أهمية الأمن الغذائي

تعريف الأمن الغذائي

الامن الانساني وحقوق الانسان

الامن الانساني

بحث حول الامن الغذائي

الامن الانساني

مفهوم الامن الغذائي

مهددات الامن الانساني

المحور الاقتصادي والاجتماعي لحقوق الإنسان
أهمية الأمن الغذائي في بناء حقوق الإنسان

       يرتبط المحور الاقتصادي والاجتماعي لحقوق الإنسان بتلبية الحاجة الفسيولوجية والنفسية التي تعالج الجوانب الولاءية والانتمائية للإنسان؛ ذلك أن الإنسان لا يمكن أن يتولد في واقعه الاستقرار دون تحقيق الارتياح الفسيولوجي والنفسي لواقعه ولمستقبله.
       ومع توالي المتغيرات والمستجدات في ظل الطفرة السكانية وتداخل المجتمعات في مختلف كيانات العالم، برزت على الساحة العالمية مستجدات تلبي التوائم مع هذه المتغيرات، حيث لم يعد الإنسان بعد هذه المتغيرات والمستجدات إلا مستجيبا ومتفاعلا معها.
       وإذا كان الإنسان قبل الحرب العالمية الثانية يبحث عن قوت يومه وما يسد رمقه في اللحظة والآن، فإنه أضحى نتيجة الطفرة السكانية في ظل المستجدات والمتغيرات التي أحدثتها الكوارث، يشكل لديه الأمن الغذائي ضرورة ملحّة باعتباره حقا من حقوقه الأساسية؛ لذلك كان تحقيق الأمن الغذائي إقليميا وعالميا مطلب تتضافر من أجله جهود السلطات باعتباره حقا أساسيا من حقوق الإنسان.
       ومع بروز الحدود بين الأوطان والبلدان، وتداخل المجتمعات الإنسانية مع بعضها البعض دون حاجز  بينها أو رابط، حيث أصبحت الجنسية هي السند القانوني لإعلان الانتماء، فقد أصبح من الضروري تفعيل التنظيم حفظا للعلاقة على أساس المواطنة، وذلك دون نظر للدين والإثنية، وقد كان للفقه الإسلامي قدم السبق في تنظيم علاقة المسلمين بغيرهم في المجتمعات الإسلامية. واليوم لم تعد أوربا دار حرب كما كان فقهاء الأمس يعتبرونها، بل أصبحت دار للعقد، حيث تقوم العلاقة بين المسلمين والسلطات في تلك البلاد على هذه المنظور وهذه النظرية.
       ومع استقرار الانتماء والولاءات، وانخراط الإنسان في عملية التنمية والبناء، فقد أصبح أبرز ما يبحث عنه الإنسان مما يعتبر مرتكزا لبقية احتياجاته من الحقوق يتمثل في الأمن الاجتماعي، والذي أصبح الحاجة الأولى لديه، لا سيما في ظل التحديات والمستجدات التي أصبحت تهدد تعزيز واقع هذا الحق الذي تتحقق بتحققه سائر حقوق الإنسان، ولا يمكن للإنسان بفطرته أن يبحث عن غيره ما دام هذا الحق لم يتحقق له على أرض الواقع، وتأمل أن يجده في مختلف ميادين الحياة التي يتفاعل معها، وهذا ومن دون شك يحتاج إلى أدوات وأدوار ينبغي أن تقوم بها مختلف المؤسسات الرسمية والأهلية من أجل دعم ثقافة السلم والأمن الاجتماعي في المجتمع.

