(الاشتراكية الشيوعية)
الاشتراكية ثلاثة أنواع:
النوع الأول:
الاشتراكية القومية وهي التي دعا إليها موسوليني وهلتر،  وحاصلها أن يعتبر الشعب كله عمالاً والحكومة هي التي تتصرف في جميع الأموال فتعين لكل عامل عمله وأجره ولا يجوز لأحد أن يرفض ما عينته له الحكومة وليس إلا حزب واحد وعلى الشعب أن ينتخب حكومته من ذلك الحزب، فهو الوصي على الشعب الذي ينظر في مصالحه في سلمه وحربه، وغاية الحزب والحكومة أن يكون شعبه فوق جميع الشعوب غنى وقوة وسعادة ولكل فرد من أفراد الشعب الحق في الحصول على عمل وأجر يكفل معيشته وله الحق أن يدخر ويملك ما قدر عليه من الممتلكات المنقولة وغيرها بشرط أن يؤدي الضرائب المفروضة، والملاك يقولون إن تلك الضرائب ثقيلة وكثيرة حتى إنه لا يبقى لهم بعد أخذها إلا قليل يعيشون به ويدعون إن حال العامل أفضل من حالهم وأن الحكومة تحصى عليهم كل شيء. هذا مبلغ علمي فيما رأيته وسمعته ولكني لم أسمع قط بوجود رشوة.
أما المناصب العالية فهي خاصة للمنتسبين إلى الحزب، وهذا النظام لم يعمر طويلاً حتى يعلم صلاحه أو فساده ولما جر على أهله حرباً طاحنة أحرقت الأخضر واليابس فإن جمهور الشعب الألماني مقت هذا النظام ورفضه ولا يريد العودة إليه، ومن المؤسف أن بعض البلدان العربية اختارته وتمسكت به وعضت عليه بالنواجذ ودانت به مع أن أهله تبرأوا منه. هذا مع ما لهم من العلم والخبرة والتعاون والنجدة وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر ولو شاء لهداكم أجمعين.
ص -11-   النوع الثاني:
الاشتراكية الديمقراطية، كالتي عليها حزب العمال البريطاني الحاكم وأحزاب أخرى في فرنسا وإيطاليا وألمانيا وغيرها، وهذا النوع من الاشتراكية ليس فيه استبداد ولا خنق لحريات الشعوب وإنما يبنى على الدعاية ولا يمنع الملك الفردي لكنه يوجب أن تكون المصالح العامة كالمعادن والمناجم وسكك الحديد وما أشبه ذلك ملكاً للحكومة التي تمثل الشعب، فهذه الموارد يجب أن تكون ملكاً لعموم الشعب لا يستبد باستغلالها فرد ولا جماعة؛ لأن ذلك يفضي إلى احتكار بعض الأفراد أو الجماعات مقداراً كبيراً من الأموال والممتلكات على حساب أبناء جنسهم، وبذلك تنقسم الأمة إلى أغنياء طاغين قد تفاحش غناهم وتجاوز الحدود، وفقراء مدقعين قد تفاحش فقرهم فهم في غاية الذلة والاستكانة لا رأي لهم ولا كرامة موطوئين بالأقدام عبيداً أرقاء ليس لهم إلا السمع والطاعة وذلك ظلم وحيف في نظر الاشتراكية الديمقراطية، ولا تمنع هذه الاشتراكية وجود أحزاب مخالفة لها؛ لأنها كما قلنا لا تنشر مبادئها بالقهر والجبر بل بالدعاية والإقناع وتقدس حرية الرأي والكلام والعقيدة والعمل والتنقل.
