اللعان
تعريفه :
هو مشتق من اللعن ، لأن كل واحد من الزوجين يلعن نفسه في الخامسة إن كان كاذباً .
واصطلاحاً : هو شهادات مؤكدات من الجانبين مقرونـة بلعن من الزوج وغضب من الزوجـة .
·       وسببه أن يقذف الرجل زوجته بالزنا .
سواء قذفها بمعين كقوله : زنى بك فلان ، أو بغير معين كقوله : يا زانيـة .
م / وأما اللعان : فإذا رمى الرجل زوجته بالزنى فعليه حد القذف ثمانون جلدة إلا أن يقيم البينة : أربعة شهود فيقام عليها الحد ، أو يلاعن فيسقط عنه حد القذف .
------
الاصل أن من قذف شخصاً بالزنا أن يأتي ببينة وإلا جلد ثمانين جلدة ، لقوله تعالى (  وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً ) .
واللعان خارج عن هذا الأصل ، لأن الزوج لا يمكن أن يقذف زوجتـه إلا وهو متأكد من ذلك ، ولأنه لا يمكن أن يدنس فراشه .
·       فالخلاصة : أن من قذف زوجته بالزنا فله أحوال :
أن يأتي ببينة فتحد ولا يحد .
أن تقر هي فتحد ولا يحد .
أن تنكر فهنا نقول له : إما أن تلاعن أو يقام عليك الحد : فإذا لا عن ولا عنت ثبت اللعان وله أحكام ستأتي إن شاء الله .
·       فإن نكل الزوج عن اللعان فعليه حد القذف .
لقوله تعالى (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ).
·       فإذا نكلت الزوجة فإنه يقام عليها حد الزنا .
لأن الملاعنة بمنزلة البينة ، وقد قال الله تعالى ( وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ) والعذاب هو الحد .
·       الأصل في مشروعيته الكتاب والسنة .
قال تعالى ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ . وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ . وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ ) .
وعن ابن عباس ( أن هلال بن أمية قذف امرأتـه عند النبي r بشريك بن سحماء ، فقال النبي r : البينة أو حد في ظهرك ، فقال يا رسول  الله : إذا راى أحدنا على امرأته رجلاً ينطلق يلتمس البينـة ؟ فجعل النبي r يقول : البينة أو حد في ظهرك ؟ فقال هلال : والذي بعثك بالحق إني لصادق فلينزلن ما يبرىء ظهري من الحد ، ، فنزل جبريل وأنزل عليه : ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ …) حتى : ( إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ ) ، فانصرف النبي r فأرسل إليها فجاء هلال فشهد والنبي r يقول : إن الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب ؟ ثم قامت فشهدت ، فلما كانت عند الخامسة وقفوها وقالوا : إنها الموجبة . قال ابن عباس : فتلكأت ونكصت حتى ظننا أنها ترجـع ثم قالت : لا أفضـح قومي سائر اليوم فمضت ، فقال النبي r : أبصروها فإن جاءت به أكحل العينين فهو لشريك بن سحماء ، فجاءت به كذلك ، فقال النبي r : لولا ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن ) رواه البخاري .
·       فإذا رمى الرجل زوجته بالزنا ولم تقر هي بذلك ، ولم يرجـع هو عن رميه فقد شرع الله لهما اللعان .
م / وصفة العان : على ما ذكره الله في سورة النور (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ . وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ . وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ ) . فيشهد خمس شهادات بالله إنها لزانية ، ويقول الخامسة : وأن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ، ثم تشهد هي خمس مرات بالله إنه لمن الكاذبين ، وتقول في الخامسة : وأن غضب الله عليها إن كان من الصادقين .
--------
ذكر المصنف – رحمه الله – الآية التي فيها صفة اللعان :
قال في المغني : وصفته : أن الإمام يبدأ بالزوج فيقيمه ويقول له قل أربع مرات : أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميت به زوجتي هذه من الزنا ، ويشير إليها إن كانت حاضرة ، وإن كانت غائبة أسماها ونسبها ، فإذا شهد أربع مرات وقفه الحاكم وقال له : اتق الله فإنها الموجبة [ عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة ] وكل شيء أهون من لعنة الله ، ويأمر رجلاً فيضع يده على فيه حتى لا يبادر بالخامسة قبل الموعظة ثم يأمر الرجل فيرسل يده عن فيه ، فإن رآه يمضي في ذلك قال له قل : وأن لعنة الله عليّ إن كنت من الكاذبين فيما رميت به زوجتي هذه من الزنا ، ثم يأمر المرأة بالقيام ويقول لها : قولي : أشهد بالله أن زوجي هذا لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنا وتشير إليه، وإن كان غائباً أسمتـه ونسبتـه ، فإذا كررت ذلك أربع مرات وقفها ووعظها كما ذكرنا في حق الزوج، ويأمر امرأة فتضع يدها على فيها، فإن رآها تمضي على ذلك قال لها قولي: وأن غضب الله عليّ إن كان زوجي هذا من الصادقين فيما رماني به من الزنا .
·       الحكمة في كونها أربع شهادات : لأنها في مقابل أربعة شهود .
·       الحكمة من ذكر الغضب في المرأة : لأنه اشد من اللعن، إذ اللعن أثر من آثار الغضب، لأن الرجل كما تقدم تدل القرائن في الغالب أنه لا يرم زوجته وهو كاذب، فجعل في جانبه اللعن لأنه أخف بخلاف المرأة، ولهذا غلظ عليها .

