شروط التنفيذ في النظام
تمهيد
إن الأحكام التي تقبل التنفيذ الجبري هي :
1- الأحكام الموضوعية وبعض الأحكام الوقتية , وتُستبعد الأحكام المتعلقة بالإجراءات والأحكام المتعلقة بالإثبات .
2-  وهي التي تتضمن منفعةً لخصمٍ في مواجهة الخصم الآخر .
3- وهي التي تتطلب للحصول على هذه المنفعة استعمال القوة الجبرية فتُستبعد الأحكام التي يُعتبر صدورها ـ في ذاته ـ بمثابة وفاء لالتزام المدين  ,  أو محققاً لكل ما قصده المدعي من دعواه ([1]) , كتطليق المرأة من زوجها الغائب .
                وتشترط النظم الوضعية للتنفيذ الجبري عدة شروط , وتتنوع هذه الشروط تبعاً لأربعة اعتبارات :
الاعتبار الأول : السند الذي يجوز التنفيذ بمقتضاه .
الاعتبار الثاني : الحق الذي يجري التنفيذ وفاءً له .
الاعتبار الثالث : المال الذي يجوز التنفيذ عليه .
الاعتبار الرابع : مقدمات التنفيذ ([2]) .
        ومن أجل ذلك فقد قسمت هذا الباب إلى أربعة فصول بيانها فيما يأتي :

الفصل الأول
الاعتبار الأول
السند الذي يجوز التنفيذ بمقتضاه
        يتفق نظام المرافعات السعودي مع بقية النظم الوضعية على اشتراط وجود السند التنفيذي حتى يصح التنفيذ .
        كما تكاد تتفق هذه النظم على أن السند التنفيذي له عدة أنواع فهو يشمل الأحكام , والأوامر , والمحررات الموثقة , ومحاضر الصلح التي تصدَّق عليها المحاكم أو مجالس الصلح , والأوراق الأخرى التي تعطيها النظم قوة التنفيذ .
        انـظـر : ( المــادتــيــن 50 , 55 تنظيم سعودي ) , و ( المادة 196 مرافعات سعودي ) , و ( المادتين 571 , 582 تـجـاريـة سعودي ) , و ( المادتين 20 , 21 تحكيم سعودي ) , و ( المادة 225 إجراءات إماراتي ) , و ( المادة 244 معدلة مرافعات بحريني ) , و ( المادة 362 مرافعات قطري ) , و ( المادة 190 مرافعات كويتي ) , و ( المادة 280 مرافعات مصري ) . فتشترط هذه النظم أن يكون للسند قوةٌ تنفيذية حتى يمكن التنفيذ بموجبه , ولا يلزم أن يكون هذا السند حكماً .
وبيان أنواع هذه السندات فيما يلي :
1- أحكام المحاكم: إن الأحكام القضائية هي أهم السندات التنفيذية ؛ فهي تؤكد الحق الموضوعي على نحو لا تفعله أي من السندات الأخرى .
2- أحكام المُحكَّمين : يلتزم أطراف النزاع بناءً على عقد التحكيم بالحكم الصادر من المحكَّمين . إلا أن هذا الحكم لا يتمتع بالقوة التنفيذية إلا بصدور أمر قضائي بتنفيذه .
        فالسند التنفيذي هنا مُركَّبٌ من حكم المحكَّمين الذي يحتوى جميع عناصره الإلزامية , ومن الأمر القضائي بالتنفيذ الذي يعطي الحكم قوته التنفيذية .
3- الأوامـر : هـي مـا يصدره القضاة من قرارات بناء على طلب خصمٍ دون سماع أقوال الآخر وفي غيبته , أي بغير طريق الخصومة القضائية .
ولها عدة صور منها :
أ-  الأوامر على العرائض : كتقرير نفقة وقتية من أموال التركة , والإذن بالحجز التحفظي .
ب-  أوامر الأداء : تصدر هذه الأوامر للإلزام بقضاء الحقوق الثابتة بالكتابة , متى كانت حالَّة الأداء , سواءً كان الحق مبلغاً من النقود مُعيَّن المقدار , أو كان منقولاً معيَّناً بذاته أو بنوعه ومقداره .
ج-  أوامر التقدير : كتقدير مصاريف الدعوى , و تقدير أتعاب الخبراء ومصروفاتهم .
4 - المحرَّرات الموثَّقة : إن الأوراق المتضمنة لتصرفات نظامية ويتم تحريرها أمام مكاتب التوثيق التابعة لوزارة العدل تُعدُّ سنداً تنفيذياً عند بعض النظم .
        وينبغي التنبيه هنا إلى أن ( المادة 96 قضاء سعودي ) قد جعلت للأوراق الصادرة من كتابة العدل قوة الإثبات فقط دون قوة التنفيذ .
5 - محاضر الصلح القضائي : إذا قامت خصومة أمام القضاء ثم اتفق الخصوم على صلح معين في أية حالة تكون عليها الدعوى فإنه يتم إثبات ذلك في محضر الجلسة ، ويتم توقيعه من الخصوم أو وكلائهم ، ويُعدُّ هذا المحضر سنداً تنفيذياً بمجرد توقيع الكاتب والقاضي عليه .
6 -  الأوراق الأخرى المعتبرة سنداتٍ تنفيذيةً ([3]) : تعترف معظم نظم المرافعات بالقوة التنفيذية لبعض المحاضر ، وأهم هذه المحاضر ما يلي :
أ - محضر بيع المنقولات المحجوزة : حيث يلتزم من رسا عليه المزاد بدفع الثمن فوراً ، وإلا وجب على مندوب التنفيذ إعادة المزايدة على ذمته بأيِّ ثمن كان . انظر ( المادة 229 مرافعـات سعودي ) .
ب - محضر التسوية الوُدِّية لتوزيع حصيلة التنفيذ: ولم تتم الإشارة إلى هذا المحضر في نظام المرافعات السعودي .