ولما كان هذا النوع من الاشتراكية يبيح الملك إلا ما تقدم استثناؤه خاف من تفاحش الغنى وتعاظم الثروة ففرض ضرائب تصاعدية على قدر الدخل والمحاصيل حتى لا تتسع المسافة بين الأغنياء والفقراء وهذه الاشتراكية لا تتعرض للدين ولا تتدخل في عقائد الناس وأقطابها متدينون معظمون لرجال الكنائس متفقون معهم وهم حاربون نظام رأس المال ويتهمون المتبعين له بأنهم كاذبون في ما يزعمونه من الدعوة إلى الحرية والديمقراطية لأنه متى لم تقيد الثروة بالقيود التي تقدم ذكرها طغى الأغنياء على الفقراء {كَلاَّ إِنَّ الإِنْسَانَ لَيَطْغَى, أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} فالرجل الذي يملك معامل أو مزارع أو متاجر تحتاج إلى آلاف العمال لا بد أن يفرض إرادته على أولئك العمال فلا يستطيعوا أن ينتخبوا غيره إذا رشح نفسه ليكون نائباً في مجلس النواب أو يكون عيناً في مجلس الأعيان، وهذا يتنافى مع تحقيق الحرية وإقامة العدل والمساواة التي يزعم

ص -12-   أصحاب رؤوس الأموال أنهم أنصارها، أما أنصار عقيدة رأس المال فلهم حجج يدفعون بها عن أنفسهم منها الحكومة تستنكر الاحتكار على أفراد الشعب وجماعاته وتحرمه عليهم وتحله لنفسها، ومنها أن الاستيلاء على المصالح العامة يعطل حركة التنافس بين الأفراد والجماعات فيضعف النشاط ويقل الحماس ونتيجة ذلك قلة المحاصيل وفرق كبير بين من يشتغل لنفسه ويشتغل في ما يعود عليه بالنفع والخير العميم وبين عامل يعمل في مصلحة حكومية لا يهمه ربحها أو خسارتها وإنما يهمه الراتب الذي يحصله في نهاية الأسبوع أو في نهاية الشهر، هذا مع اتفاق الفريقين على حرية الرأي والعقيدة وسائر الحريات ولذلك نراهم متعايشين في شعب واحد متعاونين على ما يرون فيه الخير لأمتهم وإن اختلفت وسائلهم، وقد مضى على هذا النوع من الاشتراكية زمان طويل في بلدان مختلفة وظهر أنه صالح للبقاء عندهم.
النوع الثالث من الاشتراكية:
النوع الثالث من الاشتراكية التي يزعم أهلها أنها مقدمة للشيوعية، وتسمى (البولشفية) وهذا النوع يبنى على سلب جميع الممتلكات وجميع الحريات والمعتقدات ويجعل الإنسان آلة صماء يحركها الرؤساء فتتحرك ويقفونها فتقف، ويأمرونها أن تنطق فتنطق بما يشتهون وأن تسكت فتسكت، وأن تمدح فلانا فتقدسه في أول النهار، ثم يأمرونها أن تلعنه في آخر النهار ، فتأتمر ولا تفكر فالاشتراكي المخلص عندهم هو الذي يكون كالعقل الالكتروني وليس مقصودي بهذا الكلام أن أشتمهم، ولكني أريد بيان الحقيقة كما هي في نظري، وقد دخلت برلين الشرقية وبقيت فيها أياماً وأنا أذكر ما شاهدته وخبرته وتحققته.
فأما سلب الأموال والممتلكات فإنه لا يجوز لأحد أن يملك أرضاً ولا داراً ولا سيارة ولا متجراً ولا يملك إلا ثيابه التي على ظهره وإلا أجرة عمله بشرط أن لا يدخرها لو كان فيها متسع للادخار.
ودونك مثلا يعينك على تصور هذه الحقيقة، رأيت في برلين الغربية سنة 1954م بتاريخ النصارى قبل بناء سور برلين عجوزاً تسكن في غريفة حقيرة

ص -13-   من الفندق الذي كنت فيه نازلاً فأخبرتني صاحبة الفندق أن تلك العجوز قبل الحرب كانت لها ثروة طائلة فلما انتهت الحرب بخسران ألمانيا أراضيها الشرقية استولى الشيوعيون على أملاكها كلها، ولم يبقوا لها منها شيئاً لا قليلاً ولا كثيراً، وبقي لها جزء قليل من بيت في برلين الغربية وقد أعطاها الشيوعيون غرفة في بيت من برلين الشرقية وجعلوا لها أجرة لسد الرمق وفرضوا عليها أن تشتغل في كنس الشوارع فهي تشتغل مدة طويلة إلى أن يجتمع لها من كراء ذلك الجزء الضئيل الذي تملكه من ذلك البيت في برلين الغربية مقدار من المال فتنتقل إلى برلين الغربية وتستأجر غريفة رخيصة الثمن وتنفق مما اجتمع لها حتى ينقضي ثم ترجع إلى الجحيم.