·       يشترط في اللعان أن يكون بين زوجين .
لقوله تعالى ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ …) .
قال في المغني : لا لعان بين غير زوجين ، فإذا قذف أجنبية محصنة حد ولم يلاعن ، وإن لم تكن محصنـة عزر ولا لعان أيضاً ، ولا خلاف في هذا .
·       ويشترط في اللعان أن يقذف زوجته بالزنا .
فلو قال أتيت بشبهـة ، أو قبّلك فلان ، فإن اللعان لا يثبت ، لأن هذا لا يثبت به حد القذف .
·       ويشترط فيه كذلك : أن يبدأ الزوج باللعـان ، فإن بدأت به هي لم يصح .
لأن لعان الرجل بينة لإثبات زناها ، ولعان المرأة للإنكار ، فقدمت بينة الإثبات كتقديم الشهود على الأيمان .
ولأن لعان المرأة لدرء العذاب عنها ولا يتوجـه عليها ذلك إلا بلعان الرجل .
·       لا بد من حضور اللعان الحاكم أو نائبه .
لحديث سهل بن سعد وفيه ( قال رسول الله r : اذهب فأت بها فتلاعنا عند رسول الله r .. ) .
م / فإذا تم اللعان .
---------
أي : إذا تم اللعان بين الزوجين على الصفة المذكورة فيما سبق ، فإنه يترتب عليه ما يلي :
م / سقط عنه الحد .
---------
أي : فيسقط عن الزوج الحد – وهو حد القذف – إذا كانت الزوجة محصنة ( يعني عفيفة ) والتعزير إن كانت غير محصنة .
م / واندرأ عنها العذاب .
------------
أي : ومما يترتب على اللعان أيضاً : أنه يدرأ عن الزوجة العذاب وهو الحد .
لقوله تعالى ( وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ ) .
يدرأ : أي يدفع . العذاب : المراد به هنا الحد .
م / وحصلت الفرقة بينهما والتحريم المؤبد .
------------
أي : ومما يترتب على اللعان أن الفرقة بينهما تكون فرقة مؤبدة .
عن ابن عمر ( أن رسول الله e فرّق بين رجل وامرأة قذفها وأحلفهما ) متفق عليه .
وعنه قال ( لاعن النبي e بين رجل وامرأة من الأنصار وفرق بينهما ) متفق عليه .
وعن علي وابن مسعود قالا ( مضت السنة في المتلاعنين أن لا يجتمعا أبداً ) أخرجه البيهقي .
ولأنه وقع بينهما من التباغض والتقاطع ما أوجب القطيعة بينهما بصفة دائمة .
·       واختلف العلماء متى يقع التفريق ، هل بمجرد قذف الرجل لامرأته ؟ أم بعد حلفه وشهادته ؟ أم بعد ملاعنتهما معاً ؟
الجمهور على أن التفريق يقع بعد ملاعنتهما معاً للأحاديث السابقة .
وقال الشافعي : تحصل الفرقة بلعان الزوج وحده وإن لم تلتعن المرأة ، والأول أصح .
·       اختلف العلماء في اللعان هل هو في حد ذاته تفريق ؟ أم يلزم حكم الحاكم ( القاضي ) ؟
ذهب فريق من أهل العلم – كالإمام مالك وأهل الظاهر – إلى أن اللعان في حد ذاته موجب للفرقة ، وهو قول الجمهور كما نقله النووي عنه .
لحديث سهل . أن النبي e قال ( ذاكم التفريق بين كل متلاعنين ) رواه مسلم .
بينما ذهب آخرون من أهل العلم كأبي حنيفة إلى أنه يلزم قضاء القاضي .
لحديث ابن عمر وفيه ( ثم فرّق بينهما ) .


م / وانتفى الولد إذا ذكر في اللعان .
--------------
أي : ومما يترتب على اللعان انتفاء الولد ، وهذه المسألة اختلف العلماء فيها على قولين :
فقيل : أن الولد ينتفي بمجرد اللعان .
ويكون انتفاء الولد تبعاً للعان .
وقيل : لابد أن ينفيه ، فإن لم ينفيه فالولد له .
واستدلوا بحديث ( الولد للفراش ) وهذا ولد على فراشه له .
والله أعلم .

باب الظهار
م / والظهار أن يقول لزوجته : أنت عليّ كظهر أمي ونحوه من ألفاظ التحريم الصريحة لزوجته .
--------
ذكر المصنف – رحمه الله – تعريف الظهار ، وهو أن يقول لزوجته : أنت عليّ كظهر أمي .
مثال : أن يقول الرجل لامرأته أنتِ عليّ كظهر أمي .
قال في المغني : وإنما خصـوا الظهر بذلك من بين سائر الأعضاء ، لأن كل مركوب يسمى ظهراً لحصول الركوب على ظهره في الأغلب ، فشبهوا الزوجـة بذلك .
·        وقد ذكر المفسرون أن آيات الظهار نزلت في أوس بن الصامت الأنصاري الخزرجي ، لما ظاهر من زوجته خولة بنت مالك بن ثعلبة ، فأرادها فأبت عليه حتى تأتي النبي e ، فجاءت النبي e وجعلت تجادله ، والنبي e يحاورها ، والله يسمع ذلك ، فأنزل الله الآيات من أول سورة المجادلة .
