الانحراف الفكري دراسة وتحليل
الفساد فى التصور والسلوك النظريات الخاطئة الانحرافات العلماء
الانحراف الفكري
الانحراف الفكري اسبابه وعلاجه
اسباب الانحراف الفكري
الانحراف الفكري
مظاهر الانحراف الفكري
الانحراف الفكري لدى الشباب
الانحراف الفكري
بحث كامل عن الانحراف الفكري
الفساد فى التصور والسلوك
نقد نظرية داروين الخاطئة


فى القرن التاسع عشر ، جاء دراوين يؤكد حيوانية الإنسان!
إن هذا العلم المزيف الذى((اهتدى)) إليه دارون[سنبين زيفه بعد لحظة] قد فعل بالبشرية فى جاهليتها الحديثة ما لم تصنعه شياطين الإنس والجن فى ألوف من السنين!
حيوان00 ماذا تنتظر من الحيوان؟!
لقد سرت إيحاءات الداروينية المسمومة فى كل مجالات الفكر الغربى00 فى السياسة والاقتصاد والاجتماع وعلم النفس والأخلاق والفن00 لم تترك مجالاً واحداً لم تلحقه بالتشويه!
فما دام الإنسان قد صار فى نظر نفسه حيواناً، فلابد أن تتبع ذلك نتائج((حتمية))! والنتائج الحتمية لهذا التصور الجاهل المنحرف، هى أن تهبط مفاهيم الإنسان وأخلاقه، ومشاعره وارتباطاته، حتى تصير فى مستوى((الحيوان)) الذى صار إليه بفكره، على هدى التفسير الحيوانى للإنسان!
لقد ضلل دارون التركيب التشريحى للإنسان، القريب الشبه بتركيب الحيوان0 ومن ثم سارع- بلا روية- يؤكد حيوانية الإنسان00
وبريئاً00 أو غير برئ00 لم يكن دارون يتحدث عن حقيقة علمية!
لقد كان ينقصه العلم الحق، الذى تبين طرف منه  بعد دارون، على يد الداروينية الحديثة ذاتها Neo Darwinism التى تؤمن مثله بالتطور، ويتولى عرضها عالم ملحد صريح الإلحاد مثل جوليان هكسلى، ومع ذلك فهو يؤكد((تفرد الإنسان))00 لا حيوانية الإنسان!
((وبعد نظرية دارون لم يعد الإنسان مستطيعاً تجنب اعتبار نفسه حيواناً0 ولكنه بدأ يرى نفسه حيواناً غريباً جدا0 وفى حالات كثيرة لا مثيل له0 ولا يزال تحليل تفرد الإنسان من الناحية البيولوجية غير تام))([1])0         
وإذن فالإنسان متفرد فى كيانه البيولوجى ذاته00 الذى ظن فيه دارون المشابهة الكاملة للحيوان، وبنى عليه تفسيره الحيوانى للإنسان!
ويسرد هكسلى ألواناً من هذا التفرد البيولوجى، من بينها أنه فى الحيوانات كلها ترتبط الحيوانات بالمخ بنوعين من الأعصاب، أحدهما يتصل بالعضلات القابضة والثانى يتصل بالعضلات الباسطة0 ولا يصدر مخ الحيوان إلا نوعاً واحداً من الإشارات فى اللحظة الواحدة، فإما إشارة للعضلات القابضة وإما إشارة للعضلات الباسطة، فالكلب إما أن يهرش وإما أن يجرى فى اللحظة الواحدة، ولا يستطيع أن يهرش ويجرى معاً فى ذات الوقت0 أما الإنسان، فهو- وحده فى هذه الخلائق كلها- الذى يستطيع أن يقوم بأعمال متعارضة فى آن واحد، لأن مخه يستطيع أن ينسق بين الأعمال المتعارضة!([2])0 
ويتحدث هكسلى عن ((خواص)) الإنسان البيولوجية فيقول :
((وأولى خواص الإنسان الفذة وأعظمها وضوحاً، قدرته على التفكير التصويرى، وإذا كنت تفضل استخدام عبارات موضوعية، فقل: استخدامه الكلام الواضح00
((ولقد كان لهذه الخاصية الأساسية فى الإنسان نتائج كثيرة، وكان أهمها نمو التقاليد المتزايدة00
((ومن أهم نتائج تزايد التقاليد – أو إذا شئت –من أهم مظاهره الحقيقة ما يقوم به الإنسان من تحسين فيما لديه من عدد وآلات00
