الضوابط المميزة للعقود الإدارية في مصـر:
إن القانون رقم 112 لسنة 1946 الخاص بإنشاء مجلس الدولة لم يورد أي اختصاص للقضاء الإداري فيما يتعلق بالمنازعات الناشئة عن العقود الإدارية، ثم صدر القانون رقم 9 لسنة 1949 بتنظيم مجلس الدولة والذي قضى باختصاص القضاء الإداري بالفصل في المنازعات المتصلة بعقود إدارية ثلاث حددها على سبيل الحصر وتتمثل في عقود الالتزام وعقود الأشغال العامة وعقود التوريد، ثم صدر القانون رقم 165 لسنة 1955 بإعادة تنظيم مجلس الدولة ليحل محل القانون السابق حيث نص على اختصاص القضاء الإداري بنظر جميع المنازعات المتعلقة بكافة العقود الإدارية التي تكتسب هذه الصفة الإدارية لخصائص تميزها عن غيرها من العقود الأخرى التي تبرمها الإدارة، وتبعه في ذلك قانون مجلس الدولة رقم 55 لسنة 1959 وهو ما سار عليه أيضا قانون مجلس الدولة الحالي رقم 47 لسنة 1972، وعليه فقد اعتمدت مصر معيار مستقل ووحيد لتمييز العقود الإدارية عن سائر عقود الإدارة الأخرى هو المعيار القضائي الذي سبق وأن أرسى دعائمه مجلس الدولة الفرنسي وتواترت أحكام القضاء الإداري المصري على الأخذ به[1].

فعرّفت المحكمة الإدارية العليا العقد الإداري بأنه: " العقد الذي يبرمه شخص معنوي من أشخاص القانون العام بقصد إدارة مرفق أو بمناسبة تسييره، وأن تظهر نيته في الأخذ بأسلوب القانون العام، وذلك بتضمن العقد شرطاً أو شروطاً غير مألوفة في عقود القانون الخاص" ، كما حددّت المحكمة في حكم سابق معيار مميز للعقد الإداري بأنه: " يعدّ إدارياً إذا كان أحد طرفيه شخصاً معنوياً ومتصلاً بمرفق عام، ومتضمناً لشروط غير مألوفة في نطاق القانون الخاص، فإذا تضمن عقداً هذه الشروط مجتمعة كان عقداً إدارياً يختص به القضاء الإداري بحسب ولايته"[2].

وقد أكّدت ذلك المحكمة الدستورية العليا حيث ذهبت في حكمها إلى أن العقد الإداري هو: " الذي يكون أحد طرفيه شخصاً معنوياً عاماً يتعاقد بوصفه سلطة عامة، ويتصل بنشاط مرفق عام بقصد تسييره أو تنظيمه، وأن يتسم هذا العقد بالطابع المميز للعقود الإدارية، وهو انتهاج اسلوب القانون العام، وفيما يتضمنه من شروط استثنائية بالنسبة لروابط القانون الخاص"  [3]

حيث يتضح من هذه الأحكام أن أركان العقد الإداري تتمثل في الآتي:
1-          وجود الإدارة طرفاً في العقد، أي أن يكون أحد أطراف العقد ممثلاً في الأشخاص العامة المعنوية، مع استمرار الشخص المعنوي الذي أبرم العقد محتفظاً بشخصيته المعنوية العامة، بحيث إذا فقدها أثناء تنفيذ العقد الإداري بتحوله إلى أشخاص القانون الخاص تحول العقد الإداري إلى عقد مدني تسري بشأنه أحكام القانون الخاص، وينتقل الاختصاص بنظر منازعاته للقضاء العادي, ومن ناحية أخرى فإنه لا يكفي لقيام العقد الإداري أن تكون الإدارة طرفاً فيه بل يجب أن تبرمه بوصفها سلطة عامة أي بتمتعها حال إبرامها له بحقوق وامتيازات يفتقد إليها من يتعاقد معها، وتطبيقاً لذلك قضت المحكمة الإدارية العليا بأن تعاقد وزارة الأوقاف مع مقاول مباني بصفتها ناظرة للوقف، أي كشخص من أشخاص القانون الخاص وليست كسلطة عامة لا يسبغ على العقد الصفة الإدارية"[4].

