نظام الحسبة في الإسلام

نظام الحسبة في عهد

الحسبة في الاسلام

ماهو نظام الحسبه في وقتنا الحاضر

الحسبة في الاسلام لابن

الحسبة في الدولة الاسلامية

الحسبة والمحتسب

نظام الحسبة في المملكة العربية السعودية

الحسبة في الاسلام ابن تيمية

إذا كانت الأنظمة المستحدثة لحماية حقوق الإنسان قد سعت لحفظ هذه الحقوق وحماية  المقاصد العامة إلى نظام المحاسبة والتأديب، وهو إجراء علاجي لمشكلة الانتهاكات التي تتعرض له حقوق الإنسان وكرامته، والتي تنطلق من ولاية للإنسان على الإنسان، فإن الرقابة العامة ونظام الحسبة في الإسلام يعبر عن ولاية دينية يقوم ولي الأمر - الحاكم - بمقتضاها بتعيين من يتولى مهمة الأمر بالمعروف إذا أظهر الناس تركه، والنهي عن المنكر إذا أظهر الناس فعله؛ وذلك صيانة للمجتمع من الانحراف، وحماية للدين من الضياع، وتحقيقا لمصالح الناس الدينية والدنيوية وفقا لشرع الله تعالى تعزيزا للوقاية قبل العلاج، حيث يكون من مقتضى ذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وبالنظر إلى مجالات الحسبة، فإننا نجدها تقوم في جوهرها على حماية محارم الله تعالى من أن تنتهك، وصيانة أعراض الناس، والمحافظة على المرافق العامة والأمن العام للمجتمع، إضافة إلى الإشراف العام على الأسواق وأصحاب الحرف والصناعات وإلزامهم بضوابط الشرع في أعمالهم، ومتابعة مدى التزامهم بمقاييس الجودة في إنتاجهم، وكل ذلك يتم بالتنسيق مع الجهات ذات الاختصاص من وزارات ومؤسسات وغيرها.