قوله ( من ألفاظ التحريم الصريحة ) كقوله لزوجته : أنتِ عليّ كظهر أمي ، وغير الصريح : كقوله : أنتِ عليّ حرام ، وهذه سيأتي حكمها بعد قليل إن شاء الله .
·        وتشبيه الزوجة بغير الأم كالعمة والخالة يعتبر ظهاراً .
وهـذا قول أكثر العلماء ، قال في المغني مرجحاً هذا القول :
( ولنا أنهن محرمات بالقرابة فأشبهن الأم ، فأما الآيـة فقد قال فيها : وإنهم ليقولون منكراً من القول وزوراً ، وهذا موجود في مسألتنا فجرى مجراه ، وتعليق الحكم بالأم لا يمنع ثبوت الحكم في غيرها إذا كانت مثلها ) .
·        إذا قال لزوجته أنتِ عندي أو مني كظهر أمي فإنه يعتبر ظهاراً .
لأنه بمنزلة [ عليّ ] ، لأن هذه الألفاظ بمعناهـا .
·        إذا قالت المرأة لزوجها أنتَ علي كظهر أبي فليس بظهار .
وهـذا قول أكثر العلماء .
لأن الله خصه بالرجال دون النساء بقوله : ( والذين يظاهرون منكـم من نسائهـم .. ) .
لكن ماذا عليها : اختلف العلماء في ذلك : والراجـح أنها عليها كفارة يمين .
·        إذا ظاهر من أجنبية لم يتزوجها ثم تزوجها فإنه لا يكون ظهاراً .
لأن الله يقول ( والذين يظاهرون من نسائهم ) ولا تكون المرأة من نسائه إلا بالعقد .
م / فهو منكر وزور .
--------
ذكر المصنف – رحمه الله – حكم الظهار وأنه حرام ، بالكتاب والإجماع .
لقوله تعالى ( الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً ) . [ منكراً ] أي : حرام .    [ وزوراً ] أي كذب ، لأن إخبار الرجل عن زوجته أنها أمه كذب .
ولحديث ابن عباس ( أن رجلاً ظاهر من امرأته ، ثم وقع عليها ، فأتى النبي e فقال : إني وقعتُ عليها قبل أن أكفرَ ، قال : فلا تقربها حتى تفعل ما أمرك الله ) رواه أبو داود . وجه الدلالة على التحريم : أنه أمِر بالكفارة .
وقد نقل الصنعاني الإجماع على تحريمه .
م / ولا تحرمُ الزوجة به .
---------
أي : لا يصير الظهار طلاقاً .
لقوله تعالى ( ... فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ) ولو كان طلاقاً لم تحلها الكفارة .
وأيضاً لو جعلناه طلاقاً لكنا قد وافقنا حكم الجاهلية ، لأنهم في الجاهلية يجعلون الظهار طلاقاً .
م / لكن لا يحل له أن يمسها حتى يفعل ما أمره الله به في قوله (وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ...... فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً .... ) .
----------
أي : لا يجوز للمظاهر وطء زوجته حتى يخرج الكفارة لقوله تعالى (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا .. ) أي : من قبل أن يمس أحدهما الآخر بالجماع ، فالإخراج شرط لحل الوطء .
ولحديث ابن عباس – السابق - أن النبي r قال للمظاهر ( فلا تقربهـا حتى تفعل ما أمرك الله به ) .
 فإذا كفّر زال حكم التحريم .
·        واختلف العلماء في غير الوطء كالقبلة والمداعبة وغيرها على قولين :
قيل : تحرم أيضاً .
أخذاً بعموم الآية .
والنظر يقتضي ذلك : فإن لفظ المظاهر يقتضي ذلك : فإنه قال لامرأتـه : أنت علي كظهر أمي ، وهـذا يقتضي المنع من الدواعي ، لأن الدواعي محرمة عليه تجاه أمـه ، وقد شبه امرأته بأمه .
ولأن القبلة والمس ونحوهما من ذرائع الوطء .
وقيل : لا يحرم .
قالوا : لأن لفظ المسيس كناية عن الجماع ، فيقتصر عليه .
والراجح الأول .
·        فإذا جامعها في أثناء الشهرين نهاراً فإنه يستأنف الصيام من جديد وهذا بالإجماع ، أما الجماع بالليل هل يقطع التتابع ؟ قولان للعلماء :
قيل : يقطع التتابع .
لعموم الآية ( ... فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ) . فالله أمر بصيام الشهرين خاليين من الوطء ، فإن وطىء ليلاً لم يصدق أنه صام الشهرين خاليين من الوطء .
وقيل : إذا أصابها ليلاً أثم بوطئه قبل إتمام الصوم ، لكن لا ينقطع التتابع .
وهذا قول الشافعي واختاره ابن المنذر وابن قدامة .
لأن وطء الليل لا يبطل الصيام ، فلا يُوجب الاستئناف .
وقالوا : لأن التتابع في الصيام معناه : اتباع صيام يوم بالذي قبله ، وهذا حاصل .
·        قال السعدي : لعل الحكمة في وجوب الكفارة قبل المسيس ، أن ذلك أدعى لإخراجها ، فإنه إذا اشتاق إلى الجماع ، وعلم أنه لا يمكّن من ذلك إلا بعد الكفارة بادر إلى إخراجها .
·        ذكر الله كفارة الظهار وهي على الترتيب لا على التخيير .
تحرير رقبة ، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين ، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً .
فأولاً : تحرير رقبة [ أي تخليصها من الرق ] .
