الإطار المفاهيمى للتنافسية
من الصعب تتبع الأصول التاريخية لظهور مفهوم اقتصادى معين، خاصة إذا كان يتمتع
بالحداثة ولا يخضع لنظرية عامة تفسره مثل مفهوم التنافسية، ولكن من خلال القراءة
المتأنية للأدبيات الاقتصادية التى تناولت موضوع " التنافسية " تبين أن هذا المفهوم ارتبط
بأمرين :
الأمر الأول : أن ظهور مفهوم التنافسية الدولية والاهتمام به على المستوى القومي تصاحب
مع تفجر قضية العجز الكبير فى الميزان التجاري للولايات المتحدة الأمريكية خلال الفترة
من 1981 – 1987 وزيادة المديونية لها خاصة مع اليابان.[1]
الأمر الثانى : حيث ظهر الاهتمام مجددا بهذا المفهوم وبدرجة مكثفة في بداية التسعينات
من القرن العشرين كإفراز طبيعي لما أطلق عليه بالنظام الاقتصادي العالمي الجديد،
وخاصة بعد انهيار الكتلة الشيوعية متمثلة فى الاتحاد السوفيتى سابقا، وظهور سمات
وتداعيات عديدة له، والتى كان من أبرزها ظهور ما سمي بظاهرة " العولمة "
GLOBALIZATION والتأكيد مرة أخرى على التوجه نحو الاعتماد على اقتصاديات وقوى
السوق.[2]
والوصول إلى تعريف منضبط ودقيق للتنافسية الدولية يواجه بالعديد من الصعوبات،
فالمفهوم يتداخل ويتشابك مع مفاهيم أخرى مثل النمو والتنمية الاقتصادية وازدهار الدول،
إلى جانب أن هذا المفهوم ديناميكى يتغير ويتطور باستمرار .
ففى السبعينات من القرن العشرين ارتبط هذا المفهوم بجوانب التجارة الخارجية ، وخلال
الثمانينات ارتبط بالسياسة الصناعية ، وفى التسعينات ارتبط بالسياسة التكنولوجية ، أما
الآن فيشير هذا المفهوم إلى قدرة الدول على رفع مستويات معيشة أفرادها ، ولعل هذا ما
حدا بمنظمة التنمية والتعاون الاقتصادى OECD إلى الإشارة بأنه هناك حاجة ماسة إلى
تعريف ومفهوم واضح للتنافسية. [3]
وإزاء هذه الصعوبات تم تقسيم تعاريف التنافسية المعمول بها والشائعة إلى الفئات الثلاثة التالية :
الفئة الأولى : تأخذ فى الاعتبار أوضاع التجارة الخارجية للدول فقط .
الفئة الثانية : تشتمل على جانبى التجارة الخارجية ومستويات المعيشة .
الفئة الثالثة : تتضمن جانب مستويات المعيشة فقط .

أولا : تعاريف التنافسية المستندة إلى أوضاع التجارة الخارجية للدول :

طبقا لهذه الفئة من التعاريف يتم ربط مفهوم التنافسية بأوضاع الميزان التجارى للدولة،
حيث يدل الفائض فيه على قوة تنافسية للدولة، ووجود العجز يعنى تدهور فى تنافسية
الدولة، وقد استخدم هذا التعريف لتفسير تدهور تنافسية الولايات المتحدة الامريكية فى
الثمانينات من القرن العشرين ،مقارنة باليابان .
ولكن البعض يرى أنه لا يمكن تعميم تعريف التنافسية استنادا إلى وضع الميزان التجارى
فى جميع الحالات، حيث أن الفائض فى الميزان التجارى قد يشير فى بعض الأحيان إلى
تدهور تنافسية الدولة، وعلى العكس فان وجود العجز فى الميزان التجارى يعنى علامة قوة
للاقتصاد، فمن الممكن بلوغ مستويات معيشة مرتفعة من خلال وجود عجز تجارى متنامى
)حالة الولايات المتحدة فى الثمانينات ( والعكس أيضا قد يحدث، فالميزان التجارى قد
يتوازن فى نفس الوقت الذى تنخفض فيه مستويات المعيشة للدولة ) حالة المملكة المتحدة
بعد الحرب العالمية الثانية، والولايات المتحدة فى التسعينات).

ثانيا : تعاريف التنافسية المستندة إلى أوضاع التجارة الخارجية ومستويات المعيشة :

يشير مفهوم التنافسية وفقا لهذه الفئة، إلى تحقيق الدولة لتوازن فى ميزانها التجارى،
بالإضافة إلى قدرتها على تحسين مستويات المعيشة لأفرادها، والعديد من التعاريف جاءت
ضمن هذه الفئة، منها ما يلى :
تعريف التنافسية من قبل المجلس الأمريكى للسياسة التنافسية .
" قدرة الدولة على إنتاج سلع وخدمات تنافس فى الأسواق العالمية وفى نفس الوقت تحقق
مستويات معيشة مطردة فى الأجل الطويل. [4]

تعريف التنافسية، طبقا لمنظمة التنمية والتعاون الاقتصادى ( OECD )
" المدى الذى من خلاله تنتج الدولة وفى ظل شروط السوق الحرة والعادلة، منتجات
وخدمات تنافس فى الأسواق العالمية، وفى نفس الوقت يتم تحقيق زيادة الدخل الحقيقى
لأفرادها فى الأجل الطويل. [5]
ولكن بعض الاقتصاديين انتقد مفهوم التنافسية المستندة إلى شرط النجاح فى الأسواق
العالمية ، ففى مقالته الشهيرة " التنافسية : الفكرة الخطيرة " حيث هاجم الاقتصادى
الأمريكى بول آروجمان هذا المفهوم. [6]
حيث يقرر أن مفهوم التنافسية ظهر لتغطية صعوبات اقتصادية هى فى الأصل صعوبات
" محلية " المنشأ ، وان تشخيص المشكلة الاقتصادية نتيجة للفشل فى المنافسة فى الأسواق
العالمية هو تشخيص خاطئ ومضلل، وان القول بان الازدهار الاقتصادى للدولة يتحدد
بشكل كبير بواسطة النجاح فى الأسواق العالمية هو فرضية خاطئة، فالعنصر المهم والحاسم
لحل المشكلة الاقتصادية يكمن فى تنشيط العوامل الداخلية المحلية للدولة، وخاصة فيما
يتعلق برفع معدلات الإنتاجية .