2-     اتصال العقد بنشاط مرفق عام، وهو مشروع تنشئه الدولة أو تشرف على إدارته ويعمل بانتظام واستمرار، وتستعين في إنشائه وتسييره بسلطان الإدارة لتزويد الجمهور بالحاجات العامة، وليس كل عقد يتصل بنشاط مرفق عام يعدّ عقداً إدارياً حيث ينطبق هذا الوصف على العقود المتصلة بنشاط المرافق العامة التقليدية سواء كانت إدارية أو مهنية دون تلك المتصلة بنشاط المرافق لعامة الاقتصادية والتي لا تعدو أن تكون عقود مدنية تخضع للقانون الخاص وهو ما يتفق مع الطبيعة التجارية لتلك المرافق وما تسير عليه من أسس في ممارستها لنشاطها[5].

3-     اتباع الإدارة لأساليب القانون العام في التعاقد، أي أن يتضمن العقد شروطاً استثنائية غير مألوفة في عقود القانون الخاص، فيما يتعلق بمبدأ المساواة والتوازن بين طرفي العقد حيث تمنح الإدارة امتيازات بشأنهما غير مألوفة في مجال التعاقدات المدنية التي يعامل أطرافها على قدم المساواة، كإعطاء الإدارة لنفسها الحق في توقيع جزاءات على المتعاقد معها، تعديل شروط العقد كأصل عام، وإنهاء التعاقد دون الرجوع إلى طرفه الآخر، ويكفي أن ينطوي العقد على شرط استثنائي واحد[6].

ولا يقوم العقد الإداري بتخلف أياً من أركانه، فهي تعد شروط تكاملية، يحث يؤدي تضافرها معاً إلى قيام العقد الإداري، والأصل أن ولاية محاكم مجلس الدولة فيما يتعلق بالعقود الإدارية تكون ولاية قضاء كامل، واستثناءً من ذلك تخضع هذه العقود لقضاء الإلغاء فيما يتعلق بالقرارات الإدارية المنفصلة عنها، ويرجع السبب في ذلك لتناسب القضاء الكامل مع طبيعة هذه المنازعات لارتباطها بالحقوق المكتسبة للأفراد والمتولدة عن العقد الإداري، فضلاً عن افتقاد تلك المنازعات لمحل دعوى الإلغاء المتمثل في القرار الإداري وهو القرار الصادر عن إرادة الإدارة المنفردة[7]. 

وقد أكّدت المحكمة الإدارية العليا ذلك حيث قضت بأنه: " إذا فقد العقد الإداري لأي من الشروط التي يتحقق بتوافرها مناط العقد الإداري، فإن ذلك يؤدي إلى تحوله إلى عقد من عقود القانون الخاص"[8].

[1] خليفة الجهمي، توزيع الاختصاص بين القضاء الإداري، والقضاء العادي في مجال منازعات العقود الإدارية.
[2] أعاد علي حمود، المرجع السابق، ص 495، 496.
[3] المحكمة الدستورية العليا، ، القضية رقم 110 لسنة 12 ق، جلسة 5/1/1991.
[4] عبدالعزيز عبدالمنعم خليفة، الموسوعة الإدارية الشاملة، (الكتاب الأول)، مرجع سابق، ص664-666.
[5] عبدالعزيز عبدالمنعم خليفة، الموسوعة الإدارية الشاملة، (الكتاب الأول)، مرجع سابق، ص666-667
[6] عبدالعزيز عبدالمنعم خليفة، الموسوعة الإدارية الشاملة، (الكتاب الأول)، مرجع سابق، ص668.
[7] عبدالعزيز عبدالمنعم خليفة، الموسوعة الإدارية الشاملة في الدعاوى والمرافعات الإدارية (الكتاب الثاني)، أصول إجراءات التقاضي والإثبات في الدعاوى الإدارية، منشأة المعارف، الطبعة2012، ص35-37
[8] عبدالعزيز عبدالمنعم خليفة، الموسوعة الإدارية الشاملة، (الكتاب الأول)، مرجع سابق، ص664.

Previous Post Next Post