أما بعد بناء السور الذي هو عكس ما قال الله تعالى: {بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ} فلا أدري ما فعل الله بتلك المسكينة وأمثالها من الأغنياء الذين قلب لهم الزمان ظهر المجن فأصبحوا بؤساء بين عشية وضحاها بسبب الاحتلال الروسي وفرض الحكم الشيوعي على ذلك الشعب المنكوب، ودونك مثلا آخر حدثنا شهود عيان أن أهل بيت من الأغنياء (ولا أقول أسرة ولا عائلة) من ألمانيا الشرقية لما دهمهم الاحتلال الروسي أمروا بإحضار طعام الضيافة للفاتحين الغزاة فأمروا خدمهم بذبح المواشي وطهي الطعام وتوجهوا إلى الغابة وعلقوا فيها حبالاً وقتلوا أنفسهم خنقاً لأنهم يعلمون أن الضيوف الثقلاء بعد أكلهم وشربهم الخمور يسلبونهم كل شيء حتى الخواتم التي في أصابعهم ويطردونهم من ديارهم ومزارعهم ويفرضون على كل من سلبوا أرضه أو داره أن يكون بعيداً من الأرض المسلوبة أو الدار المغصوبة والمعمل مسافة لا تقل عن ثلاثين كيلو مترا، ومتى وجد في مكان يقرب من ممتلكاته السابقة أقل من ثلاثين كيلو متراً يعاقب عقاباً شديداً.
ودونك مثالا ثالثاً، من المعلوم أن الشعب الجرماني الذي يسمونه بالألماني من أرقى شعوب أوربة مدنية وحضارة لا يمتري في ذلك اثنان، ولا ينتطح فيه عنزان، وقد انقسمت هذه البلاد الجرمانية وهذا هو الاسم الذي سمتها به العرب في عام تخطيط البلدان

ص -14-   بعد الحرب العالمية الأخيرة قسمين: غربي وشرقي، فالقسم الغربي مع ما أصابه من النكبات في زمان الحرب الطحون رجع أحسن مما كان يشهد بذلك كل مسافر وسائح رأى تلك البلاد فالمباني التي تهدم ثمانون منها في المائة بفعل قنابل الأعداء أعيدت أحسن مما كانت عليه، وكذلك المعامل والمزارع والطرق، هذا في القسم الغرب .
أما القسم الشرقي فإنه خراب كأنه انتقل من يد دولة متمدنة إلى دولة همجية، سافرنا بالسيارة من المغرب فعبرنا المضيق من سبتة إلى الجزيرة، وعبرنا أسبانيا ففرنسة فالقسم الغربي من ألمانيا وكان الطريق من كلونيا إلى هنوفر التي هي على حدود ألمانيا الشرقية من أحسن طرق أوربا مقسوماً قسمين بينهما حاجز وكل منهما تسير فيه أربع سيارات ولا تحتاج السيارة إلى توقف لأن السيارات التي تعبر الطريق عرضاً لها ممرات إما تحت الأرض وإما فوق الجسور وقد تعجب في ذلك سائق سيارتي تبرعا وهو الأخ الحاج أحمد هارون، فقال لي: أريد أن  أجرب هل اضطر إلى نقص سرعة السيارة أم لا أضطر فبقي ساعتين بمقياس واحد لم يضطر إلى أن ينقص شيئاً منه وأسماء الأماكن وعلامات الطرق المختلفة والأضواء التي تقوم مقام شرطة المرور كل ذلك في غاية الإتقان بحيث قلما يحتاج المسافر إلى أن يسأل عن شيء أو يضل طريقه هذا في القسم الغربي.
أما في القسم الشرقي فالأمر بعكس ذلك الطريق مهمل لم يصلح منذ سنين كأنه صحراء وليس فيه علامات ولا أضواء فتجد السائحين ضائعين يسأل بعضهم بعضاً ولا هادي ولا مرشد.
