العقد الاجتماعي
نظرية العقد الاجتماعي
بحث حول نظرية العقد الاجتماعي
العقد الاجتماعي عند جون لوك
نظرية العقد الاجتماعي عند هوبز
نظريات العقد الاجتماعى كأساس لنشأه الدوله
نظرية العقد الاجتماعي
فلاسفة العقد الاجتماعي
جون لوك العقد الاجتماعي    

دور العقد الاجتماعي

       مما لا شك فيه أن تنظيم العلاقة بين المواطن والسلطة وفق ما تقرره مبادئ الشفافية والعدالة له دوره في تفعيل حقوق الإنسان، وذلك على نحو يكفل تحقيق الأمن السياسي والاجتماعي  والاقتصادي، وفي هذه المسألة نظريات ومحاور كثيرة تم تناولها في العلم الوضعي.
 هذا فضلا عما يقرره الإسلام في تنظيمه للعلاقة بين الحاكم والمحكوم، حيث شرع للأمة كما ذكر محمد رشيد رضا الرأي والاجتهاد فيها نظرا إلى أنها تختلف باختلاف الزمان والمكان، وترتقي بارتقاء العمران وفنون العرفان، وأن من قواعده أن سلطة الأمة لها، وأمرها شورى بينها، وأن حكومتها ضرب من الجمهورية، وخليفة الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) فيها لا يمتاز في أحكامها عن أضعف الرعية، وإنما هو منفّذ لحكم الشرع ورأي الأمة، وأنها حافظة للدين ومصالح الدنيا، وجامعة بين الفضائل الأدبية، والمنافع المادية، وممهدة لتعميم الأخوة الإنسانية بتوحيد مقامات الأمم الصورية والمعنوية. [1]
       وإذا كان هذا ما تقرره السياسة الشرعية في حقيقتها العامة، فإن هناك العديد من النظريات التي تضع الضوابط لهذه العلاقة، وأشهرها نظرية العقد الاجتماعي التي اشتهر بها جان جاك روسو .