((ومن التقاليد والعدد لهى الخواص التى هيأت للإنسان مركز السيادة بين الكائنات الحية. وهذه السيادة البيولوجية فى الوقت الحاضر خاصية أخرى من خواص الإنسان الفذة. ولم يتكاثر الإنسان فحسب، بل تطور، ومد نفوذه، وزاد من تنوع سبله فى الحياة0
((وهكذا يضع علم الحياة الإنسان فى مركز مماثل لما أنعم به عليه كسيد المخلوقات، كما تقول الأديان))0
((ولقد أدى الكلام والتقاليد والعدد إلى كثير من خواص الإنسان الأخرى، التى لا مثيل لها بين المخلوقات الأخرى، ومعظمها واضح معروف. ولذلك أرى عدم التعرض لها حتى أنتهى من التحدث عن الخواص غير المعروفة كثيراً، لأن الجنس البشرى – كنوع – فريد فى صفاته البيولوجية الخالصة. ولم تلق تلك الصفات من العناية ما تستحق، سواء من وجهة نظر علم الحيوان، أو من وجهة نظر علم الاجتماع0
((00 وأخيراً فإن الإنسان لا مثيل له بين الحيوانات الراقية فى طريقة تطوره))([3])0
وهكذا تعلن الداروينية الحديثة تفرد الإنسان – لا عن إيمان بالله ، فهكسلى ملحد متبجح بإلحاده – وإنما عن مشاهدة ((علمية)) ((تجريبية)) ((معملية)) ((حسية))!0
ولكن دارون تعجل – بلا سند علمى – فأعلن حيوانية الإنسان! لأن العلم الناقص الذى كان بين يديه أوحى له بالتفسير الحيوانى للإنسان. وكان أحرى به أن يصبر، حتى يتكشف له الأمر كما تكشف للداروينية الحديثة، ليعلن إنسانية الإنسان0
وحين انطلق هذا التفسير الحيوانى للإنسان، كالشيطان المارد يجوس خلال الأفكار والتصورات.. فسدت كلها فساداً لم تصل إليه أية جاهلية من جاهليات التاريخ0
لقد مسخت حياة الإنسان مسخاً، فردته أدنأ من الحيوان، وأضل من الحيوان.
التفسير المادى للتاريخ 00
التفسير الجنسى للسلوك 00
التفسير الجثمانى للمشاعر0
وكل تفسير إلا التفسير ((الإنسانى)) للإنسان!
التفسير المادى للتاريخ. وبطله ماركس – وقد مر بنا طرف منه – يفسر الحياة الإنسانية كلها من خلال حيوانية الإنسان، تاريخ البشرية هو تاريخ البحث عن الطعام! أى أن الضرورة القاهرة هى المسيطرة على حياة الإنسان0
الإنتاج المادى هو الذى يعين للناس وجودهم ومشاعرهم! أى أن القيم المعنوية عرض زائل – لا جوهر – والجوهر الأوحد هو الكيان المادى للحياة والإنسان0
وفضلاً عن ذلك فقد أخذ هذا التفسير عن الداروينية فكرة التطور، فحولها إلى لوثة تصيب كل القيم وكل الاعتبارات00
فالقيم المعنوية لأنها عرض للقيم المادية، فهى ((متطورة)) لا تثبت على حال. ليس هناك حق أزلى ولا عدل أزلى. إنما هناك قيم متغيرة على الدوام. ما يبدو اليوم فضيلة – لأنه انعكاس طور اقتصادى ومادى وإنتاجى معين – قد يبدو رذيلة غداً حين يتغير الطور الاقتصادى والمادى والإنتاجى. وليس هذا مجرد فرض . وإنما هو ((حقيقة))!!
فالتدين فضيلة فى الطور الإقطاعى. وفى الطور الصناعى يصبح التدين تأخراً وجموداً ورجعية! والإلحاد هو الفضيلة! والعفة الجنسية فضيلة فى المجتمع الإقطاعى. وفى المجتمع الصناعى ((المتطور)) تصبح العفة الجنسية أضحوكة وسخرية، لأن المرأة استقلت اقتصادياً !! ولم يعد الرجل هو الذى ينفق عليها فيستذلها بطلب النظافة فى الشعور والسلوك!! لأن الإله الجديد – سواء كان رأس المال فى الغرب أو ((الدولة)) فى الشرق – لا يطالب أحداً، ولا يعنيه، أن يتطهر الناس أو يفسقوا بل يعنيه الأمر الأخير !
