مقاله عن اهميه مساعده الملهوف ذي الحاجه
موضوع تعبير عن مساعدة المحتاجين
بحث عن اهمية مساعدة المحتاجين
فضل اغاثة الملهوف
إغاثة الملهوف والتنفيس عن المكروب

الإغاثة الإنسانية ومقصد حفظ الدين.
     حفظ الدين يعد أكبر الكليات الخمس وأرقاها، ومعناه تثبيت أركان الدين وأحكامه في الوجود الإنساني والحياة الكونية، وكذلك  العمل على إبعاد ما يخالف دين الله ويعارضه، كالبدع ونشر الكفر، والرذيلة والإلحاد، والتهاون في أداء واجبات التكليف ومن أجل حفظ الدين شرع الإيمان والنطق بالشهادتين، والصلاة والزكاة والصيام والحج، وسائر الأعمال والأقوال التي تحقق الدين في النفوس والحياة، كالأذكار والقربات والوعظ والإرشاد والنصح وبناء المساجد والمدارس،
وتبجيل العلماء والمصلحين والدعاة وغير ذلك[1].
وهذا معناه حفظ الدين وسائر المقاصد الضرورية- من جانب الإيجاد ومن جانب العدم، يقول الإمام الشاطبي: والحفظ لها يكون بأمرين:
أحدهما: ما يقيم أركانها ويثبت قواعدها، وذلك عبارة عن مراعاتها من جانب الوجود.
 الثاني: ما يدرأ عنها الاختلال الواقع أو المتوقع فيها، وذلك عبارة عن مراعاتها من جانب العدم[2].
قال الريسوني: حفظها من جانب العدم، أي بإبعاد ما يؤدي إلى إزالتها، أو إفسادها، أو تعطيلها، سواء كان واقعًا أو متوقعًا[3].
والحديث عن الإغاثة الإنسانية من أجل حفظ الدين يراد به هنا الحفظ من العدم، وذلك بعمل ما يدرأ عنه الاختلال الواقع أوالمتوقع فيه أو ما يؤدي إلى إزالته، أو إفساده، أو تعطيله.
وليس المقصود عند الحديث عن الإغاثة لحفظ مقصد الدين أن يكون الباعث لها الإغراء للدخول في الدين (لغرض الإيجاد) فهذا مرفوض شرعا لأنه يعكس حقيقة استغلال الظرف والحاجة لدى المحتاج لحمله على الدخول في الدين، ولأنه لون من الإكراه على الدين، والله تعالى قال:" لا إكراه في الدين"
ولنا أن نتصور إنسانا بلغ به الجوع أو الخوف مبلغه كيف سيكون تفكيره في ظرف كذاك الظرف، أقول: إنه سيفك ببطنه وشهوته، لا بعقله، سيفكر بما يسد جوعه، ويؤَمِنُ خوفه، وسيكون طوعا لأمر من يكفل له ذلك.

ولذا فإن المقصود من الإغاثة لغاية حفظ الدين، حفظه- أي الدين- من الزوال من قلب صاحبه المنكوب الملهوف، وزواله قد يكون بأحد أمرين:
أولهما: أن يسبق إلى إغاثة ذلك المنكوب مغيث غايته دنيئة، ووسيلته رخيصة، فيستغل الظرف، لتحقيق مآرب ومصالح شخصية، فيقع ذلك المنكوب تحت طائلة الحاجة الماسة فينقلب على عقبيه.
ثانيهما: أن يضعف الوازع عند ذلك المنكوب، فتقل ثقته بدينه بسبب عدم اكتراث أهل ملته بحاله، فيظن بدينه ظن السوء، بخاصة عندما يرأى أن مبدأ " إنما المؤمنون إخوة" مجرد قول لا وجود له على أرض الواقع، مما يحرضه على بيع دينه بعرض من الدنيا قليل.
وقد يبتلى الإنسان فردا كان أو جماعة، مسلما كان أو غير مسلم بظرف غير عادي، يخرجه من حال السعة إلى حال الضيق، ومن حال اليسر إلى حال العسر، ومن حال الأمن إلى حال الخوف، وقد يكون سبب ذلك الظرف غير العادي أحد أمرين:
أولهما: ما لا إرادة للإنسان فيه؛ ككارثة من الكوارث؛ من زلزال، أو بركان، أو فيضان، أو حريق، أو جدب وقحط، أوما شابه ذلك.