أصول نظرية العقد الاجتماعي

       تعتبر نظرية العقد الاجتماعي التي تنسب في أصولها ومبادئها لجان جاك روسو من أشهر النظريات الوضعية التي تتناول الشرعية القانونية، وما يتصل بالتناقض بين السلطة والحرية، والتي شغلت أذهان الفلاسفة والمفكرين بصرف النظر عن ظروف الزمان وظروف المكان، حيث أن الإشكالية في ذلك تتأتى ما بين أفراد يسعون أن يصلوا إلى مظاهر الانطلاق والحرية، وبين من يسعى إلى تضييق نطاقها من الذين يتربّعون على سدة الحكم، ويقبضون بأيديهم على مفاتيح السلطة ومقاليد الأمور، وفي كل وقت وأوان كان أولئك يسوقون الأسباب والتبريرات لكي يضفوا المعقولية والمشروعية على ما يسعون إليه من حرية وانطلاق من ناحية، ومن الناحية الأخرى على ما يريدونه من كف لهذه الحرية وتقييد لهذا الإطلاق، وتلك باختصار هي قصة الصراع بين الحاكمين والمحكومين.
       ولا يعدو تاريخ الفكر السياسي والاجتماعي أن يكون سلسلة من الفصول التي ما برحت تترى مشرقة حينا، ودامية أحيانا بكل صنوف وألوان العلاقات المتبادلة بين الطرفين، وهما يسعيان للوصول إلى أنسب الصيغ التي يُعتقد أنها أفضل ما يحقق لهم ما يعتبرونه حقوقا أو واجبات يتمتعون بها، حيث تتحدد بذلك المسؤوليات وتتضح النطاقات، وذلك بما يحول دون استمرار الصراعات وتأججها.
       ومن أروع المحاولات التي تكتب في هذا الموضوع، والتي أمكن لعقل البشر أن يتوصل إليها لأجل الحفاظ على الإنسان نفسه، وعلى المجتمع الذي صنعه هذا الإنسان بيديه، هو ما اصطلح على تسميته بنظرية العقد، والتي مثلت بالفعل نقطة تحوّل في تاريخ الإنسانية، حيث أتاحت هذه النظرية للفرد مكانة بارزة ممتازة في عملية تطور المجتمع وتقدمه، وذلك على أساس أن الفرد هو الوحدة الرئيسة التي ينبني عليها العقد، حيث تناولت هذه النظرية مختلف ما يتصل بتنظيم العلاقة بين الفرد والسلطة، وما يتصل بحدودها وخصائصها ووظيفتها.
       إن الحسم في مثل هذه المسائل غير ممكن؛ ذلك أن مسألة العلاقة بين الفرد والسلطة تتجدد باعتبار تجدد المتغيرات وحيوية العلاقة؛ لذلك كان لزاما أن تخضع لنظام مرن يتفاعل مع هذه المتغيرات فيؤثر فيها ولا تتأثر به فتتقوقع على نفسها، حيث ما زالت الاختلافات قائمة حول الأفكار والمفاهيم والتصورات التي تحدد في ضوئها كل مضامين الحق والواجب، وذلك تبعا لاختلاف مواقع الأفراد وطبيعة الجماعات والفئات، وتبعا لمدى قربهم أو بعدهم من مراكز السلطة ومحاورها.
       وبعيدا عن الوقوف على جذور هذه النظرية، فإن ما تقرر في القرن الخامس الميلادي تقريبا يعبر عن فلسفتها وحقيقتها، وذلك عندما أخذ الفلاسفة يتصوّرون المجتمع باعتباره اتحادا بين الأفراد من أجل الوصول لغايات وأهداف معينة، وبذلك فإن فلسفة العقد قد أشرقت بمبادئها وقواعدها في الكثير من المجتمعات الإنسانية القديمة.
       ولكن تطور فكرة العقد وظهورها بمفهومها الحديث ذي الطابع المنهجي الذي يتخذ شكل النظرية المتكاملة يرجع الفضل فيه ولا شك إلى الكتابات التي ظهرت في نهايات القرن السابع عشر وفي القرن الثامن عشر، وهي لتوماس هوبز وجون لوك، وأخيرا من اشتهر بهذه النظرية وهو جان جاك روسو، وهناك أسماء أخرى لمعت في تنظير محاور هذه النظرية، حيث انتشرت بفضلهم هذه النظرية فأثرت في الدساتير والقوانين والأفكار الدستورية والديمقراطية في عدد من الدول كالمملكة المتحدة وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية.
       إلا أن هذا الشيوع الواسع لهذه النظرية لا يعني أنها لم تقم ضدها أية انتقادات أو اعتراضات، بل إن ذلك كانت نتيجته اختلافات جوهرية في طبيعة المواقف الفلسفية التي تبناها كل مفكر، والتي انطلق منها ليقيم نظريته، وهي – أي المواقف الفلسفية – وإن كانت إلى غير قليل من التضارب إن لم يكن التناقض فيما بينها، إلا أنها كانت متسقة في البناء المتكامل لفلسفة كل منهم، والغاية التي يسعى إليها صاحبها من ورائها.
       فمنهم من أيد الملكية وساند السلطة المطلقة للملك، ومنهم من جعل الثورة حقا للشعب بوصف الثورة هي الضمانة الكبرى لتقييد سلطة الحكام والحد منها، ومنهم من اعتبر الشعب هو مصدر السلطات، وأنه هو الذي منح السيادة للأمير أو للحاكم، ومن ثم فإن للشعب أن يسترد السلطة من يديه إذا لم يراع مصالحه ويصون حقوقه ويحافظ عليها.