إنه تفسير يأخذ الإنسان من جانبه المادى الحيوانى، ويتحاشى أن يذكر ((روحه)). بل يصر إصراراً على السخرية من هذه الروح.. لأن الجاهلية لا تؤمن بالله0 ولا تؤمن بالنفخة العلوية فى كيان الإنسان من روح الله0
* * *
والتفسير الجنسى، وبطله فرويد 00 ضلالة أبشع0
إنه لا يكتفى بتصوير الإنسان حيواناً، وإنما يصوره حيواناً ممسوخاً مشوهاً، ينبع كله من طاقة واحدة من طاقاته 00 هى الطاقة الجنسية0
الحيوان يأكل بلذة الأكل. ويشرب بلذة الشرب. ويجرى بلذة الجرى. ويمارس النشاط الجنسى بلذة الجنس0
ولكن إنسان فرويد – أو حيوانه المشوه الممسوخ – يرضع بلذة الجنس. ويمص إبهامه بلذة الجنس. ويتبول ويبرز بلذة الجنس. ويحرك عضلاته بلذة الجنس. ويعشق أمه بلذة الجنس.. ثم لا يكتفى بهذا الحد، وإنما يكون كيانه ((المعنوى)) كله من دين وأخلاق وتقاليد، نابعاً كذلك من حمأة الجنس المسعور!
* * *
والتفسير الجثمانى للمشاعر، وبطله ((التجريبيون))([4]).. يفسر الحياة كلها من خلال الجسم.. كالحيوان!
فالمشاعر والأفكار نشاط كهربى وغدى وكيماوى 00
غدة الجنس تصنع مشاعر الجنس0
وغدة الأمومة تصنع مشاعر الأمومة0
وغدة الكظر ((فوق الكلى)) تصنع الشجاعة ((أو الجبن))0
والغدة الدرقية تصنع المزاج العصبى أو المزاج المعتدل00 أو المزاج البارد 00
الجسد هو الذى يتحرك دائماً فى مبدأ الأمر .. ثم ينتج عن ذلك مشاعر وأفكار00
يقول وليم جيمس فى كتابه ((نظرية العاطفة theorie de Lemotion ص60 0
((إن الفكرة التى نتخذها عن العواطف عادة، هى أن الإدراك العقلى لشىء ما، يستثير الحالة الوجدانية التى نسميها العاطفة، وأن هذه الحالة العاطفية الأخيرة هى التى يتولد عنها التعبير الجسدى. ولكن نظريتى، على العكس من ذلك هى أن التغيرات الجسمية تأتى لاحقة مباشرة لإدراك المؤثر، وأن الإحساس الذى نشعر به نتيجة لهذه التغيرات [الجسمية] هو العاطفة))!
من الجسد إذن تنبع النفس 00 وليست ((النفس)) أصلاً جوهرياً فى كيان الإنسان!
* * *
ولقد ناقشت هذه التفسيرات – وأمثالها – كثيراً من قبل، فى أكثر من كتاب.([5]) ولا ضرورة بنا للنقاش المفصل لبيان زيفها، وضآلة الجانب الذى تفسره من حياة الإنسان. ولكنا نكتفى بإشارات عابرة تنور الطريق :
إن هذه التفسيرات جميعها ترتكب ضلالة مشتركة.. إنها تفسر الإنسان من جانب واحد من كيانه : هو أضأل الجوانب فى ذلك الكيان! تفسره من جانب الجسد وضروراته. متأثرة فى ذلك بالتفسير الحيوانى للإنسان0
وفضلاً عن أن أية نظرة جزئية للإنسان، هى نظرة خاطئة لأنها تهمل بقية كيانه، ومن ثم تعطى عنه صورة مزيفة لا وجود لها فى الواقع.. ويزيد الأمر سوءاً حين تفسر الحياة البشرية كلها من خلال هذه الجزء وحده . ومن خلال تلك الصورة المزيفة 00
فضلاً عن ذلك، فإن الجانب الذى أهملته هذه التفسيرات كلها هو بالذات الجانب الذى أعطى الإنسان إنسانيته، وفرقه عن الحيوان!
إنها جميعاً تهمل جانب الروح أو تلغيه!
