دور الحكومة الداعم للتنافسية
يمكن تلمس البدايات لدور الحكومة الداعم للتنافسية فى سياق الهيكل الجديد
لنظريات التجارة الخارجية، وخاصة فيما عرف باسم نظرية التجارة الاستراتيجية، والتى
فى إطارها تتدخل الحكومة لتشجيع الأنشطة على توليد وفورات ( خارجيات ) إيجابية
Positive Externalities ، وكذلك  تعمل على تحويل الأرباح من الاقتصادات الأجنبية
 إلى الاقتصاد المحلى، وذلك من خلال تقديم إعانات تنافسية  Subsidies Competitive
لدعم البحث والتطوير فى الصناعة والحد من دخول المنشات الأجنبية إلى  
الأسواق المحلية وإتاحة فرص التعلم للمنشات المحلية.
ويمكن أيضا مشاهدة الدور الحكومى الداعم للتنافسية من خلال العمل الرائد الذى قام به
مايكل بورتر عن المزايا التنافسية للأمم، ففى محاولته لصياغة نظرية ديناميكية قادرة على
تفسير نجاح الدول فى المنافسة العالمية، استحدث منهجا متكاملا تضمن العديد من المحددات
التى تفسر الميزة التنافسية للصناعات، هذه المحددات تكون إما معوقة أو محفزة للنجاح فى
المنافسة العالمية، وجزء منها يتعلق بالخصائص الداخلية للدولة ويمكن التحكم فيه، والجزء
الآخر يقع خارج بيئة الدولة ويصعب التحكم فيه .
هذا وقد استعرض بورتر ستة محددات تفسر عملية تحقيق وتعزيز الميزة التنافسية،
قسمها إلى الآتى :
- 1 محددات رئيسية وتضم المحددات الأربعة التالية : شروط وخصائص عناصر
الإنتاج، أوضاع الطلب وخصائصه، دور الصناعات المغذية والمكملة، المنافسة
المحلية وأهداف المنشات .
-2 محددات مساعدة ومكملة تتمثل فى المحددان التاليان : دور الصدفة أو الحظ،
ودور الحكومة وسياساتها المختلفة. [1]
والخاصية الهامة لمحددات الميزة التنافسية هى أنها تعمل كنظام ديناميكى متكامل من خلاله
تتفاعل وتتشابك كل المحددات مع بعضها البعض، فكل محدد يؤثر على ويتأثر بالمحددات
الأخرى، وكلما استوفيت جميع هذه المحددات وجاءت مواتية كلما تمكنت الدولة من تحقيق
ميزة تنافسية ديناميكية ومطردة، ونجحت فى المنافسة العالمية لصناعاتها وأجزائها الهامة .
وعندما تكون هذه المحددات غير مدعمة ومحفزة لاستمرارية الميزة التنافسية للصناعات
فقد تؤدى إلى تآكلها وتدهورها، فعلى سبيل المثال فان الميزة التنافسية فى صناعة ما قد
تتدهور عندما تفشل الحكومة فى خلق وتنمية عناصر الإنتاج بالمعدلات المرغوب فيها
سواء تمثل ذلك فى تدهور المهارات المتخصصة للموارد البشرية، أو عدم الاهتمام بمراكز
البحث العلمى والتكنولوجى والمؤسسات التعليمية مقارنة بالدول الأخرى، وهكذا بالنسبة
لباقى المحددات .
وعند تناوله لمحدد دور الحكومة أوضح بورتر أن دور الحكومة الهام يتأتى من خلال
تأثيره على طريقة عمل المحددات الأربعة الأساسية للميزة  التنافسية،

فعلى سبيل المثال نجد أن دور الحكومة قد يظهر فى التأثير على شروط عناصر الإنتاج من
خلال الإعانات والسياسات تجاه أسواق راس المال والسياسة التعليمية، أو من خلال التأثير
على شروط الطلب المحلى من خلال حجم المشتريات الحكومية والتغير فيها، أو من خلال
قوانين حماية المستهلكين .
كذلك فان الحكومة قد تؤثر على خصائص الصناعات المغذية والمكملة من خلال دعم هذه
الصناعات ووضع المواصفات القياسية لمنتجاتها، أيضا فان الحكومة من خلال سياساتها
وتشريعاتها تؤثر على استراتيجيات المنشآت ودرجة التنافس بينهما سواء من خلال أدواتها
متمثلة فى تشريعات أسواق راس المال والسياسة الضريبية وقوانين الاحتكار، أو من خلال
التأثير على سياسة سعر الصرف وإدارة سوقه .
وجدير بالذكر أن دور الحكومة وسياساتها يمثل عاملا مساعدا فى التأثير على محددات
الميزة التنافسية ولكن هذا الدور قد يخلق آثار إيجابية أو سلبية.
هذا وتسير الميزة التنافسية وفقا لمراحل متعددة، من خلالها تتحول المصادر الأساسية
للميزة التنافسية من مصادر متواضعة إلى مصادر أكثر تميزا وفى اتجاه الصناعات مرتفعة
الإنتاجية، وكل مرحلة من هذه المراحل تتضمن صناعات وأجزاء لصناعات معينة
واستراتيجيات متفاوتة للمنشأة وكذلك سياسات حكومية مختلفة عن المراحل الأخرى
للتطور التنافسى .
وقد شرح بورتر أربع مراحل للتطور التنافسى القومى، وهى : مرحلة سيطرة عناصر
الإنتاج، ثم مرحلة سيطرة الاستثمار، ومرحلة سيطرة الابتكار، وأخيرا مرحلة سيطرة
الثروة، وخلال المراحل الثلاثة الأولى تتحقق الميزة التنافسية للصناعات، وترتبط هذه
المراحل الثلاثة بالازدهار الاقتصادى للدول، أما المرحلة الأخيرة فتتدهور فيها الميزة
التنافسية للصناعات المختلفة وأجزائها داخل الدولة :


ومن خلال هذه المراحل نجد أن هناك دور واضح للحكومة ينعكس على مصادر الميزة
التنافسية، ولكنه يتغير من مرحلة إلى أخرى، حيث يتدرج من التدخل السافر المباشر إلى
تدخل غير مباشر بأدوات جديدة . ففى المرحلة الأولى تقوم الحكومة بتوجيه رأس المال إلى
صناعات معينة وتقدم الحماية المؤقتة لتشجيع دخول المنافسين الجدد إلى السوق، وتقدم
الكثير من المساعدات للحصول على التكنولوجيا الأجنبية، وتقوم بتشجيع التصدير، أما فى
المراحل التالية لا يكون التدخل الحكومى مباشر من خلال تخصيص راس المال والحماية
أو الرقابة على التراخيص أو دعم التصدير وباقى الأشكال التدخلية المباشرة، بل تتدخل
الحكومة بشكل غير مباشر بهدف تحفيز آلية خلق عناصر الإنتاج الأكثر تقدما وتخصصا،
وتحسين نوعية الطلب المحلى، وتشجيع تكوين الداخلين الجدد والمنشآت الجديدة ،وإزكاء
روح التنافس النشط بين المنشات .

[1]  Porter, M.( 1990) : “ The Competitive Advantage of Nations “ , New York , The
Free Press.

Previous Post Next Post