والشعب الذي يسكن القسمين شعب واحد لا يختلف إلا في نظام الحكم، وهناك مثل آخر وهو برلين الغربية، وبرلين الشرقية، من المعلوم أن مدينة برلين مدينة واحدة كانت عاصمة جرمانية كلها قبل الحرب، وبعد هزيمة الجرمانيين في الحرب العالمية الأخيرة أصبحت برلين جزيرة في بحر ألمانيا الشرقية تحيط بها أراضي ألمانيا الشرقية من جانب، فاقتسمه الغالبون فأخذ الأمريكيون والبريطانيون والفرنسيون القسم الغربي منها

ص -15-   وحكموه مدة ثم سلموه إلى حكومة ألمانيا الاتحادية، أما القسم الشرقي فبقي تابعاً لحكومة ألمانيا الشرقية تحت نفوذ الروسيين، وكل من زار قسمي برلين الشرقي والغربي لا يكاد ينقضي عجبه، يرى القسم الغربي وسكانه ثلاثة ملايين يعيشون في أرغد عيش في غاية الرفاهية والازدهار فترى المخازن والمتاجر ملأى بأنواع التحف والبضائع والمطاعم والمشارب والحدائق والملاعب والشوارع غاصة بأجمل السيارات والمباني التي تهدمت كلها في زمان الحرب قد أعيد بناؤها حتى صارت أجمل مما كانت وترى السكان يرفلون في أفخر الثياب والزي، أما إذا أردت أن تدخل إلى برلين الشرقية فإنك تجيء إلى مدخل السور وتسلم جواز سفرك وتعطي بطاقة صغيرة وتقف مع صفوف الواقفين حتى يجيء دورك فتنزل إلى سرداب تحت الأرض وتنتظر حتى تمتحن في أربعة مكاتب بأسئلة وأجوبة والمكتب الرابع بعد ما يعرف مقدار ما عندك من النقود ويسجلها يرد لك الجواز، فتدخل في القسم الشرقي وتجده يبابا خراباً كأن خيلا أغارت عليه ونهبته، وأبدلت سعده نحساً ونضرته كآبة وسعادته شقاء، فلا مباني تعجبك ولا أسواق ولا مطاعم ولا سيارات جميلة ولالا بضائع في المخازن والناس في ثياب حقيرة والنساء لابسات ثياباً خسيسة، فكأنك خرجت من عالم إلى عالم ، فإن قلت: وما الموجب لبناء السور؟ فالجواب أن الشيوعيين أو الاشتراكيين كما يجبون أن يدعوا يزعمون أنهم وحدهم يعيشون في النعيم في الحرية والديمقراطية والعالم كله يعيش في شقاء العبودية تحت نظام رأس المال الطاغي أو الاستبداد الظالم ولكن رعاياهم لا تصدق هذا الزعم، ولذلك لم يزالوا يفرون من ذلك الفردوس المزعوم إلى برلين الغربية فتنقلهم الطائرات إلى برلين الغربية حيث يستنشقون نسيم الحرية ويشعرون بأنهم أحرار يسيرون في أرض الله الواسعة حيث يشاءون فلما عجزت حكومة ألمانيا الشرقية تحت المراقبة الروسية أن تقنعهم بما تزعم من الدعاوى أرادت أن تضرب سوراً على ذلك الفردوس وتنصب عليه الأسلاك الشائكة والرشاشات والحرس المسلح ليلا ونهاراً حتى لا يفر واحد من فردوس الشيوعية ونعيمها إلى

ص -16-   عذاب نظام رأس المال وجحيمه، ومع ذلك كله لم تنقطع الهجرة والفرار وقد هرب من ألمانيا الشرقية إلى ألمانيا الغربية بواسطة برلين الغربية منذ نهاية الحرب أكثر من أربعة ملايين وحتى بعد بناء السور لا يزال الناس يهربون ويتركون بيوتهم وأمتعتهم ويفرون بأنفسهم مؤثرين الحرية على كل شيء سواها من متاع الدنيا، وحوادث هذا الفرار لا تزال تتلى صباح مساء في الإذاعات على مسامع القراء وما أحسن المثل العامي الذي يقول: (حتى كلب ما هرب من دار العرس) معناه بالفصحى: (لا كلب يفر من الدار التي تصنع فيها وليمة العرس بل بالعكس كل كلب يحب أن يأتيها لينال من فضلات الطعام) ومن أغرب ما سمعته من إذاعة لندن في هذا الصدد أن خمسة وعشرين شخصاً اتفقوا على أن يحفروا نفقاً يبتدئون من دار أحدهم وكانت داره بقرب السور فقضوا مدة في الحفر كل ليلة يحفرون ساعات ويقومون بأعمالهم المفروضة عيهم في النهار حتى وصلوا النفق إلى مبنى في القسم الغربي ولما انتهى النفق خرجوا كلهم ذات ليلة وتركوا الدار تنعي من بناها، وهناك حوادث كثيرة طريفة وعجيبة يعرفها من يتتبع مثل هذه الأخبار.