فالتفسير المادى للتاريخ، الذى يجعل البحث عن الطعام هو رائد تفكير الإنسان.
والتفسير الجنسى للسلوك، الذى يجعل الجنس هو رائد الحياة البشرية00
والتفسير الجثمانى للمشاعر، الذى يجعل الجسد هو منبع النفس00
كلها – وأمثالها – لا تدع مكاناً للروح فى كيان الإنسان أو فى واقعه الحى على ظهر الأرض. وتصوره جميعاً فى نطاق الحيوان.. ثم لا تفسر: لماذا إذن اختلف واقعه فى الأرض عن واقع الحيوان؟!
إن الحيوان يبحث عن الطعام0
والحيوان يمارس كذلك نشاطه الجنسى0
وتصرفات الحيوان وسلوكه نابعة كلها من كيانه الجسمى0
فلماذا اختلفت صورة الإنسان عن الحيوان، ولماذا اختلف طريقهما فى الحياة؟
* * *
لقد عميت هذه التفسيرات كلها عن ((الواقع)) البشرى المشهود 0
أم لعلها قصدت قصداً – تدفعها دوافع شيطانية خبيثة – إلى تصوير الإنسان فى صورة الحيوان؟!()0
أياً كان الأمر، فقد كانت هذه التصورات الزائفة عاجزة عن تفسير ((الإنسان))0
إنها لا تستطيع أن تفسر: لماذا يبدأ الإنسان من أى لون من ألوان نشاطه: من البحث عن الطعام، أو البحث عن الجنس، أو البحث عن السكن،ن أو البحث عن الملبس.. فإذا هو – من أى طريق بدأ – يصل إلى ((تنظيمات)) اجتماعية واقتصادية وسياسية، وإلى ((قيم)) و((عقائد)) و((أفكار))؟
لماذا لا يستطيع أن يقوم بعمل من أعماله منفصلاً عن ((القيمة)) المرتبطة بهذه الأعمال؟
لماذا لا يأكل ((بمعدته)) وحدها. وإنما عن طريق تنظيم اقتصادى واجتماعى وسياسى – فاسد أو غير فاسد ، هذه قضية أخرى – يعطيه قسطه من الطعام، ويرتب على هذا القسط، وعلى طريقة تناوله نتائجه ((الحتمية)) فى نظام الحكم ونظام المجتمع وعلاقات الناس بعضهم ببعض؟
لماذا لا يمارس الجنس بكيانه الجنسى وحده. وإنما عن طريق تنظيم اقتصادى واجتماعى وسياسى – فاسد أو غير فاسد – بعطيه قسطه من الجنس، ويبين له طريقة تناوله، ويرتب على ذلك نتائجه الحتمية؟
وهكذا .. كل نشاط يصدر عن الإنسان، فإنه – رغب الإنسان أم لم يرغب- ينتهى بتنظيمات وقيم وأفكار وعقائد – فاسدة أو غير فاسدة – ولكنها موجودة على أى حال .. وهى النتيجة ((الحتمية)) لامتزاج الروح بالجسم فى كيان الإنسان .. امتزاجاً لا ((يتفكك)) أو ينفصل كما تصوره تلك التفسيرات([6])00
* * *
إنها – كلها – تفسيرات زائفة زائغة مهزولة 00
وكلها جاهليات 00 تنشأ من الجاهلية الكبرى المنقطعة عن هدى الله، والتى تتعمد تعمداً أن تفسر الحياة بعيداً عن الله، فتقع فى هذه التفاهات وهذه الجهالات00
ومع ذلك فلم يكن هذا هو الانحراف الوحيد الذى انحرفته الجاهلية الحديثة فى فهمها للنفس البشرية 00
لقد كان الانحراف – حتى الآن – ماثلاً فى تفكيك الإنسان المكون من جسم وروح، وخنق روحه – لأنها تتعلق مباشرة ((بالله)) الذى تفر منه الجاهلية وتنسلخ من آياته – وإبراز جانبه الجسدى وحده، وتفسير الحياة الإنسانية كلها من خلال هذا الجانب المفرد، الذى لا وجود له فى حقيقة الواقع فى صورته المجزأة المفكوكة!