وبذلك فإن هذا النظام يهدف إلى خلق مجتمع آمن مستقر تسوده المحبة ويجتمع أفراده في التعاون على البر والتقوى؛ وذلك حتى يتمكن الجميع من القيام بواجب الخلافة في الأرض، وتحقيق الغاية الأساسية من خلق الإنسان، وهي عبادة الله تعالى.
لقد جاءت الشريعة الإسلامية بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، وأنها ترجح خير الخيرين، وتدفع شر الشرين، وتحصل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما، وتدفع أعظم المفسدين باحتمال أدناهما. وقد أمر الله تعالى عباده بأن يبذلوا غاية وسعهم في التزام الأصلح فالأصلح - واجتناب الأفسد فالأفسد، وهذا هو الأساس الأكبر في التشريع الإسلامي.
ويمكن تفصيل ما يتصل بهذه الناحية للحسبة في أهداف أساسية تتمثل بما يلي:
·                  حماية دين الله تعالى بضمان تطبيقه في حياة الناس الخاصة والعامة، وصيانته من التعطيل أو التبديل أو التحريف: حيث وكّل إلى المحتسب حث الناس على الالتزام بأداء عبادتهم بكيفياتها الشرعية، ومنعهم من التبديل والتحريف فيها، كما أنه يمنع البدع في الدين ويحاربها ويوقع العقاب على مرتكبيها، فالمحتسب بذلك يهتم بكل ما يتعلق بالدين ويسعى لإحيائه وتمكينه.
·                  تهيئة المجتمع الصالح بتدعيم الفضائل وإنمائها، ومحاربة الرذائل وإخمادها: فالمحتسب يمنع المنكرات الظاهرة ويعاقب مرتكبيها إن كان مما يوكل إليه العقاب فيه، أو يرفعه إلى القضاء إن كان مما يختص القاضي بالفصل فيه، كما أنه يتتبع مواطن الريب والشبهة فيمنع وقوع المنكرات فيها مثل: مواطن اختلاط الرجال بالنساء، والأماكن التي يرتادها أهل الشك والريب.
·                   إعداد المؤمن الصالح المهتم بقضايا مجتمعه، وحماية مصالحه: ذلك أن الإسلام جعل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبا على كل مسلم؛ وذلك حتى لا يرى منكرا قد ارتكب فيسكت عنه، أو يرى معروفا ترك فيتواطأ على الترك. فإذا قام بذلك كان أدعى إلى أن يأتي هو ذاته بالمعروف الذي أمر به، وينتهي عن المنكر الذي نهى عنه غيره، لذا قال الله تعالى: <  أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ >.[1].ومن جانب آخر فإن الحسبة- وهي الحد الرسمي في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - تؤمّن لأفراد المجتمع المتابعة الدائمة لأنشطتهم بتدعيم الصالح منها وتعزيزه، ومحاربة الفاسد منها والزجر منه.
·                  بناء الضمير الاجتماعي - الوازع الجماعي - الذي يحول دون هتك مبادئ المجتمع المسلم وقواعده وآدابه العامة وأعرافه: ذلك أن للبيئة الاجتماعية أهمية قصوى في سلوك أفراد المجتمع، فإذا كان للمجتمع قواعد مرعية وآداب محفوظة ومبادئ محمية من سلطاته صعب على العصاة الخروج عليها، وهي تربي في أنفسهم الحياء من مخالفة المجتمع والخروج عليه، أما إن كانت هذه المبادئ والقواعد منتهكة من غالب أفراد المجتمع، ولم تكن هناك سلطة تسعى للحفاظ عليها، وذلك بحجة أن تلك الأمور من الشؤون الخاصة، وسهل على الأفراد الخوض في المنكرات، بل إن العصاة يغرون الصالحين بسلوك نهجهم؛ وذلك لأن الناس يحبون التشبه ببعضهم البعض.
·                  استقامة الموازين الاجتماعية واتزان المفاهيم واستقرارها؛ وذلك حتى لا ينقلب المنكر معروفا والمعروف منكرا: لذا نجد أن من أشد الأمور خطورة انتشار المنكرات، ثم تواطؤ المجتمع على السكوت عنها، ثم قبولها أخيرا، فإذا بلغت المنكرات درجة القبول عند الناس، وذلك بأن يروها أمورا معتادة لا حاجة لاستنكارها فضلا عن الإنكار على مرتكبيها، إذا بلغ الحال إلى هذا الحد، فإن المجتمع يفقد موازينه المستقيمة، وتذوب مفاهيمه الصحيحة لكل القيم الفضيلة، وعندئذ يعجز كل قانون عن التأثير في الناس، ولا سيما القوانين الوضعية التي تقوم على مبدأ عدم التدخل في الحريات الشخصية، فلو نظرنا إلى كثير من المجتمعات الإباحية فإننا نجد أن الأمور قد انفلتت من يد السلطات، إذ أصبح المجتمع لا يستنكر سلوك الانحراف والشذوذ، والسلطة لا تقدر على محاربة الرذائل والمخدرات والجرائم التي يعتدى فيها على حرمات الناس. بينما نجد المجتمعات الإسلامية - على وجه العموم- لا تزال تحتفظ بأصولها ومبادئها، مما يجعل السلوك الانحرافي والشذوذ والخروج على قيم المجتمع أمورا مستقبحة ومستنكرة من عامة الناس.
·                  دفع العقاب العام من الله تعالى، ومنع حالات الفساد الجماعي: ذلك أن انتشار المنكرات وظهور الفساد يستحق العقاب من وجهين، فأما الأول فهو أن ارتكاب تلك المنكرات موجب للعقاب، وأما الثاني فهو أن السكوت عن هذه المنكرات من غير أصحابها موجب آخر للعقاب أيضا.
·                  تحقيق وصف الخيرية للأمة: وذلك لأن صلاح المعاش والمعاد إنما يكون بطاعة الله وطاعة رسوله ( صلى الله عليه وسلم )، وذلك لا يتم إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبه صارت هذه الأمة خير أمة أخرجت للناس. وما تمت هذه الخيرية إلا بعد تحقيق الصفات المذكورة في الآية، وهي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإيمان بالله، فمن اتصف بهذه الصفات من هذه الأمة دخل في هذا المدح.[2]
إن منهجية منظمات حقوق الإنسان في الإصلاح والحد من الانتهاكات تختلف عن المنهجية المتبعة في نظام الرقابة والحسبة في الإسلام، والذي يعتبر نظاما من شأنه أن يغرس وازعا ذاتيا باعتبار أن ما يقوم به الإنسان من احترامه لحقوق الآخرين وعدم اعتداءه عليها يعد عبادة من أعظم العبادات، وقربة من أفضل القربات؛ لذلك فإن كلا النظامين يختلف في منطلقاته عن الآخر.
وباستقراء كل من الدور الذي تقوم به منظمات حقوق الإنسان، والدور الذي ينبغي أن تضطلع به جهات الحسبة، فإننا نجد أن دور منظمات حقوق الإنسان قانوني يقوم دون وضع اعتبار للدين، بل قد تكون ممارساته انتهاكا لأحكام الدين، وهو نظام لحماية الإنسان بوضع الإنسان، وفي المقابل فإن نظام الحسبة عبادة في المقام الأول، وعملية لغرس وازع ديني داخل الفرد يلتزم بموجبه باحترام الحقوق والحريات، وذلك بما يحفظ عليه مصلحته، آخذا في الاعتبار ما قرره الدين في تعاليمه وتوجيهاته.
لا يكفي لحماية حقوق الإنسان تنظيم هذه المسألة من خلال النصوص القانونية والاتفاقيات والمعاهدات والمحاكمات، وهو ما يقوم عليه محور دور منظمات وجمعيات حقوق الإنسان، والتي وإن كانت تسعى إلى نشر ثقافة حقوق الإنسان، إلا أن نظام الرقابة والحسبة في الشريعة ينطلق في تحقيقه للمقاصد الشرعية المرعية، وذلك بحفظ الحقوق من العمل على بناء وازع ديني تعبدي يكفل ذلك، ويخضع لرقابة المحتسب، ويُحمى من الانتهاكات بالحدود والتعزيرات.

[1]. البقرة 44.
[2] شيخ الإسلام ابن تيمية – أحمد الحراني، الحسبة، دراسة منشورة على الموقع الإلكتروني: mahawer.al-islam.com www.، وتاريخ دخول الموقع هو: 2 فبراير 2009.

Previous Post Next Post