الحريات العامة
إن مسألة الحريات العامة مشكلة اجتماعية وثيقة الصلة بمسائل القانون والسياسة[1]، لذا فإن موضوعها ليس وليد العصر الحاضر، وإنما هو قديم قدم الإنسانية نفسها، ويشكل جزءا لا يتجزأ من تاريخها، فهو قد ارتبط بالمجتمعات البشرية، وتأثر سلبا وإيجابا  بالظروف الزمانية والمكانية لتلك المجتمعات، وبالتيارات الفكرية والتقاليد السائدة فيها، كما ارتبط بالشرائع السماوية[2] وبالجماعة التي يحكمها القانون والنظام، وتشرف على شؤونها سلطة عليا، توازن بين طموحات مجموع القوى الاجتماعية والسياسية المتصارعة، بغرض تحقيق التناغم والتوافق بينها.[3] وعليه فإن الحريات العامة تقدم صورة للإنسان في المجتمع وللمواطن في مواجهة السلطة السياسية، ومن ثم أصبحت الحريات من الاستحقاقات السياسية التي يعود أمر تنظيمها وتقنينها إلى مؤسسات الدولة صاحبة الحق فرض سيادة القانون.
ولذلك فالحريات العامة هي مجموع الرخص* والإباحات التي يعترف بها القانون للمواطنين كافة دون أن تكون موضوعا للاختصاص المانع وهي بذلك تولد حقا قانونيا، يستلزم اعترافا من الدولة للأفراد بممارسة عدد من الأنشطة المحددة دستوريا وقانونيا، بمعزل عن أية ضغوط أو إكراهات سلطوية[4].
ليس هناك مجال للشك في الوقت الراهن، أن حريات الإنسان الأساسية لصيقة بشخصه، وأن كمال إنسانيته ونقصانها مرهونتان بقدر ما يتمتع به من حقوق وما ينعم به من حريات ومن هنا قيل: الإنسان بحقوقه وحرياته، فإذا كان يملك كل الحقوق والحريات كانت إنسانيته كاملة، وإذا تطاول أحد عليها أو على حق من حقوقه وحرية من حرياته الأساسية أو انتقص منها، كان في ذلك التطاول أو في هذا الانتقاص، انتقاص واعتداء على إنسانيته، وكلما تعددت الحقوق والحريات التي تسلب من الإنسان، يكون الانتقاص من إنسانيته بنفس ذلك القدر.[5]
فالإنسان أو الشخص الذي لا يتمتع بالحريات لا يشعر بكينونته في الوسط الاجتماعي والسياسي الذي يعيش فيه؛ بل يشعر بنوع من الاغتراب الاجتماعي والسياسي، وما يترتب على هذا الشعور السلبي من عدم مبالاة واكتراث بقضايا الجماعة الكبرى إن على الصعيد الداخلي وإن على الصعيد الخارجي، وبهذا لا يمكن أن يكون هذا الإنسان عنصرا نافعا وفعالا في مجتمعه، فلا يستطيع أن يقدم لوطنه ما بوسعه تقديمه من إبداع وخير لصالح المجموع.[6]
إن الاعتراف بالقيمة الفلسفية والسياسية والاجتماعية للحريات العامة التي جاءت نتيجة كفاح طويل للبشرية، عبر ثورات طويلة وتضحيات جسام ضد السلطة المطلقة، وبالتأثير الكبير الذي تخلقه في إطار النسق السياسي والاجتماعي، عمدت العديد من المجتمعات والشعوب إلى تضمينها في تشريعاتها كفالة لممارستها وضمانة لعدم المس بها.[7]
بيد أن ما تعرفه الحريات العامة من اهتمام واعتراف بأهميتها للمجتمعات الحديثة، تجاوز إطارها المحلي إلى المستوى الإقليمي والدولي، فدوليا كان الاهتمام بالحريات العامة وحقوق الإنسان من بين أولويات منظمة الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة، حيث أصدرت الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في 10 دجنبر1948، كما عملت على إنشاء لجنة خاصة بحقوق الإنسان، ونفس المنحى جسدته المنظمات الإقليمية والقارية، حيث أبرمت العديد من الاتفاقيات المتعلقة بقضية حقوق الإنسان الصادرة عن المجلس الأوروبي، والاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان، والميثاق الإفريقي، ومشروع الاتفاقية العربية ومشروع حقوق الإنسان والشعب في الوطن العربي.