وأما سلب الحريات فيجب على كل عضو في الحزب أن يكفر بجميع الأديان وأن يؤمن بعصمة شارل ماركس في كل ما شرعه واعتقده ولينين، وكان ستالين ثالث ثلاثة إلى أن خلعه نائبه وشريكه في كل ما ارتكبه خروتشوف بعد وفاته فبطلت قدسيته عند بعض الشيوعيين وبقيت ثابتة عند بعضهم،  أما من لم يكن من المشتركين في الحزب فيجوز له أن يقول إنه مسلم أو نصراني بشرط أن لا يرد شيئاً ولا ينتقد شيئاً من نظام شارل ماركس ولا من الأنظمة التي يضعها الحزب الشيوعي ومع ذلك يكون محتقراً موضع سخرية واستهزاء.
أما في السياسة فلا يجوز له أن يعتقد إلا سياسة الحزب وإن تناقضت يتناقض معها فكل الزعماء الذين رفضهم الحزب يجب على جميع الناس أن يقلبوا لهم ظهر المجن ويذموهم بعدما مدحوهم أعظم المدح كتروتسكي ومالينوف ومولوتوف وخروشوف. وأما ستالين فقد تقدم خبر رفعهم له

ص -17-   إلى درجة التقديس ثم خفضهم له إلى درجة الإجرام.
وأما حرية العمل فهي معدومة، فيجب على كل إنسان ذكراً كان أو أنثى أن يقبل العمل الذي تفرضه عليه الحكومة في المكان الذي تعينه له بالأجر الذي تعينه له والساعات التي تعينها له ولا يجوز له أن ينتقد شيئاً من ذلك، وإلا صار متهماً بالخيانة واستحق العقاب الشديد على قدر انتقاده وكذلك حرية التنقل والسفر إلى الخارج لا يجوز لأحد أن يفكر فيه وقد شاهدت في برلين الشرقية الصبيان في سن أربع عشرة سنة يوبخون والديهم ويتهمونهم بالرجعية وعدم الإخلاص للحزب والجمود على الأفكار السخيفة والآباء والأمهات يخافونهم، والواجب على كل ملك ورئيس من رؤساء المسلمين أن يحفظ شعبه من هذه المذاهب التي تجلب الشقاء والشر ويجب أن تسمىسل بحق الشعوب إذا كان غلاة الشيوعيين وكلهم غلاة يسمون الدين أفيون الشعوب فنحن نسمي نحلتهم سل الشعوب ولسنا من المؤثرين المحتكرين حتى نتهم بأننا نعارضهم محافظة على أموالنا ولكن النصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم أوجب علينا أن ننصح لجميع الشعوب وخصوصاً المسلمين أن يبتعدوا من جميع أنواع الاشتراكية اسماً وعقيدة وعملاً، ففي ما جاء به كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم غنية لهم وكفاية، ومن لم يسعه ما وسع السلف الصالح فلا وسع الله عليه:
ومن لم يسعه ما أتى عن محمد   فلا وسع الرحمن يوماً على الغر
أما التسمية فقد قال الله تعالى: {هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} آخر سورة المؤمنين.
وأما العقيدة والعمل فقد تقدم أن الإسلام سبق إلى كل خير وتجنب عن كل شر وكل ما يدعونه من المواساة وابتغاء العدالة بين أفراد الشعب ظهر أنه غير صحيح، فقد أخبرني السيد أحمد موسلر المسلم الألماني في بيته ببرلين الغربية، قال: كنا نعيب على حكومة هلتر أنها تدعي الاشتراكية لتحقيق المساواة بين أفراد الشعب ومع ذلك كان طعام الضباط يختلف عن طعام الجنود

ص -18-   فكان للضباط مطبخ فيه ألوان من الطعام ولعامة الجنود مطبخ آخر فيه ألوان دونها في الجودة فلما انهزم الجيش الألماني وقعت في أسر الروسيين فأخذوني إلى موسكو وبقيت هنالك سنتين فرأيت للجيش الروسي خمسة مطابخ بعضها أعلى من بعض يعني أن الطعام عندهم خمس درجات الدرجة العليا لكبار الضباط والثانية للمتوسطين والثالثة للصغار والرابعة للعرفاء والخامسة لعامة الجند، قال: فعلمت أن كلا الفريقين في دعواه الاشتراكيون القوميون والاشتراكيون الشيوعيون كلهم مخادعون، وصدق الله العظيم إذ يقول في سورة البقرة: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ, إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ, وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلاّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} .

Previous Post Next Post