مكيافيلي وفكرة الغاية تبرر الوسيلة:
نيقولا مكيافيلي (1469-1527م) إيطالي، كان من أبرز كتبه كتاب "الأمير" وهو عبارة عن توصيات للقادة والحكام أنكر فيه بصراحة تامة الأخلاق المعترف بصحتها فيما يختص بسلوك الحكام، فالحاكم يهلك إذا كان سلوكه متقيداً بالأخلاق الفاضلة  لذلك يجب أن يكون ماكراً مكر الذئب ضارياً ضراوة الأسد.
واستنتج أن لا يلزم الأمير أن يكون متحلياً بفضائل الأخلاق المتعارف عليها ولكن يجب عليه أن يتظاهر بأنه يتصف بها.
وتعتمد فلسفته على دراسة النجاحات البشرية في وصول الناس إلى غاياتهم ولو كانت هذه النجاحات هي من قبيل نجاحات الأشرار، فالغاية تبرر الوسائل المنافية لفضائل الأخلاق من أجل تحقيق النجاح المطلوب ومن أجل الوصول إلى الغاية المقصودة وهي الظفر بالحكم والاستئثار به, وهذه النظرية أساس النظريات المادية التي ظهرت بعد ذلك ومن أبرزها الماركسية، والتطورية الدارونية، والوضعية والتي تنكر المصدر الإلهي للدين والأخلاق وأن مكارم الأخلاق والقيم الإنسانية التي يغرسها علماء الدين في نفوس الناس من عطف وإيثار ومودة مجرد خرافة بل وتعتبر المادية العواطف الإنسانية أمراضاً اجتماعية تسللت إلى عقول الناس عن طريق تضليل رجال الدين كما يزعم "نيتشه" أحد رواد المذهب المادي.
وتدعي النظريات المادية ومنها نظرية "ميكافيلي" أن الناس لن تستقيم حياتهم ولن يحققوا التقدم العلمي والنجاح بالنسبة للولاة والحكام إلا إذا نزعوا هذه العواطف الإنسانية من أنفسهم، وأن هذه القيم مجرد دجل وخرافات تهدف إلى رعاية الغوغاء. هؤلاء الفقراء والضعفاء الذين يعوقون التطور الإنساني – كما يزعمون – وأن على الأقوياء تحقيق أهدافهم بأي طريقة كانت ولو كان ثمن ذلك القضاء على هؤلاء الضعفاء والذين يشكلون وصمة ضعف وعار في المجتمع القوي بأكمله –كما يزعمون-.
(لاقيمة في السياسة للاعترافات ولا للمعاهدات. فكل من القوة أو المصلحة تعقد المعاهدات، وكل من القوة أو المصلحة تنقضها). ولأحد المؤرخين الفرنسيين وهو ألبير سوريل نظرات صائبة في الروح السياسية التي كانت تسود أوربا في القرن الثامن عشر قال: (إن القوة هي التي كانت تسود أوربا بلا مراء. وهي التي كانت تثبت الحق أو تقضي على الحق). وقال: (الزمن والفرصة والانتفاع ومرور الزمن والقوة توجد كل الحقوق بهذا كان يفكر في أعماق نفوسهم رجال السياسة القابضون على مقدرات أوربا في أواخر القرن الثامن عشر). وكانت مصالح الدولة في نظر سياسي تلك الأيام فوق كل شيء والقوة أداة لضمان هذه المصالح. والمعاهدات قصاصات من الورق إذا لم يكن فيها فائدة للدولة وكل دولة تعمل لنفسها. وويل للشعوب الضعيفة أو الصغيرة أو التي لا حامي لها فسرعان ما تقتضى مصالح الدولة الكبيرة ابتلاعها ويكون الحق في جانب تلك الدولة ما دامت قوية. وهذه هي نفسيتها في القرن العشرين. ولم يتبدل فيها شيء سوى تفشي التمويه والتضليل والرياء فيما أسموه جمعية الأمم أو هيئة الأمم المتحدة بغية التسلط الاستعماري. وستر الأجرام التي يقترفها المستعمرون.
ولم يتورع البير سارو عن الاعتراف بالدافع الحقيقي الذي دفع أوربا إلى استعمار الشعوب الضعيفة فقال: (لنصرح بالحقيق. ولنبتعد عن تقليد البلاد التي حاولت ستر الفتح الاستعماري بحجة التمدين ولا فائدة من اختلاق الأعذار والحيل لطلاء وجه الحقيقة فالاستعمار في البدء ما كان عملاً أريد به التمدين، بل كان عملاً مستنداً على القوة أريدت به المنفعة وهو اقتتال وتسابق على الحياة. والشعوب التي تفتش عن مستعمرات في أقاصي الأرض لا تفتكر أول ما تفتكر إلا نفسها ولا تعمل إلا في سبيل تزييد قوتها ولا تفتح البلاد إلا لتغنم منها وليست فكرة التمدين هي التي تدعوها إلى الاستعمار. وقد يرافق التمدين الاستعمار لكنه لا يكون بتاتاً يبباً لفتح بلد ما من البلاد ذلك بأن التمدين كرم ومروءة وإيثار الغير على النفس على حين أن الاستعمار في أصله عمل يفرضه القوي على الضعيف. ولا يبتغى من ورائه إلا الأثرة والنفع الخاص. هذه هي الحقيقة التاريخية التي لا مراء فيها).