يشترط أن تكون الرقبة مؤمنة ، وهذا مذهب جمهور العلماء .
حملاً للمطلق هنا على المقيد في آية القتل
ولحديث الجارية ( قال لها رسول الله: أين الله ؟ قالت: في السماء ، فقال: من أنا ؟ قالت: أنت رسول الله ، قال : أعتقها فإنها مؤمنـة ) رواه مسلم .
·        (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ ) بأن كان لا يوجد عبيد للعتق ، أو لا يملك ثمنها .
ثانياً : فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ .
·        قال في المغني : أجمع العلماء على وجوب التتابع في الصيام في كفارة الظهار .
·        فإن تخلل هذا القضاء شهر رمضان ، فإنه يصوم رمضان ثم يكمل من اليوم الثاني من شوال .
·        إن تخلله فطر واجب كعيد الفطر أو الأضحى أو أيام التشريق لم ينقطـع .
·        إن أفطر بعذر يبيح الفطر فإن التتابع لا ينقطع ، أما إذا تحيل بالسفر على الفطر فإن التتابع ينقطع .
فالخلاصة : أن التتابع في الصيام لا ينقطع في ثلاث مسائل : إذا انقطع التتابع بصوم واجب كرمضان ، وإذا انقطع  لفطر واجب كالعيدين وأيام التشريق ، وإذا انقطع التتابع لعذر يبيح الفطر في رمضان .
·        إن أفطر لصوم مستحب انقطع التتابع .
·        المذهب : المعتبر بالشهرين الأهلة إذا ابتدأ من أول الشهر سواء كان 30 يوماً أو كان 29 يوماً .
وإن ابتدأ من أثناء الشهر فالمعتبر العدد .
مثال : رجل صام من ( 1 ) محرم ، وكان محرم ( 29 ) يوماً وكان مثلاً صفر ( 29 ) يوماً فإنه يجزئ ويكون صام ( 58 ) يوماً .
لكن إن صام من أثناء الشهر فالمعتبر العدد، فلو صام من اليوم (11) من محرم، فإنه ينقضي الشهر الأول (11) من صفر ، ثم يشرع في (12) صفر وينقضي الشهر ب(12) من ربيع الأول . فيكون قد صام (60) يوماً .
والصحيح أن المعتبر بالشهرين الأهلة مطلقاً سواء صام من أول الشهر أو من أثنائه .
·        (فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ ) على الصيام لمرض مستمر .
ثالثاً : فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً .
·        يجزىء كل شيء يكون قوتاً للبلد ، لأن الله تعالى قال ( إطعام ستين مسكيناً ) ولم يخصص من أي نــوع ، فيرجع ذلك إلى ما جرى به العرف . وهذا اختيار ابن تيمية .
·        الواجب إطعام ستين مسكيناً لا يجزىء أقل من ذلك ، فمن أطعم واحداً [ 60 ] يوماً لم يكن أطعم إلا واحداً فلم يمتثل الأمر .
·        وقد دلت الآية على وجوب تقديم الكفارة بالعتق والصيام على المماسة ، ولا خلاف في ذلك ، أما وجوب تقديمها في الإطعام فلم يُذكر في الآية ، ولهذا اختلف أهل العلم في ذلك :
فالأكثرون على وجوب تقديم الإطعام على المماسة ، وأنه لا يجوز وطؤها قبل التكفير .
لعموم حديث ابن عباس ( أن النبي e قال للمظاهر : فلا تقربها حتى تفعل ما أمرك الله ) .
وقيل : يجوز الجماع قبل التكفير بالإطعام .
والأول أصح وأحوط .
م / وسواء كان الظهار مطلقاً ، أو مؤقتاً بوقت كرمضان ونحوه .
---------
الظهار يكون مطلقاً ويكون مؤقتاً .
المؤقت : كأن يقول : أنتِ علي كظهر أمي شهر رمضان .
المطلق : الذي لم يؤقت ، كأن يقول : أنتِ علي كظهر أمي .
ويكون أيضاً : منجّزاً ويكون معلقاً :
المنجّز : كأن يقول لزوجته : أنتِ علي كظهر أمي .
المعلق : إن فعلت كذا فأنتِ علي كظهر أمي .
فإذا قال : أنتِ علي كظهر أمي شهر رمضان ، فهذا ظهار مؤقت ، فإذا انتهى رمضان زال حكمه .
م / وأما تحريم المملوكة والطعام واللباس وغيرها ففيه كفارة يمين لقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ ... وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ ) .
------------
أي : ومن حرم على نفسه شيئاً مباحاً كمملوكته أو طعاماً أو شراباً ففيه كفارة يمين .
كأن يقول : أَمَتي عليّ حرام .
أو قال : هذا الطعام عليّ حرام ، أو قال : هذا الشراب علي حرام ، أو قال : هـذا الثوب علي حرام ، أو قال : هذه السيارة حرام علي .
فكل من حرم شيئاً – سوى الزوجة – ففيه كفارة يمين ، للآية التي ذكرها المصنف  ، وقد قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ... ) ثم قال تعالى (قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ ) أي : بالتكفير .
·       وأما إذا قال لزوجته : أنتِ علي حرام ، فقد اختلف العلماء في هذه المسألة على أقوال كثيرة ؟
القول الأول : يكون ظهاراً .
وهذا هو المشهور من المذهب ، واختاره ابن تيمية والشنقيطي .
القول الثاني : أنه يمين مطلقاً ، يكفرها بكفارة يمين .