أهمية الأمن الغذائي في بناء حقوق الإنسان

       على الرغم مما وصلت إليه مدنية الإنسان منذ القرن الحادي والعشرين حتى بداية الألفية الجديدة من تقدم ورقي وحضارة في مختلف المجالات، زراعية كانت أو صناعية أو تجارية، إلا أنه ما زالت هناك فئات من بني الإنسان تعاني من فقدان الأمن الغذائي وتوفير الغذاء الذي يحمي الإنسان من الموت جوعا، وذلك في ظل فئات أخرى من المجتمعات البشرية، والتي تسعى في كل موسم إلى إتلاف المحاصيل من مختلف المنتوجات الزراعية؛ وذلك من أجل المحافظة على ثبات سعرها في السوق؛ لذلك كان على المجتمعات الإنسانية حسابات ينبغي أن تضعها في حسبانها من أجل تعزيز وإشاعة الأمن الغذائي كحق من أبسط الحقوق التي ينبغي أن تتحقق في المجتمعات الإنسانية دون استثناء، أما التذرّع بقلة خيرات الأرض فهي حجة واهية لا ترقى حتى للرد عليها، حيث هيّء الله سبحانه وتعالى الأرض ليعيش عليها كل مخلوق من مخلوقاته، ولكن تدمير الإنسان للبيئة التي سخّرها الله تعالى له على حساب تحقيق مصالح مادية ووقتية زائلة، هو الذي جعله في واقع تختل فيه قاعدة التوفير لأبسط احتياجياته ورغباته.

أولا: الخلفية التاريخية

       مع انتهاء الحرب العالمية الثانية، ومنذ الخمسينات من القرن الماضي حتى أوائل السبعينات، كان العالم أجمع ينظر إلى مسألة توافر مخزونات ضخمة من الحبوب في أمريكا الشمالية كما لو كان ظاهرة سرمدية، غير أن إنتاج الحبوب هبط في عام 1972 في العديد من المناطق المنتجة الرئيسية في آن واحد، وارتفعت المتطلبات من الواردات – خاصة في الاتحاد السوفيتي -، واختفت الفوائض تقريبا بين يوم وليلة، ونشأ عن ذلك حالة من الذعر والتكالب على الشراء، وتضاعفت أسعار الحبوب إلى ثلاثة أمثالها، في حين زادت أسعار الأسمدة أكثر من أربع مرات، وبات أفقر البلدان المستوردة مهددا بشبح الحرمان من الحصول على إمدادات كافية من الأغذية والأسمدة، ووجد العالم نفسه أمام أزمة غذائية طاحنة.
ومن بين الخطوات التي بادرت منظمة الأغذية والزراعة – إحدى المنظمات التابعة للأمم المتحدة - إلى اتخاذها إزاء هذه الأوضاع، العمل على استحداث ترتيبات للأمن الغذائي العالمي، وإنشاء المشروع الدولي لتوريد الأسمدة، والاضطلاع بمعظم الأعمال التحضيرية الفنية لمؤتمر الأغذية العالمي، والذي انعقد تحت رعاية الأمم المتحدة في روما من العام 1974.
وفي عام 1974 هبط إنتاج الحبوب العالمي للمرة الثانية خلال ثلاث سنوات، وفي ذات الوقت كان ينظر إلى الأزمة الغذائية العالمية بوصفها نذيرا بفترة طويلة من العجز الغذائي العصيب، إلا أن هذا لم يحدث لعدة أسباب، منها أن البرامج الإنمائية طويلة المدى، والتي بدأت في عدد من البلدان الأسيوية أثناء الستينات قد نجحت، وكانت هناك توجهات نحو إعطاء أولوية متقدمة لإنتاج الأغذية محليا، واتخذت ترتيبات مؤسسية لإنذار العالم بصورة واقعية باقتراب أية كارثة، هذا بالإضافة إلى توفير أفضل السبل لمعالجتها عند وقوعها، ويمكن إيجاز كل ذلك تحت عنوان: ( الأمن الغذائي العالمي ).

ثانيا: دلالة المفهوم

يهدف الأمن الغذائي في هدفه النهائي إلى ضمان أن تتوافر لجميع الناس في كل الأوقات الكميات المادية والقدرة الاقتصادية للحصول على ما يحتاجون إليه من أغذية أساسية، أما أهدافه الأكثر تحديدا فهي ترتبط بالإنتاج  مع تركيز خاص على بلدان العجز الغذائي ذات الدخل المنخفض، وباستقرار تدفّق الإمدادات، وضمان حصول الدول والمجموعات الاجتماعية المحتاجة على الإمدادات المتاحة.[1]
وتعرف منظمة الصحة العالمية ( أمان الغذاء ) بأنه: ( جميع الظروف والمعايير الضرورية خلال عمليات إنتاج وتصنيع وتخزين وتوزيع وإعداد الغذاء، والتي تعد لازمة لضمان أن يكون الغذاء آمنا وموثوقا به وصحيا وملائما للاستهلاك الآدمي ). وبذلك فإن قضيــة أمـان الغذاء أو الأمن الغذائي لا تتوقـف عند مرحـلة الإنتاج الزراعـي، ولا تقتصـر عليهـا، ولكنهـا تمتد – وربما الجوانب الأكثر خطورة وأهمية فيها – إلى المراحل اللاحقة وحتى لحظة الاستهلاك.[2]