ثانيهما: أو يكون سببه ما للإنسان فيه إرادة؛ كظلم الإنسان لأخيه الإنسان، مما ينجم عنه اقتتال، وتخريب، وسلب، ونهب، وتدمير.
وفي الأحوال كلها يكون الإنسان بحاجة إلى من يمد له يد العون والمساعدة، حتى يقدر على تجاوز ذلك الظرف الصعب، أو حتى تخف على الأقل حدته عنه ما أمكن.
وتتجلى قيمة الإغاثة الإنسانية في الإسلام في مثل تلك الظروف، فتعمل على حفظ دين المسلم  فردا ومجتمعا، وأي شيء أعظم من نعمة الدين؟ بل وأي قيمة للحياة إذا خسر الإنسان دينه؟
     ويمكن لنا أن نتصور عظم ذنب المسلم الذي يرى غيره من المسلمين يفتنون في دينهم جراء ظرف ألمّ بهم، دون أن يعمل لصالحهم وهو قادر على ذلك ، أو يتعمد بحجب خيره عنهم، يقول الحبيب صلى الله عليه وسلم:" من ولي أمر الناس، ثم أغلق بابه دون المسكين، أو المظلوم، أو ذي الحاجة، أغلق الله عز وجل دونه أبواب رحمته عند حاجته، وَفَقْرِهِ أَفْقَرُ ما يكون إليها "[4].
 وفي رواية:" من أغلق بابه دون ذوي الحاجة والخلة والمسكنة أغلق الله باب السماء دون خلته وحاجته وفقره ومسكنته"[5].
أما عن السلوك النبوي العملي في الإغاثة الإنسانية والذي روعي فيه الجانب المقاصدي عامة من جهة، وروعي فيه مقصد حفظ الدين خاصة من جهة أخرى، فقد روي عن عبد الله بن سلام رضى الله تعالى عنه قال: إن الله تبارك وتعالى لما أراد هدي زيد بن سعنة، قال زيد بن سعنة: ما من علامات النبوة شيء إلا وقد عرفتها في وجه محمد صلى الله عليه وسلم حين نظرت إليه إلا شيئين لم أخبرهما منه هل يسبق حلمه جهله ولا يزيده شدة الجهل عليه إلا حلما؟ فكنت ألطف به لئن أخالطه فاعرف حلمه من جهله قال زيد بن سعنة: فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما من الحجرات ومعه علي بن أبي طالب رضى الله تعالى، عنه فأتاه رجل على راحلته كالبدوي فقال: يا رسول الله إن بصرى قرية بني فلان قد أسلموا ودخلوا في الإسلام، وكنت حدثتهم إن أسلموا آتاهم الرزق رغدا، وقد أصابتهم سنة وشدة وقحوط من الغيث، فأنا أخشى يا رسول الله أن يخرجوا من الإسلام طمعا كما دخلوا فيه طمعا، فإن رأيت أن ترسل إليهم بشيء تعينهم به فعلت، فنظر إلي رجل وإلى جانبه أراه عليا[6] رضى الله تعالى عنه فقال: يا رسول الله ما بقي منه شيء، قال زيد بن سعنة: فدنوت إليه فقلت: يا محمد هل لك أن تبيعني تمرا معلوما من حائط بني فلان إلى أجل كذا وكذا؟ فقال: لا يا يهودي ولكن أبيعك تمرا معلوما إلى أجل كذا وكذا ولا أسمي حائط بني فلان فقلت: نعم فبايعني، فأطلقت همياني فأعطيته ثمانين مثقالا من ذهب في تمر معلوم إلى أجل كذا وكذا، فأعطاها الرجل فقال: (اعدل عليهم وأعنهم بها) [7] .