القول الثالث : أنه لغو لا يترتب عليه شيء  ، واختاره الصنعاني .
القول الرابع : التفصيل على حسب نيته :
إن نوى الظهار فهو ظهار .
وإن نوى الطلاق فهو طلاق .
وإن نوى اليمين فهو يمين .
وإن لم ينو شيئاً ففيه كفارة يمين .
واختار هذا القول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله .

العدد
م / العدة تربص من فارقها زوجها بموتٍ أو طلاق .
---------------
العدد : تعريفها : جمع عدة ، وهي شرعاً : تربص محدود شرعاً بسبب فرقة نكاح وما ألحق به ، والمراد بالتربص الانتظار .
قوله ( محدود شرعاً ) أي : أن هذا التربص محدد من قبل الشرع ، إما ثلاث حيض ، وإما وضع الحمل ، وإما ثلاثة أشهر ونحو ذلك .
قوله ( بسبب فرقة نكاح ) كما لو طلق الرجل زوجته .
قوله ( وما ألحق به ) كوطء الشبهة ، فإنه على المذهب تجب فيه العدة .

·       والعدة واجبة بالكتاب والسنة والإجماع .
قال تعالى (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ ) قال العلماء : هـذا خبر بمعنى الأمـر .
وقال تعالى (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ )  هذا بالنسبة للمفارقة في الحياة .
وأما بالنسبة للمفارقة للوفاة فقد قال الله تعالى (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً) .
ومن السنة . قال e لفاطمة بنت قيس ( اعتدي في بيت ابن أم مكتوم ) متفق عليه .
وأجمعت الأمة على وجوب العدة في الجملة .
·       الحكمة من العدة عدة أمور :
‌أ-        استبراء رحم المرأة من الحمل لئلا يحصل اختلاط الأنساب .
‌ب-   وكذلك إتاحة الفرصة للزوج المطلق ليراجع إذا ندم وكان الطلاق رجعياً .
‌ج-    وتعظيم عقد النكاح وأن له حرمة .
م / فالمفارقة بالموت إذا مات عنها تعتد على كل حال .
------------
أي : أن المرأة إذا مات عنها زوجها فإنه يجب عليها العدة على كل حال، أي مدخولاً بها أو غير مدخول بها.
لقوله تعالى (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً ) والرجل إذا عقد على المرأة فإنها تعتبر زوجة .
مثال : رجل عقد على امرأة ولم يدخل بها ، ثم مات عنها ، فإنه يجب عليها العدة .
فإن كانت حاملاً فعدتها وضع جميع ما في بطنها لقوله تعالى (وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) .
-----------
بدأ المصنف – رحمه الله – بعدة الحامل ( وتسمى أم المعتدات ) ، فمن مات عنها زوجها وهي حامل فعدتها وضع جميع حملها .
لقوله تعالى ( وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) .
ولحديث سُبَيْعَةَ الأَسْلَمِيَّةِ (أَنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ سَعْدِ بْنِ خَوْلَةَ ،وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْراً - فَتُوُفِّيَ عَنْهَا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ , وَهِيَ حَامِلٌ . فَلَمْ تَنْشَبْ أَنْ وَضَعَتْ حَمْلَهَا بَعْدَ وَفَاتِهِ , فَلَمَّا تَعَلَّتْ مِنْ نِفَاسِهَا : تَجَمَّلَتْ لِلْخُطَّابِ , فَدَخَلَ عَلَيْهَا أَبُو السَّنَابِلِ بْنُ بَعْكَكٍ - رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ - فَقَالَ لَهَا : مَا لِي أَرَاك مُتَجَمِّلَةً ؟ لَعَلَّكِ تُرَجِّينَ لِلنِّكَاحِ , وَاَللَّهِ مَا أَنْتِ بِنَاكِحٍ حَتَّى يَمُرَّ عَلَيْك أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ . قَالَتْ سُبَيْعَةُ : فَلَمَّا قَالَ لِي ذَلِكَ : جَمَعْتُ عَلَيَّ ثِيَابِي حِينَ أَمْسَيْتُ , فَأَتَيْتُ رَسُولَ r فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ ؟ فَأَفْتَانِي بِأَنِّي قَدْ حَلَلْتُ حِينَ وَضَعْتُ حَمْلِي , وَأَمَرَنِي بِالتَّزْوِيجِ إنْ بَدَا لِي ) وفي رواية للبخاري ( فوضعت بعد موته بأربعين ليلة ) متفق عليه .

قال النووي :  أخذ بهذا جماهير العلماء من السلف والخلف ، فقالوا عدة المتوفى عنها زوجها بوضع الحمل حتى لو وضعت بعد موت زوجها بلحظة قبل غسله انقضت عدتها وحلت في الحال للأزواج، وهذا قول مالك والشافعي وأبي حنيفة وأحمد .
وذهب بعض العلماء : إلى أنها تعتد بأقصى الأجلين ، وهو قول ابن عباس وجماعة .
قال الحافظ :  ومعناه أنها إن وضعت قبل مضي أربعة أشهر وعشر ، تربصت إلى انقضائها ولا تحل بمجرد الوضع ، وإن انقضت المدة قبل الوضع تربصت إلى الوضع .
مثال على هذا القول : رجل مات وزوجته  حامل في الشهر الأول : عدتها : وضع الحمل .
مات عنها وهي في الشهر السابع ، فعدتها – على هذا القول – أربعة أشهر وعشراً .
