، كما لو كان المضطهدون عرضة للقتل والإبادة.   

21- مسند أحمد، طبعة الرسالة ج19، ص479

22- صحيح مسلم ، باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن، حديث رقم(2699) ج4، ص2074
23- صحيح مسلم، باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم،حديث رقم(2586) ج4، ص1999
24- الملهوف : المكروب والمُضْطَرُّ، المستغيث المُتَحَسِّر. الزبيدي، تاج العروس ج24، ص381
25- صحيح البخاري ، كتاب بدء الوحي، حديث رقم(1445)ج2، ص143
26- صحيح مسلم، باب استحباب المؤاساة بفضول المال، حديث رقم(1728) ج3، ص1354

Previous Post Next Post