ثالثا: أهمية الأمن الغذائي

       تبرز أهمية الأمن الغذائي – لا سيما في ظل التزايد الهائل لأعداد السكان في العالم – باعتبارها قضية محورية لا يمكن تركها للظروف المتغيرة، والتي لا يبدو أنها آمنة، فالغذاء ضرورة حيوية للإنسان، وبالنسبة لأي شعب، وذلك متى توافرت له حاجته من الغذاء بمقادير مناسبة ومستقرة وبطريقة سهلة، حيث تصبح الحياة بفضل ذلك سهلة وميسورة وتستقر فيها الأمور، ولكن متى أصبح غير ذلك، وانشغل الناس بقوت يومهم، ساد القلق واهتز الاستقرار، وبرزت المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بصورة أكثر حدة. ومن جهة أخرى فإن تحقيق الأمن الغذائي يستلزم بالضرورة تنمية الزراعة والارتقاء بالقطاع الزراعي.[3]
       وبذلك فإن أهمية الأمن الغذائي تتمثل باعتبارها حقا من أبسط حقوق الإنسان التي لا ينبغي اتخاذ أي إجراء من شأنه تهديدها أو إضعاف ضمان تحققها على أرض الواقع. ونظرا لكونها حاجة فسيولوجية، فإن الإنسان لا يبحث عن غيرها من حقوق ما دامت غير متحققة له؛ إذ لا يمكن أن نسمع عمن يطالب بحرية الرأي أو بأي حق من حقوق الإنسان الأخرى، وذلك في ظل انعدام أو ضعف الأمن الغذائي في واقعه.
       ومما يتعين على دول العالم العربي والإسلامي ضرورة السعي في ظل التحديات العالمية ليس إلى الأمن الغذائي فحسب، بل إلى العمل على خلق الاكتفاء الذاتي، وهو قدرة المجتمع على تحقيق الاعتماد الكامل على النفس والموارد والإمكانيات الذاتية في إنتاج كل الاحتياجات الغذائية محليا، ومن ثم فهو يعني الأمن الغذائي الذاتي دونما حاجة للآخرين، وبذلك فإن الدولة أو مجموعة الدول المكتفية ذاتيا تكتفي ذاتيا في تأمين الاحتياجات الغذائية لسكانها بصورة كاملة، فلا تكون عرضة لأي قدر من المخاطر التي قد تفرضها ظروف خارجية، وكذلك باعتباره الركيزة الأساسية للتنمية الاقتصادية، فلا تحتاج إلى إنفاق أموال في الخارج هي بحاجة إليها في الداخل.[4]