والراجح القول الأول وهو قول الجمهور .
·       وقوله ( جميع ما في بطنها ) أي : لا تنقضي العدة حتى تضع جميع ما في بطنها ، فلو كان في بطنها ثلاثة أولاد ، وخرج الأول ، فلا تنتهي العدة ، ثم وضعت الثاني ، فلا تنتهي العدة ، فلا تنتهي حتى تضع جميع ما في بطنها .
·       وهذا أيضاً يشمل الطفل الواحد ، فلو خرج بعضه فإنه لا تنتهي العدة حتى يخرج كله .
·       لابد أن تضع ما يتبين به خلق إنسان ، بأن تتبين مفاصله ويداه ورجلاه ورأسه ولا عبرة بالخطوط ، فإذا تميز بأن عرف رأسه وبانت رجلاه ويداه ووضعت فحينئذ تنقضي العدة .
·       المدة التي يتبين فيها خلق إنسان : لا يتبين إلا بعد 81 يوماً . وقبل ذلك لا يمكن ، وبعد (90) متيقن ، وقبل (80) لا يمكن .
مثال : امرأة مات عنها زوجها وهي حامل ووضعت من شهرين: فلا تنتهي عدتها، لأنه في شهرين لا يتبين فيه خلق إنسان، وتعتد بأربعة أشهر وعشراً .
مثال آخر : امرأة مات عنها زوجها وهي حامل ، فوضعت من ثلاثة أشهر ، فهنا تنقضي عدتها ، لأنه في هذه المدة يتبين فيه خلق إنسان .
م / وهذا عام في المفارقة بموت أو حياة .
---------
أي : أن وضع الحمل هو نهاية العدة للمرأة الحامل سواء مات عنها زوجها أو طلقها .
فالمرأة إذا طلقها زوجها وهي حامل فعدتها وضع الحمل .
للآية السابقة (وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) .
قال ابن قدامة : أجمع أهل العلم في جميع الأعصار على أن المطلقة الحامل تنقضي عدتها بوضع الحمل .


م / وإن لم تكن حاملاً فعدتها أربعة أشهر وعشرة أيام .
---------
أي : إذا كانت المرأة المتوفى عنها زوجها غير حامل فعدتها أربعة أشهر وعشرة أيام ( سواء كان مدخولاً بها أم غير مدخول بها ) .
لقوله تعالى ( والَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرا ) .
وقال e ( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج ، أربعة أشهر وعشراً).متفق عليه
قال ابن قدامة: أجمع أهل العلم على أن عدة المرأة المسلمة غير ذات الحمل من وفاة زوجها أربعة أشهر وعشراً، مدخولاً بها أو غير مدخول بها .
والدليل على أن غير المدخول بها يشملها هذا الحكم :
ما رواه أهل السنن ( أن ابن مسعود سئل عن رجل تزوج امرأة فمات عنها ولم يدخل بها ، فقال : عليها العدة ولها الميراث ، فشهد معقل ابن سنان أن النبي e قضى في بروع بنت واشق بمثل ما قضى ، ففرح ابن مسعود بذلك فرحاً شديداً ) .
وقد سبق أن هذا الحديث يدل على ثلاث مسائل :
المسألة الأولى : وجوب العدة على المرأة المتوفى عنها زوجها ولو قبل الدخول .
المسألة الثانية : أن المرأة التي مات عنها زوجها قبل الدخول عليها العدة .
المسألة الثانية : أن المرأة التي مات عنها زوجها لها الميراث ولو قبل الدخول .
·       اختلف العلماء في المرأة يموت عنها زوجها وهو غائب ، أو طلقها وهو غائب ، من متى تبدأ العدة ؟
فقيل : تعتد من يوم مات زوجها .
وهذا مذهب الجمهور .
لعموم الأدلة .
فلو فرض أنه طلقها ، ولم تعلم ، وحاضت حيضتين ثم علمت ، فإنه يبقى عليها حيضة واحدة ، وكذلك إذا مات عنها زوجها ، ولم تعلم إلا بعد مضي شهرين ، فإنه يبقى عليها شهران وعشرة أيام .
وقيل : تعتد من يوم يأتيها الخبر .
وبه قال الحسن وعمر بن عبد العزيز .
لأن العدة اجتناب أشياء وما اجتنبتها .
والراجح الأول .
·       لو مات زوج الرجعية :
قال في المغني : وإذا مات زوج الرجعية استأنفت عدة الوفاة أربعة أشهر وعشراً بلا خلاف ، لأن الرجعية زوجة يلحقها طلاقه وينالها ميراثه ، فاعتدت للوفاة كغير المطلقة .


م / وأما المفارقة في حال الحياة ، فإذا طلقها قبل أن يدخل بها فلا عدة له عليها ، لقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا ) .
---------------
أي : إذا فارق الرجل زوجته في الحياة بطلاق أو فسخ قبل الخلوة والدخول فلا عدة عليها للآية التي ذكرها المصنف – رحمه الله – (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا ) .
قوله ( المؤمنات ) خرج مخرج الغالب ، إذ لا فرق في الحكم بين المؤمنة والكتابية في ذلك بالإتفاق . [ قاله ابن كثير ] .
قال ابن كثير : هذا أمر مجمع عليه بين العلماء أن المرأة إذا طلقت قبل الدخول بها لا عدة عليها ، فتذهب وتتزوج من فورها متى شاءت، ولا يستثنى من هذا إلا المتوفى عنها زوجها، فإنها تعتد منه أربعة أشهر وعشراً، وإن لم يكن دخل بها بالإجماع أيضاً .