غير أن الجدير بالملاحظة، هو أنه رغم هذا الاعتراف والإقرار الواسع بأهمية الحريات العامة وضرورتها في بناء مجتمع سوي؛ فإننا يمكن أن نقول بدون مبالغة أن أخطر ما يواجه الحريات العامة في عالم اليوم، يتمثل من جهة، في التضييق المستمر عليها من قبل الأجهزة التنفيذية داخليا، وذلك لأن طبيعة الدولة الحديثة وما تتمتع به من سيادة وهيمنة؛ أوجد العديد من المجالات والتصرفات التي لا يحق للمواطنين مساءلتها عنها، بالرغم مما تسببه لهم من إضرار، ومن جهة أخرى، الهيمنة الدولية على الشعوب الفقيرة وعلى مصائرها دوليا.[8] ولعل هذا ما يدفعنا إلى القول، أن قضية الحريات العامة بالرغم مما عرفته من اعتراف وطني ودولي، تظل في حاجة دائمة إلى إعادة النظر في قضيتها وإشكالاتها، خاصة في ظل تنامي ظاهرة العولمة وسيادة الدولة الديمقراطية الليبرالية في شكلها المتوحش والتي تحمل في طياتها العديد من مظاهر المساس بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية.
وبناء على هذا الأساس، فإنه من المناسب لمعالجة إشكالية الحريات العامة من حيث مضامينها وضماناتها وامتداداتها، تناولها من زاويتين أساسيتين: أولهما نظرية، تتناول فيها مفهوم الحريات وتطورها  وكذا الآراء والنظريات الهامة التي عالجتها؛ وثانيهما تطبيقي؛ نعالج فيها الضمانات السياسية والقانونية لهذه الحريات والضوابط التي تنظم ممارستها. 
الحريات العامة بالمغرب
مفهوم الحقوق والحريات
انواع الحريات العامة
الفرق بين حقوق الانسان والحريات العامة
الحريات العامة وحقوق الانسان
الحريات الشخصية
حقوق الانسان والحريات العامة


[1] زكريا ابراهيم: مشكلة الحرية، مكتبة مصر ص 10
[2] هاني سليمان الطعيمات: حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، دار الشروق الطبعة الثانية 2003 ص 36
[3] حماد صابر: محاضرات في الحريات العامة، مكتبة المعارف الجامعية طبعة 1993 ص 1        
* يقصد بالرخصة هنا: الإباحة التي يأذن بها الشارع في شأن حرية من الحريات العامة كحرية العمل والثقافة والتملك، والفقهاء، يفرقون بين الحق والرخصة، رغم أنهم في كثير من المواطن يطلقون كلمة الحق على ما يشمل النوعين جميعا، ولكن مع هذا التعميم في مسمى الحق، نجد هناك فرقا واضحا بين الحق والرخصة، فمثلا حرية التملك رخصة، أما الملكية ذاتها فحق، وحرية الشخص في التزوج رخصة لا يثبت بها ملك أو معاشرة، فالرخصة موصلة إلى الحق وليست هي إياه، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، نجد هناك فرقا واضحا بينهما من حيث أن الحق يعطي صاحبه على مضمون الحق استئثارا به دون سائر الناس، ومعنى ذلك أن الحق يقوم على أساس في عدم التساوي بين مراكز الأفراد فيختص صاحب الحق بمركز ممتاز ينفرد به دون غيره من الناس، فالمالك مثلا يستأثر وحده بالتسلط على ملكه، فلا يكون لأحد غيره من الناس مثل هذا التسلط على نفس هذا الملك، بينما الحريات أو الرخص العامة على العكس من ذلك، فهي لا تعرف فكرة الاستئثار بل يتمتع الكافة بالحريات أو الرخص العامة على قدم المساواة دون استئثار واحد منهم وانفراده بالتمتع بها دون الآخرين.
[4] حماد صابر: محاضرات في الحريات العامة م.س ص: 1
[5] صالح حسن سميع: أزمة الحريات الأساسية في الوطن العربي، الزهراء للإعلام العربي ط 1 1988 ص 7
[6] ن.م ص: 7
[7] حماد صابر: م.س. ص:2
[8] حماد صابر: م.س. ص:2

Previous Post Next Post