ولكن الانحراف لم يقف عند هذا الحد 00
فحين انقطعت الجاهلية عن منهج الله، فقدت حاسة ((التوازن)) فى كل تصوراتها، تلك الحاسة التى يكتسبها الحس الإنسانى حين يتصل بمنهج الله، ويفسر الكون والحياة والإنسان على هداه0
ومن فقدانها التوازن اختلت موازينها وهى ترى ظاهرة الفردية والجماعية فى كيان الإنسان!
فبعض الجاهليين ركز على حقيقة الفرد.. وبعضهم ركز على حقيقة المجموع . كل منهما ينفى الجانب الآخر، أو يصغر من قيمته إلى أقصى حد !
إما أن تكون حقيقة الإنسان هى الفردية .. فالمجتمع إذن قوة طاغية ظالمة تحاول أن تضغط كيان الفرد وتحطم وجوده !
وإما أن تكون حقيقته هى الجماعية.. فالفرد إذن ظالم متبجح دنس يحاول أن يخرج على المجموع ليحقق بأنانيته الظالمة كسباً حراماً على حساب المجموع!
ولا يجتمع الجانبان قط على توازن واعتدال فى تصور الجاهلية الحديثة 0
ثم تنشأ على كل من هذين التصورين المنحرفين نظم فى السياسة والاقتصاد والاجتماع([7])0
لماذا؟!
لماذا لا ترى الجاهلية حقيقة الواقع؟ أن الإنسان مركب من الجانبيين معاً على توازن واعتدال؟ فهو فرد مستقل، وعضو فى المجتمع فى ذات الوقت. فرد يحب أن يشعر بذاتيته ويحققها. وعضو فى المجتمع، يحب الاجتماع بالآخرين، ويهفو إلى صحبتهم، ويأنس إلى الوجود بينهم؟
حقيقة إنه كثيراً ما يقوم الصراع بين الجانبين.. ولكن هذا لا ينفى ((أولاً)) أنهما موجودان معاً فى الواقع الخارجى وفى داخل النفس. ولا ينفى ((ثانياً)) أن الصراع بينهما يمكن أن تخفف حدته إلى أقصى حد، حين يستقيم منهج الحياة0
* * *
ولكن الجاهليات قد أبت أن تصيخ للمنهج الحق 00 منهج الله 00
ونشأ عن ذلك ألوان لا حصر لها من الفساد فى التصور والسلوك 00 ولكننا هنا – هذا الفصل – مشغولون فقط بفساد التصور ، نتتبعه فى كل مجال 00
لقد نشأ من انحراف الجاهلية فى تصور النفس البشرية 00 الناشئ فى الأصل من انحرافها عن عبادة الله.. أن فسدت تصوراتها للعلاقة القائمة بين الإنسان والإنسان، فرداً وجماعة وجنسين، وشعوباً وقبائل00
فأما الفرد – فيما بينه وبين نفسه – فقد صور على أنه مجموعة من الصراعات التى لا تهدأ، ولا يمكن أن تهدأ! بل زادت الجاهلية فباركت هذا الصراع أحياناً على أنه الوسيلة المثلى للتقدم والرى والنشاط الإيجابى فى الأرض، وأن الطمأنينة النفسية والسكنية سلبية مريضة ينبغى أن يترفع عنها الإنسان! وورد فى تعبيراتهم أن ((القلق المقدس)) هو الذى يدفع بالحياة إلى الأمام00! ولقد ظل هذا القلق المقدس(!) يدفعهم حقا .. ولكن إلى الحيرة والاضطراب والجنون وضغط الدم والاختلالات العصبية والنفسية.. حتى ضاقت بهم مستشفيات الأمراض العقلية والعيادات النفسية. واعتبر الجنون من ((أمراض المدنية!)) والاختلال من سمات ((الحضارة))!
كلا! إنها الجاهلية 00 فالنشاط الحيوى الدافق شىء، والقلق شىء آخر!



[1] جوليان هكسلى- الإنسان فى العالم الحديث- ص 3 من الترجمة العربية0
[2] المصدر السابق ص 27-29 0
[3] المصدر السابق مقتطفات من ص3 – ص6
[4] كان ((وليم جيمس)) رائد المدرسة التجريبية فى علم النفس0
[5] الإنسان بين المادية والإسلام . معركة التقاليد. دراسات فى النفس الإنسانية . التطور والثبات فى حياة البشرية 0
[6] دراسات فى النفس الإنسانية)) فصل ((طبيعة مزدوجة))0
[7] سنناقشها كلها فى الفصل القادم 0

Previous Post Next Post