·       من المسائل التي نستفيدها من الآية : إباحة طلاق المرأة قبل الدخول بها .
·       استدل بهذه الآية بعض العلماء على أن الطلاق لا يقع إلا إذا تقدمه نكاح ، لأن الله تعالى قال (إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ ) فعقب النكاح بالطلاق ، فدل على أنه لا يصح ولا يقع قبله ، وهذا مذهب الشافعي وأحمد بن حنبل وطائفة كثيرة من السلف والخلف رحمهم الله . [ قاله ابن كثير ] .
وقد سبقت المسألة ومثالها : أن يقول : إن تزوجت فلانة فهي طالق ، ثم فيما بعد تزوجها ، فلا تطلق .
م / وإن كان قد دخل بها أو خلا بها ، فإن كانت حاملاً فعدتها وضع حملها ، قصرت المدة أو طالت .
--------
أي : وعدة الزوجة المدخول بها أو خلا بها زوجها وطلقها زوجها وكانت حاملاً أن تضع حملها .
لعموم قوله تعالى ( وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُن ) .
[ وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ ] أي : صاحبات الحمل . [ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُن ] أي : انقضاء عدتهن بوضع الحمل .
م / وإن لم تكن حاملاً ، فإن كانت تحيض فعدتها ثلاث حيض كاملة ، لقوله تعالى (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ ) .
------------
أي : وإن كانت الزوجة غير حامل وطلقها زوجها وكانت ممن تحيض فعدتها ثلاث حيض كاملة .
لقوله تعالى ( وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ ) أي : ثلاث حيض .
[ يَتَرَبَّصْنَ ] ينتظرن ، وهو خبر بمعنى الأمر ، فدلت الآية على أن زمن العدة ثلاث حيض .
·       اختلف العلماء في المراد بالقرء ( ثلاثة قروء ) على قولين :
قيل : المراد به الطهر .
وبه قال زيد بن ثابت ، وابن عمر ، وعائشة ، والقاسم ، والزهري ، ومالك ، والشافعي .
وقيل : المراد به الحيض .
وعلى هذا القول فلا تنقضي عدتها حتى تطهر من الحيضة الثالثة .
وهذا مذهب أبي حنيفة .
واستدلوا لذلك بما جاء في الحديث عن فاطمة بنت أبي حبيش ، أن رسول الله e قال لها : ( دعي الصلاة أيام أقرائك ) ، وهذا القول هو الصحيح .

م / وإن لم تحيض – كالصغيرة ، ومن لم تحض ، والآيسة – فعدتها ثلاثة أشهر لقوله تعالى (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ ) .
----------
ذكر المصنف – رحمه الله – عدة بعض النساء وهن : الصغيرة : التي لم يأتها الحيض بعد ، أو البالغات اللائي لم يأتهن حيض بالكلية ، والآيسة : وهي من أيست من الحيض .
فهذا النوع من المعتدات عدتهن ثلاثة أشهر ، للآية التي ذكرها المصنف – رحمه الله – (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ ) ، فكل شهر مقابل حيضة .
·       وقد اختلف العلماء في سن اليأس ، فبعض العلماء يرى أنه سن الخمسين ، وبعضهم : يرى أنه يختلف باختلاف النساء ، وليس له سن معين تتفق فيه النساء ، لأن اليأس ضد الرجاء ، فإذا كانت المرأة قد يئست من الحيض لم ترج رجوعه فهي آيسة ، سواء كان لها أربعون أو خمسون أو أقل من ذلك أو أكثر ، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله .
م / فإن كانت تحيض وارتفع حيضها لرضاع أو نحوه انتظرت حتى يعود الحيض فتعتد به .
------------
أي : فإن كانت مما تحيض لكن ارتفع حيضها بسبب معلوم كرضاع أو مرض أو غيرهما ، كدواء يمنع نزول الحيض وقد تناولته ، فإنها تبقى في عدتها حتى يعود الحيض فتعتد به وإن طال الزمن ، لأنها مطلقة لم تيأس من الحيض ، فلا تزال في عدة حتى يعود الحيض ، أو تبلغ سن الإياس فتعتد عدته .
وذهب بعض العلماء إلى أنها تنتظر زوال ما رفع الحيض ، كانتهاء الرضاع ، أو الشفاء من المرض ، فإن عاد الحيض عند زوال ما رفعه اعتدت به ، وإلا اعتدت سنة ، كالتي ارتفع حيضها ولم تدر سببه ، واختار ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية ، وقال صاحب الإنصاف : وهو الصواب ، وهذا هو اللائق بيسر الإسلام وسهولته ، لأن القول الأول فيه مشقة عظيمة وحرج لا تأتي الشريعة بمثله .
م / وان ارتفع ولا تدري ما رفعه ، انتظرت تسعة أشهر احتياطاً للحمل ، ثم اعتدت بثلاثة أشهر .
------------
أي : من ارتفع حيضها ولا تدري سبب رفعه ، فتعتد سنة ، تسعة أشهر للحمل ، لأنها غالب مدة الحمل ، وثلاثة أشهر للعدة . لأنه يحتمل أن تكون حاملاً ، فتعتد تسعة أشهر لأن هذا غالب الحمل ، فإن مكثت تسعة أشهر وتبين أنها غير حامل ، فإنها تعتد ثلاثة أشهر للحيض .
