.
تعريف الثقافة :
إن الثقافة عنصر مهم جداً في عملية البناء الحضاري سواء في مجال الفلسفة أم الأدب ، أم السياسة ، أم الاجتماع أم الاقتصاد. فالثقافة طاقة للإبداع في شتى مجالات النشاط الإنساني ، وتعمل على تهذيب روح الإنسان ، وصقل مواهبه ، وتوظيف طاقاته وملكاته في البناء والتعمير ولا يتأتى ذلك للثقافة إلا إذا كانت ذات جذور ثابتة ، وذات مبادئ تقوم عليها ، وذات رؤية شاملة لها قابلية للتفاعل مع الثقافات الأخرى ، وإلا إذا كانت ذات منحى إنساني تتخطى به المجال المحلي إلى الآفاق العالمية دون أن ينال ذلك من خصوصيتها ، أو يؤثر في طبيعتها . فإذا توفر للثقافة كل ذلك فإنها تصبح وسيلة للتواصل البشري ، والتحاور الإنساني مما يؤدي إلى تعايشها مع الأمم .
وهذه الشروط متوفرة في الثقافة العربية الإسلامية فهي لذلك ثقافة بناءة للإنسان والعمران والحضارة ، ثقافة متفتحة استوعبت عصارة الثقافات القديمـة ، وأعادت صوغها لأنها ثقافة متسامحة ، وقابلة للتحاور ، وبعيدة عن الانطواء
ويعرفها الإنجليزي تايلور (Taylor) اصطلاحاً بأنها " الكل المعقد الذي يضم المعرفة والمعتقدات والفن ، والأخلاق ، والقانون ، والتقاليد ، وكل الإمكانات الأخرى التي يكتسبها الإنسان كعضو في المجتمع " .(9)
ويعرفها د . عبدالله عبدالدائم " بأنها جملة السمات والملامح الخاصة التي تميز مجتمعاً معيناً في الجانب الروحي ، أو المادي، أو الفكري أو العاطفي".(10)
تعريف الثقافة الإسلامية :
يتضمن مفهوم الثقافة الإسلامية المعارف الشرعية ، والعلمية ، والفلسفية ، واللغوية ، والأدبية ، والفنية التي نشأت وتطورت في الأقطار الإسلامية ، والتي من شأنها الانفتاح على الثقافات الأخرى ، والتفاعل معها أخذاً وعطاءً.(22)
إن الدعوة الإسلامية قد انتشرت انتشاراً سريعاً في عدد من أقطار العالم ، وساعد على هذا الانتشار تلاقي شعوب مختلفة الأجناس ، واللغات والتقاليد استظلت جميعها براية الإسلام ، واطمأنت لرسالته الداعية إلى التوحيد ، والعدل ، ومكارم الأخلاق ، والتسامح ، وطلب الحكمة والمعارف التي تؤدي إلى صلاح الفرد والمجتمع . وهكذا صار الطريق ممهداً لانتقال الأفكار والتقاليد، ونمط العيش ، والسلوك في أنحاء العالم الإسلامي ، وأدى هذا في النهاية إلى نشوء ثقافة إسلامية حية ونامية . شارك في تنشيطها المسلمون ، ومن ساكنهم ، وسالمهم من غير المسلمين.(23)
وقد حاول المسلمون تبليغ رسالة الإسلام إلى كل البشر ، ولذا اعتنق الإسلام أقوام من الفرس ، والهنود ، والصينيين ، والأتراك والأفريقيين ، والأوربيين والأمريكيين ، وبذا أصبح الإسلام رسالة عالمية مبنية على أن كل الشعوب ، والقبائل البشرية تنتمي إلى أب واحد ، وأم واحدة ، " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم
كيفية مقاومة العولمة الثقافية :
1- إنه لابد من تصحيح صورة الإسلام في نظر الغرب وذلك بتفنيد المعلومات غير الصحيحة عن الإسلام ، ومحاصرة المواد الثقافية والإعلامية التي تسيئ إلى الإسلام ، وتقديم صورة مغايرة للإسلام تحل محل الصورة المشوهة عنه . ويمكن أن يتم هذا التصحيح بتوفير شبكات للمعلومات الإسلامية ، مع إنشاء مكتبات تضم المراجع والمصادر الضرورية عن الإسلام، وإقامة معارض متنوعة تجسد معالم الحضارة الإسلامية ، وتنظيم ندوات ، ومؤتمرات متخصصة لعرض وجهات النظر الإسلامية في كثير من القضايا ، والمشكلات التي تواجه العالم اليوم .