 وخليفة مكيافل في انجلترا فيلسوف يدعى هوبس (1588-1679) وهو صاحب نظرية تنازع البقاء. يرى أن القوة إن لم تكن روح للحق فهي على الأقل مقياس للحق. ونظرية كهذه لا تقيم وزناً لما هو عادل أو غير عادل بل تجعل القوة والحيلة أس الفضائل كما تجعل الحق تابعاً للقوة. ويرى هوبس أن الحكم يجب أن يكون مطلقاً وأن الأمير يجب أن يكون مستبداً وأن يتمثل الشعب في شخصه. والفتح في نظره له مسوغاته. ومن فتحت بلد القوة وجب على المغلوب الخضوع والاعتراف بالفتح رغماً عن أنفه وعندئذ يصبح صك التسلط والفتح مشروعاً.
ومن الذين لهم يد طولى في تثبيت فلسفة القوة الفيلسوف الألماني هيجل (1770-1831) فهو يرى أن القوة صورة الحق وأن انتصار القوة معناه انتصار الحق ويرى أن الدولة تمثل القوة وأن على الدولة استعمال القوة للدفاع عن نفسها أو للتسلط على الغير من دون عدل ولا رأفة.
ومن الذين دانوا بهذا المذهب الفوضوي الألماني المسمى مكس إسترنر (1806-1856) فهو الذي يؤثر قوله: (من حقي أن أفعل ما أستطيع فعله والحق في جانب الببر اذا ما انقض على كما أن الحق في جانبي إذا ما صرعته. فإذا ملكت القوة ملكت الحق والعكس بالعكس).
وتقوم الميكافيلية على ثلاثة أسس:
(1)      الاعتقاد بأن الإنسان شرير بطبعه وأن رغبته في الخير مصطنعة، يفتعلها لتحقيق غرض نفعي بحت، وما دامت تلك طبيعته المتأصلة فلا حجر عليه ولا لوم إذا انساق خلفها.
(2)      الفصل التام بين السياسة وبين الدين والأخلاق فللسياسة دائرة خاصة مستقلة بمعاييرها وأحكامها وسلوكها عن دائرة الدين والأخلاق، ولا وجود لرابط بينها.
(3)      إن الغاية تبرر الوسيلة وهذه هي القاعدة العملية التي وضعها مكيافيلي بديلاً عن القواعد الدينية والأخلاقية.                                                          
نقد النظرية:
1-        يُرد على هذه النظرية كما يرد على سائر النظريات المادية التي تنكر ربانية التشريع والدين والأخلاق.
2-        وقد جاء الإسلام بتشريع حقوق الراعي والرعية ووردت النصوص المتكاثرة من الكتاب والسنة التي تحذر من التفريط في حقوق الرعية وإضاعة حقوقهم ووجوب إقامة العدل، والسعي إلى تحقيق مصالحهم. قال تعالى: ]وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ[. وقال r: "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته".
وقال عليه الصلاة والسلام: " ...ما من عبد يسترعيه الله رعية فلم يحطها بنصحه لم يجد رائحة الجنة".
وأخبر النبي r أن من الثلاثة الذين لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم "ملك كذاب".
3-        من القواعد المقررة في أصول الفقه أن الوسائل تأخذ حكم المقاصد وهذا بخلاف قاعدة "مكيافيلي". أن الغاية تبرر الوسيلة.
وفي باب الرد على قاعدة أو نظرية: "الغاية تبرر الوسيلة" عند مكيافيلي فإن الإسلام قد وضع ضوابط للغايات والوسائل فمن ذلك:
‌أ)         أنه يجب أولاً أن تكون غايات الإنسان في حياته مقيدة بما أذن الله به في شريعته لعباده.
‌ب)   يجب أن يكون سعي الإنسان إلى غايته المأذون بها شرعاً ضمن الوسائل التي ليس فيها إهدار لحق أو عدل أو فضيلة أو واجب وليس فيها ارتكاب لمحرم من المحرمات الشرعية وليس فيها إسراف ولا تبذير.
وغيرها من الضوابط التي تدخل تحت مقاصد الشريعة الإسلامية في درء المفاسد وجلب المصالح.

Previous Post Next Post