وهذا القول هو الصحيح في هذه المسألة وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : يعني امرأة من ذوات الحيض عمرها ثلاثون سنة ، لم تبلغ سن اليأس ، ارتفع حيضها ، فطلقها زوجها ، وهي في هذه الحال ، فتعتد سنة ، لأن ذلك هو الذي روي عن عمر ، وقضى به الصحابة ، هذا من حيث الاستدلال بالأثر ، أما النظر فلاحتمال أنها حامل تعتد تسعة أشهر ، لأن ذلك غالب الحمل ، ولاحتمال أنها آيسة تعتد ثلاثة أشهر ، لأن عدة الآيسة والتي لم تحض ثلاثة أشهر ، فتعتد اثني عشر شهراً من فراق زوجها لها ، وهذا من باب الاحتياط .

م / وإذا ارتابت بعد انقضاء العدة لظهور أمارات الحمل لم تتزوج حتى تزول الريبة .
------------
أي : لو أن المرأة اعتدت سنة وانتهت ، وبعد السنة ظهر عندها ريبة في بطنها مما يشكك وجود حمل ، فهنا لا تتزوج حتى تزول الريبة .
وتزول الريبة : إما بظهور الحمل ، أو تيقن عدم الحمل ، إما بكلام طبيب أو نزول حيض .
م / وامرأة المفقود تنتظرُ حتى يحكمَ بموتهِ ، بحسب اجتهاد الحاكم ثم تعتد .
---------------
أي : ومن المعتدات امرأة المفقود ، وهو من خفي أمره فلم يعلم أحي هو أم ميت ؟ لسفر أو أسر ونحوهما .
وما ذكره المصنف – رحمه الله – هنا هو القول الراجح الصحيح في هذه المسألة ، وهو أنه يرجع في تقدير مدة الانتظار إلى اجتهاد الحاكم ، لعدم الدليل على التحديد ، لأنه إذا تعذر الوصول إلى اليقين ، يُرجع إلى غلبة الظن في كل مسائل الدين ، فيجتهد الحاكم في تقدير مدة الانتظار ، ويختلف ذلك باختلاف الأزمنة والبلدان والأشخاص واختلاف وسائل البحث .
وقد ذهب بعض العلماء إلى أنه إذا كان ظاهر غيبته الهلاك انتظر به أربع سنين منذ فُقِد ، وإن كان ظاهر غيبته السلامة انتظر به تمام تسعين سنة منذ ولد ، لكن هذا القول ضعيف .
وهم استدلوا بآثار وردت عن الصحابة ، لكن هذه الآثار قضايا أعيان ، وقضايا الأعيان لا تقتضي العموم .
مثال : فمن فقد وعمره ( 80 ) سنة ، فإن كان غالب سفره الهلاك انتظر أربع سنين ، وإن كان غالب سفره السلامة انتظر عشر سنوات .
·       فإذا حكم الحاكم وقضى بأنه ينتظر سنتين ، فبعد مرور السنتين نحكم بموته ، وبعد ذلك تعتد المرأة أربعة أشهر وعشراً ، وبعد  هذه العدة لها أن تتزوج .
·       فإن تزوجت امرأة المفقود :
إن تزوجت امرأة المفقود بعد خروجها من العدة ، ثم قدم زوجها الأول :
الحالة الأولى : إن كان قدومه قبل وطء الثاني فهي للأول . لماذا ؟ قالوا : لأنه لما قدم الزوج الأول تبيّن أن نكاح الثاني باطل ، لأنه نكاح امرأةٍ ذات زوج ، ونكاح المرأة ذات الزوج باطل .
الحالة الثانية : أن يكون قدومه بعد وطء الثاني، فهو يخيّر الزوج الأول ، فإن شاء استردها، وإن شاء أبقاها مع الزوج الثاني.
فإن استردها فهل يحتاج إلى تجديد عقد ؟ الجواب : لا ، لأنها زوجة له .
وإن اختار أن تبقى عند الثاني ؟ فهل يحتاج الثاني إلى تجديد عقد ؟ الجواب : لا يحتاج إلى تجديد عقد لأن هذا العقد صحيح في حكم الظاهر . وقيل : لابد من تجديد العقد ، وهذا أقيس لأنه بقدوم الأول تبين أن نكاح الثاني باطل .
واختار شيخ الإسلام ابن تيمية أن الزوج الأول له الخيار حتى لو قبل الوطء ، فإن اختار أن يأخذها فله ذلك وان اختار أن يتركها مع الثاني فله ذلك .
·       بالنسبة لبعد الوطء واختار الزوج الأول أن يأخذها ، فإنه لا يطأ حتى تعتد من الثاني .
·       وإن اختار أن تبقى مع الثاني ؟ المذهب لا يحتاج الثاني لتجديد عقد ، وقيل : لابد من تجديد العقد ، وهذا أصح .
·       بالنسبة للصداق : إذا اختار أن تبقى مع الثاني ؟ الزوج الأول يرجع للزوج الثاني، ويرجع بما أعطاها هو .
ويرجع الثاني على الزوجة عند بعض العلماء ، وقيل : لا يرجع الثاني على المرأة إلا إذا كان منها غرور بحيث لم تعلمه بأنها امرأة مفقود ، أما إذا أعلمته بأنها امرأة مفقود فلا يرجع ، لأنه دخل على بينّة وبصيرة .

Previous Post Next Post