2- يجب الأخذ بوسائل العصر ، وتحديث المجتمعات الإسلامية ، وتطوير إبداعها ، مع الحرص الشديد ، والحذر من أن تبتلع شخصيتنا القومية ، ويكون ذلك بإعداد مشروع ثقافي إسلامي تشارك فيه كل الأقطار العربية والإسلامية . ومن شأن هذا المشروع أن يحقق للمسلمين القدرة على الأخذ والعطاء إذا شمل المشروع ترجمة كل العلوم والآداب التي تقوم عليها حضارة العصر إلى اللغة العربية ، مع تعريب التعليم ، والبحث العلمي ، ودعم الثقافة في المدارس ، وفي أجهزة الإعلام ، ودعم المؤسسات العلمية، والإنتاج الأدبي ، والعلمي ، والفني، يضاف إلى ذلك الاستفادة من منتديات حوار الحضارات لشرح الفكر الإسلامي ، فنكون بذلك قد قمنا بواجب الدعوة إلى الله من خلال هذه الندوات . ويلاحظ أنه على الرغم من تأثير الإعلام الغربي والأمريكي في العالم عبر الفضائيات ، والأفلام ، والمجلات، والإنترنت فإن الدعوة إلى الإسلام ، وإلى الأخلاق الإسلامية لا تزال تكتسب أنصاراً جديدين في كل مكان في العالم ، وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية .
3- ضرورة قيام حركة تأصيلية نشيطة ، وإنعاش قيم التفوق الثقافي ، والفكري ، والحضاري التي عند المسلمين كالشورى ، والعدل ، وحقوق الإنسان بدلاً من القيم الغربية العلمانية .
4- إن العالم الإسلامي يعيش اليوم في وعي ظاهر ، وغليان شديد ، ورفض لمزيد من الضعف والضياع ، ولابد له من أن يتجه نحو التكامل الاقتصادي حتى يحقق له سوقاً واسعة لمنتجاته، ويضمن لنفسه الكفاية الذاتية التي لا يحتاج معها إلى الاعتماد على دول أجنبية ، ولا يتعرض معها إلى الضغط الأجنبي الاقتصادي والسياسي ، خاصة إذا علمنا أن إمكانات العالم الإسلامي البشرية والطبيعية والصناعية ، والاستراتيجية هي الأقدر على تحقيق الكفاية الذاتية .
5- مطلوب من العالم الإسلامي العمل على امتلاك كل الوسائل العصرية ، وتقديم الإسلام كبديل حضاري لكل البشرية .
6- إن مصير الحضارة الغربية إما أن تتغير ، وإما أن يدمرها الله كما دمرت حضارات كثيرة كانت ملء السمع والبصر ، بعد أن تمردت على الله وعلى سننه ، وعصت أمره . وتحمل الحضارة الغربية اليوم عوامل هدمها ، ومظاهر أفولها ، من ذلك:
أ) عدم اعترافها بالله ، وكفرها به ، والتمرد على سلطانه .
ب) الظلم والعدوان والتحرش بالمستضعفين .
ج) البعد عن سبيل الله ، وكراهية الإسلام ، والتسلط عليه .
وقد تنبأ بانهيار الحضارة الغربية كثير من فلاسفة الغرب منهم من تقدم ذكره ، ومنهم الفيلسوف الألماني (أسبنجلر أزوالد)(45) في كتابه (تدهور الحضارة الغربية ) ، كما تنبأ بانهيارها المفكر والفيلسوف الفرنسي روجي جارودي(46) في كتابه (وعود الإسلام )
(9) د . محمود الخالدي ، الأصول الفكرية للثقافة الإسلامية ، ج1 ، ط1 ، دار الفكر للنشر والتوزيع ، عمان ، 1983م، ص 46 .
(10) د . عزمي طه السيد وآخرون ، الثقافة الإسلامية : مفهومها ، مصادرها ، خصائصها ، ط2 ، 1997م ، دار المناهج ، الأردن ، ص 28 .
(22) محمد العربي الخطابي ، مجلة (الإسلام اليوم) ، مقال بعنوان : الثقافة الإسلامية ، ميزاتها وسبل تنميتها ، العدد (12) ، السنة 1994م ، ص 17 .
(23) المرجع نفسه ، ص 20 .
(45) لم أعثر على ترجمته .
(46) روجيه جارودي ، مفكر وكاتب فرنسي ، ولد سنة 1913م ، كان كاثوليكياً ثم أسلم سنة 1982م ، له عدد من المؤلفات ، انظر مقدمة كتاب رجاء جارودي (حضارة الإسلام ) ، بقلم أمينة الصاوي ، دار مصر للطباعة ، مكتبة مصر، 1984م ، ص 1 .