ثالثا : تعريف التنافسية وفقا لمستويات المعيشة فقط :

فى محاولات مستمرة لإيجاد تعريف واضح للتنافسية، ظهر تعريف جديد للتنافسية يستند
على مدى تحقيق الدولة لمستويات معيشة مرتفعة، وذلك على النحو التالى :
" قدرة الدولة على تحقيق مستويات معيشة متزايدة ومطردة من خلال تحقيق معدلات
مرتفعة من النمو الاقتصادى مقاسا بمعدل نمو نصيب الفرد من الناتج المحلى
الإجمالى". [7]
وعليه نجد أن التنافسية مفهوم مُعقد ومتعدد، وذلك لتعدد أوجه هذه الظاهرة . لذا فإنه من
الضروري ضبط تعريف التنافسية ، لأنه مع كل تعريف هناك سياسات معينة تدعمه
وتسانده .

هذا وتتعدد التقارير العالمية التى تناولت قياس التنافسية من خلال العديد من المؤشرات التى
تغطى عدد آبير من دول العالم، من هذه التقارير ما يلى:

-1 تقرير المعهد الدولي لتنمية الإدارة (IMD) فى سويسرا، والذي يصدر الكتاب
السنوي عن التنافسية فى العالم (WCY) ويتضمن هذا التقرير ترتيب لدول
العالم، وفقاً لعدد من المؤشرات تندرج تحت ثمانية عوامل للتنافسية هي : الاقتصاد
المحلي 30) مؤشراً ) ، العولمة (45) ، الحكومة (48) ، المالية (27) ، البنية
التحتية (32) ، الإدارة (36) ، العلوم والتقانة (26) ، البشر (44) ،
ويشمل التقريرعدداً من الدول النامية بالإضافة إلى دول منظمة التعاون
الاقتصادي والتنمية، وقد بلغ عدد الدول التى يشملها تقرير عام 200 1 ، 49
دولة، ليس من بينها أي دولة عربية .
-2 تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي (WEF) حيث يقوم باصدار تقرير التنافسية
العالمية (GCR) ويستند إلى عدد آبير من المؤشرات موزعة على ثمانية
عوامل : الانفتاح، الحكومة، المالية، البنية التحتية، التقانة، الإدارة، العمل،
المؤسسات، والذي يشتمل على 59 دولة، منها دولتين عربيتين فقط هما الأردن
ومصر.
-3 مؤشرات البنك الدولي (WB) والذى يعد مؤشرات عن التنافسية للعديد من
الدول، ينشرها على شبكة الإنترنت، وتتضمن 64 مؤشرا، تغطى عدداً من
البلدان العربية هي الجزائر، مصر، الأردن، الكويت، موريتانيا، المغرب، عمان،
السعودية، تونس، الإمارات، اليمن.[8]
-4 مؤشرات صندوق النقد الدولى (IMF) والذى ينشر عدد محدود من المؤشرات
مثل : أسعار الصرف الحقيقية المستندة إلى مؤشرات أسعار المستهلك، قيمة وحدة
التصدير للسل ع ال مصنعة، السعر النسبي للسلع المتداولة وغير المتداولة، تكل فة
وحدة العمل فى الصناعة التحويلية .
وعلى الرغم من أثر  التقارير العالمية التى تتضمن العديد من المؤشرات لقياس التنافسية،
إلا أنها يعاب عليها ، أنها لا تضم الكثير من الدول النامية، إلى جانب أن أساليب ترجيح
المؤشرات قد يشوبه بعض التحيز، خاصة بالنسبة للمؤشرات المستقاة من بيانات قوائم
الاستبيان والمتضمنة أراء المديرين التنفيذين فى أداء الاقتصاد .

[1] - Hatsopoulos, George n., et .al,( 1990):“ U. S. Competitiveness : Beyond the
Trade Deficit “. in King, Philip( editor), International Economics and
International Economic Policy : a Reader, Macgraw – Hill , Singapora, 1990
[2] -  عبد الرحمن ، ابراهيم حلمي : " التنافسية في ظل العولمة " ، مجلة المدير العربي ، العدد 138 ، ابريل
[3] -    OECD, (1997) ,“ Industrial Competitiveness Benchmarking Business
Environments in the Global Economy “ , OECD , Paris
[4]  World Economic Forum,( 1996), “ The Global Competitiveness Report “,
WEF, Geneva.

[5]   OECD, (1996): “ Industrial Competitiveness “, OECD, France
[6]   -   Krugman, Paul , ( 1994) “ Competitiveness : A Dangerous Obsession “,
Foreign Affairs , March/ April , Vol. 73 , No. 2.

[7]  World Economic Forum,( 1996), Op. Cit , p. 8.
[8]  وديع ، محمد عدنان " مؤشرات التنافسية وسياساتها في البلدان العربية " ، المعهد العربي للتخطيط ، 2001
Previous Post Next Post