       إن نظرية العقد في تفسيرها لأصل الدولة قد افترضت – بداية – أن الجنس البشري قد مر بما اصطلح على تسميته بالحالة الطبيعية أو حالة الطبيعة، وهي حالة اعتبرها مفكرو العقد أسبق في الظهور على حالة المدنية التي قيل إن الإنسان لم يبلغها إلا عن طريق اتفاق أو عقد أبرمه الأفراد فيما بينهم، وتخلى كل منهم بموجبه عن حقه الطبيعي في أن يفعل ما يريد، وذلك في مقابل حقوق مدنية أوجدتها له الدولة وتعهدت بحمايتها والمحافظة عليها.
       وأيا ما كانت صورة ومضمون هذه الوسائل مختلفا للخروج من هذه الحالة، فقد اتفق واضعوا النظرية على أن العقد هو الوسيلة التي خرج بمقتضاها الإنسان من هذه الحالة .. أي من الحالة الطبيعية إلى الحالة الاجتماعية المتمدينة، والتي ارتبطت عند كل منهم بوجهة نظر خاصة.
       إن هذا المفهوم الذي تقوم عليه النظرية موجود في الدولة الديمقراطية، وهي حجة من الواضح أنها ترتكز على أن الحكومات تستمد شرعيتها من رضا المحكومين وقبولهم، حيث يتعين على الأطراف المختلفة     ( أطراف العقد ) الالتزام بها، وإلا أصبح في حل منها إذا ما أخلّ طرف من هذه الأطراف بمقتضياتها. [2]
       وبذلك فإن ملخص ما تقوم عليه نظرية العقد الاجتماعي هي جعل العلاقة بين السلطة والأفراد بحيث تغلب عليها سمة العقدية أكثر من السمة التنظيمية، فإذا ما أخل طرف بالتزامه فإن من حق الطرف الآخر أن يتحرر من التزاماته، ولا شك أن ذلك يحتاج إلى رابطة قانونية بين الطرفين؛ وذلك حتى تقوم بينهما هذه العلاقة وفق مرتكزات تنظيمية موضوعية.
       إن الإشكالية في بناء العلاقة بين السلطة والأفراد تتمثل في عمومها في مصدر القيود أو الضوابط التي من شأنها أن تنظم هذه العلاقة، وما قررته نظرية العقد يتمثل في قيود يتوافق عليها الحكام والمحكومين، وهذا ما قد يولّد أزمات تنجم عن عدم ضبط هذه العلاقة بضوابط من شأنها أن تجعلها منضبطة على سبيل الديمومة والاستمرارية، وهو ما يعجز عنه أي مفكر أيا كان منهجه الفكري متجددا، حيث ستكون إفرازاته الفكرية مستوعبة للسياق الآني انطلاقا من وعاء التاريخ، وذلك دون إدراك لصورة وحقيقة المستقبل مما يتقرر فيه الصلاح.
       لذلك نجد أزمة للحريات التي هي أبرز حقوق الإنسان قد أدت إلى تدهور الحرية والديمقراطية في المعسكر الغربي، وذلك إبان الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي، حيث كان من أسبابها ظهور سلطة الجماهير على مسرح الحياة السياسية خلال القرن التاسع عشر، حيث لا ضابط ولا رابط، فمنذ ظهور الاقتراع العام – وفي فرنسا بالذات سنة 1818 – نفذت الجماهير إلى الحياة السياسية، وترتبت على ذلك نتائج متنوعة منها أن الجماهير - وهي تقاد بالمشاعر والعواطف العنيفة أكثر مما تقاد بالمنطق والأفكار المحددة – قد عاونت على قيام الأحزاب السياسية، وابتناء برامجها على بعض الصيغ المبسّطة التي أدت بدورها إلى تبسيط مصطنع وخطير للمشكلات، هذا فضلا عن أن حكم الجماهير لا يشجّع على نمو الحريات؛ وذلك لأن الجماهير بطبيعتها غير متسامحة مع الأقليات ومع المعارضة، في حين أن جوهر الحريات هو التسامح.[3]
إن إطلاق العنان للحريات دون ضابط ولا رابط، وذلك على أساس أن الحاكم يستمد سلطته من الشعب، وأنه لا بد وأن يلبي رغباته دون وضع قيود عليها، هو ما تقرره نظرية العقد الاجتماعي، وذلك  باعتبار أن الشعب هو مصدر السيادة على نفسه، وهذا هو الذي يؤدي إلى هذه الإشكالات التي عانى منها المعسكر الغربي إبان الحرب الباردة وما زال؛ ذلك أن اعتماد مثل هذا النظام يؤدي إلى فلتان في الاستقرار بمختلف أبعاده في واقع المجتمعات ومستقبلها.

[1] محمد رشيد رضا، الخلافة، ط: 1، 1408 – 1998، الزهراء للإعلام العربي، القاهرة – مصر، من الصفحة الخلفية للغلاف.
[2] محمود أبو زيد، الشرعية القانونية، وإشكالية التناقض بين السلطة والحرية ( دراسة تأصيلية لنظرية العقد الاجتماعي، مرجع سبق ذكره، ص 3.
[3] محمد عصفور، أزمة الحريات في المعسكرين الشرقي والغربي، ط: 1، 1961، غير معلوم جهة الطبع ولا مكانها، ص: ط.

Previous Post Next Post