فقال زيد بن سعنة: فلما كان قبل محل الأجل بيومين أو ثلاثة أتيته فأخذت بمجامع قميصه وردائه ونظرت إليه بوجه غليظ فقلت له: ألا تقضيني يا محمد حقي؟ فوالله ما علمتم يا بني عبد المطلب سيئي القضاء مطل، ولقد كان لي بمخالطتكم علم، ونظرت إلى عمر فإذا عيناه تدوران في وجهه كالفلك المستدير، ثم رماني ببصره فقال: يا عدو الله أتقول لرسول الله صلى لله عليه وسلم ما أسمع وتصنع به ما أرى، فوالذي بعثه بالحق لولا ما أحاذر قوته لضربت بسيفي رأسك، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إلى عمر في سكون وتؤدة وتبسم ثم قال يا عمر أنا وهو كنا أحوج إلى غير، هذا أن تأمرني بحسن الأداء، وتأمره بحسن التباعة ،اذهب به يا عمر فاعطه حقه وزده عشرين صاعا من تمر، فقلت: ما هذه الزيادة يا عمر قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أزيدك مكان ما نقمتك، قلت: أتعرفني يا عمر، قال لا: من أنت؟ قلت: زيد بن سعنة، قال: الحبر؟ قلت: الحبر، قال: فما دعاك أن فعلت برسول الله صلى الله عليه وسلم ما فعلت وقلت له ما قلت؟ قلت له: يا عمر لم يكن له من علامات النبوة شيء إلا وقد عرفته في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نظرت إليه إلا اثنين لم أخبرهما منه، هل يسبق حلمه جهله ولا تزيده شدة الجهل عليه إلا حلما؟ فقد اختبرتهما، فأشهدك يا عمر أني قد رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا، وأشهدك أن شطر مالي فإني أكثرهم مالا صدقة على أمة محمد صلى الله عليه وسلم فقال عمر رضى الله تعالى عنه: أو على بعضهم، فإنك لا تسعهم، قلت: أو على بعضهم، فرجع زيد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال زيد: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وآمن به وصدقه وبايعه وشهد معه مشاهد كثيرة ثم توفي زيد في غزوة تبوك مقبلا غير مدبر[8].
وجه الدلالة: هذه القصة تتضمن عددا من الموضوعات، وموضع الشاهد منها على مسألتنا التي هي الإغاثة الإنسانية ومقصد حفظ الدين، ما جاء في مطلعها من أن رجلا هيئته كالبدوي جاء وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن أهل قرية في البادية كان ذلك الرجل قد أقنعهم بدخول الإسلام مقابل خير عميم سيصيبهم، وقدر الله تعالى أن يصيبهم القحط، فخشي ذلك الرجل أن يرتدوا عن الإسلام  طمعا كما دخلوا فيه طمعا، ولعل ذلك التخوف كان بناء على قرائن قامت فيهم، وكان طلب ذلك الرجل من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبعث لهم ما يعينهم على تحمل ظرف القحط، ويحفظ عليهم دينهم، وكان رد النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك الطلب؛ أن باع تمرا لزيد بن سعنة مقابل ثمانين مثقالا من ذهب، قام بإرسالها إلى أهل تلك القرية مع ذلك الرجل القادم من عندهم آمرا إياه " إعجل عليهم وأغثهم بها "، لتعينهم على تحمل ظرف القحط ولتجنب ما خشيه عليهم ذلك الرجل، وهو ردتهم عن الدين فقد يضعف الإنسان في ظرف كذلك الظرف، الذي يخشى فيه على نفسه من الهلاك، وقد يستغل من قبل الغير، فيبيع دينه بعرض من الدنيا، فقد روى أبو هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" بادروا بالأعمال، فتنا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا، ويمسي مؤمنا، ويصبح كافرا، يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل[9].
فحقيقة ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم هو أنه قدم إغاثة إنسانية - متمثلة بالمال- لأهل قرية أصابهم القحط، ليتمكنوا بذلك المال من تجاوز محنتهم، مراعاة لحفظ مقصد عظيم هو مقصد حفظ الدين، لما خيف عليهم من التحول عنه إلى الكفر بسبب ما أصابهم، خاصة وأنهم حديثو عهد بالإسلام، كما هو واضح من القصة المذكورة.
وفي هذا دلالة على ما يجب على المسلم فعله عندما يكون أخوه المسلم في ضيق وشدة ويخشى على دينه، فيقدم المقتدر للمحتاج ما يمكنه تقديمه، ويحمل عنه ما يمكنه حمله، بما يعود عليه بحفظ دينه وسلامته.

27- نور الدين الخادمي، علم المقاصد الشرعية ص81
28-الشاطبي، الموافقات ج2، ص18
29- الريسوني، نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي ص126
30- مسند أحمد،ج25، ص289
31-الحاكم النيسابوري، المستدرك على الصحيحين للحاكم، حديث رقم(7028)قال الذهبي: صحيح. ج4، ص106
32- في صحيح ابن حبان (أراه عمر) ج1، ص522
33- في صحيح ابن حبان (اعجل عليهم وأغثهم بها) ج1، ص522
34- قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه الحاكم النيسابوري، مستدرك الحاكم ج3،ص 700،
      صحيح ابن حبان ج1، ص522
35- مسند أحمد ج13،ص400

Previous Post Next Post