رابعا: تعزيز الحق في التنمية كسبيل لتحقيق الأمن الغذائي

       في عام 1966، وبالتحديد في الكلمة التي ألقاها وزير خارجية السنغال أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، برزت المطالبة في تفعيل حق الشعوب في التنمية، حيث أكد الوزير على ضرورة اتخاذ خطوات لتعزيز هذا الحق على أرض الواقع، وأن ذلك يستدعي بناء نظام اقتصادي جديد.
       وقد جاءت دلالات هذا الحق باعتبار ارتباطها بالأمن الغذائي معبرة عن أن الحقوق الأساسية والحريات ترتبط بالضرورة بالحق في الوجود والحق في مستوى أعلى وبدرجة متزايدة للمعيشة ومن ثم التنمية، والحق في التنمية حق إنساني؛ وذلك لأن الإنسان لا يمكن أن يكون له وجود بدون تنمية، لا سيما وأن هذا الحق تبرز أهميته بالنسبة للفقراء في العالم ممن يعيش ضمن تصنيف الشعوب النامية.[5]
       إن الحق في التنمية باعتبار ارتباطه في جانب منه بالأمن الغذائي حق يرتبط بالفرد، كما أنه يرتبط في ذات الوقت بالجماعة، فهو حق فردي وجماعي، وهذا هو ما تبنته الجمعية العامة في الأمم المتحدة مما أخذت به انعكاسا لما قررته لجنة حقوق الإنسان.
       ويرى الأستاذ wilnter g بأن الحق في التنمية حق ملائم وقابل للتطبيق لجميع البشر مهما كان أصلهم وهويتهم؛ وذلك لأننا لا يمكن أن نفرّق عندما نتحدث عن حقوق الإنسان ما إذا كانت الدولة المتقدمة أو النامية مشمولة بالمشكلة؛ وذلك لأن حقوق الإنسان يجب أن تكون نفسها في كل مكان ). [6]
وبذلك فإن تحقيق الأمن الغذائي كحاجة فسيولوجية للإنسان في ظل التحديات التي تواجهها البيئة، وفي ظل التزايد الهائل في أعداد السكان مع استقرار الأوضاع أصبح ضرورة ملحّة من شأن عدم الالتفات لها أو الإضعاف من الاهتمام بها أن يجر الإنسانية إلى تفاقم في انعدام الأمن والاستقرار.
يقول راشد الغنوشي في بحثه الذي قدمه للدورة الثامنة عشرة للمجلس – دبلن معلقا على أبعاد أزمة الأمن الغذائي في ظل المجاعات التي تعاني منها عدد من دول العالم، وقيام بعض الدول بإتلاف الأغذية من أجل المحافظة على سعرها في السوق: ( إن ما يجتاح العالم من استعار للأسعار  - وبخاصة المواد الغذائية - بما عرض ويعرض عشرات الملايين للمجاعات وللأوبئة، بينما يبلغ الترف والجشع وخرائب ضمائر الأغنياء إلى حد التخلص من كميات مهولة من الأغذية بإلقائها في البحار محافظة على ارتفاع الأسعار، إلى جانب ما يلقى من أغذية للكلاب وللقطط بما يكفي حاجة مئات من ملايين البشر إضافية، لهو التعبير عن إفلاس الفلسفة المادية التي يقوم عليها النظام العالمي السائـد، كما يعد تعبيرا عن مدى الخلل في النظام الاقتصادي والأخلاقي السائد، بما يفرض إعادة النظر في هذا النظام فلسفة وأخلاقا واقتصادا ).[7]

[1] كتيب مطبوع بمناسبة الأربعون عاما الأولى، 1945 – 1985، منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، 1985، روما – إيطاليا، ص 21.

[2] محمد السيد عبد السلام، الأمن الغذائي للوطن العربي، شوال 1418 – فبراير 1998، سلسلة عالم المعرفة الشهرية التي يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، مطابع الرسالة، العاصمة – الكويت، ص 98.

[3] محمد السيد عبد السلام، الأمن الغذائي للوطن العربي، مرجع سبق ذكره، ص 98.

[4] محمد السيد عبد السلام، الأمن الغذائي للوطن العربي، مرجع سبق ذكره، ص 86.

[5] الصافي – صفاء الدين محمد عبد الحكيم، حق الإنسان في التنمية الاقتصادية وحمايته دوليا، مرجع سبق ذكره، ص 181.
[6] الصافي – صفاء الدين محمد عبد الحكيم، حق الإنسان في التنمية الاقتصادية وحمايته دوليا، مرجع سبق ذكره، ص 227.
[7] الغنوشي – راشد، حقوق الإنسان في الإسلام، وأثرها على سلوك المسلم الاقتصادي، بحث مقدم للدورة الثامنة عشرة للمجلس – دبلن، جمادى الثانية / رجب 1429 / يوليو 2008، ومنشور على الموقع الإلكتروني: www.e-cfr.org، وتاريخ دخول الموقع هو:              2  فبراير 2009.

Previous Post Next Post