موقف الشريعة الإسلامية من اشتراط وجود السند التنفيذي :
      الأصل في الشريعة الإسلامية عدم التنفيذ إلا بوجود سندٍ تنفيذي , إلا أن الفقهاء أجازوا التنفيذ في حالاتٍ معينةٍ ولو لم يكن السند التنفيذي موجوداً , وذلك فيما يسمى مسألة الظفر .([4])
موقف الشريعة الإسلامية من التنفيذ بموجب السندات المذكورة :
1 -  أحكام المحاكم : يتفق الفقهاء على وجوب تنفيذ الأحكام القضائية متى كانت مستوفيةً لشروط إصدارها ([5]) . وبهذا تكون النظم الوضعية متفقةً مع الشريعة الإسلامية في ذلك .
2 - أحكام المحكَّمين : يتفق الفقهاء أيضاً على وجوب تنفيذ أحكام المحكَّمين إذا توفَّرت الشروط المطلوبة لإصدارها ، والتي من أهمها كون المحكَّم أهلاً لولاية القضاء ([6]) . فالنظم الوضعية متفقةٌ في مسألة تنفيذ أحكام المحكَّمين مع الشريعة الإسـلامية .
3 - الأوامر : بالنسبة لأوامر الأداء حيث أنها تُعدُّ في حقيقتها من باب الحكم على الغائب دون توفُّر الشروط اللازمة للحكم عليه عند الفقهاء ؛ فإنـي أرى عدم اعتبارها سنداً تنفيذيـاً .
        أما بالنسبة للأوامر على العرائض وأوامر التقدير فإن الضرورة تدعو إليها لذا فإنه يلزم الـتـنفيذ بموجبها فيما أرى وهذا يتفق في مجمله مع نظام المرافعات السعودي مع شيء من التفصيل .
4 - المحرَّرات الموثقة : أرى أن هذه المحررات لها قوة الإثبات  فقط دون قوة التنفيذ ؛ لأنه ربما يستدعي تنفيذها نظراً قضائياً ، كأن تكون الوصية لوارث لم يعلم الموثق بأنه أحد الورثة أو لم يكن حين توثيق الوصية وارثاً .
       فنظام القضاء السعودي يتفق مع هذا الرأي بينما تخالفه بقية النظم الوضعية .
5 - محاضر الصلح القضائي : حيث أن الصلح الذي يتم بين الخصوم في مجلس القضاء ويُحرَّر محضر بموجبه دون أن يكوِّن القاضي رأياً فيه قد يكون مشتملاً على بعض المخالفات الشرعية ؛ فإنـي أرى عدم اعتبار هذا المحضر سنداً تنفيذياً . أما إذا درسه القاضي وأثبت صحته فإن هذا الصلح يصبح حينئذٍ واجب التنفيذ، ولا يلزم أن يصرح القاضي بلفظ الحكم ؛ لأن الصلح عقدٌ ملزمٌ لطرفي الخصومة تأسيساً على أن حقوق الآدميين مبنيَّةٌ على المُشاحَّة ، ويستوي في ذلك أن يصدر بشكل صكٍّ كما في النظام السعودي أو أن  يصدر بشكل محضرٍ كما في بقية النظم الوضعية ، ولكن بشرط أن يكوِّن القاضي رأياً في موضوع الصلح ويثبت صحته .
6 -  الأوراق الأخرى المعتبرة سندات تنفيذيةً :
أ  - محضر بيع المنقولات المحجوزة :
        أرى اعتبار هذا المحضر سنداً تنفيذياً وهذا يتفق مع نظام المرافعات السعودي .
ب - محضر التسوية الوُديِّة لتوزيع حصيلة التنفيذ :
        أرى أنه إذا تم اتفاق ذوي الشأن على توزيع حصيلة التنفيذ بتسوية وُدِّيةٍ دون سبق نزاع بينهم على ذلك ، فإن القاضي يقوم بإثبات هذا الاتفاق بعد التأكد من صحته،  ثم يصدر بذلك صكاً ؛ ويكون لهذا الإثبات قوة التنفيـذ .
        وهذا الرأي يتفق مع نظام المرافعات السعودي ولكنه يخالف ما ذهبت إليه بقية النظم الوضعية التي لا تلزم القاضي بالتأكُّد من صحة هذا الاتفاق .





الفصل الثاني
الاعتبار الثاني
الحق الذي يجري التنفيذ وفاءً له
تشترط معظم النظم الوضعية أن يكون الحق المطلوب تنفيذه مُحقَّقَ الوجود ، ومُعيَّن المقدار ، وحـالَّ الأداء ( المـادة 567 تجـارية سعـودي ) و ( المادة 225 إجراءات إماراتـي ) و ( المادة 362 مـرافعات قـطـري ) و ( المادة 190 مرافعات كويتي ) و ( المادة 280 مرافعات مصري ) . وبيان هذه الشروط فيما يلي :
أولاً- أن يكون الحق مُحقَّقَ الوجود .
        ولا يعني هذا أن يكون الحق خالياً من النـزاع ؛ إذ أن المدين ينازع عادةً في الدين عند التنفيذ ، وإنما المقصود أن يؤكِّد السند التنفيذي وجود الحق الموضوعي. ولا يتم ذلك إلا بما يأتـي :
1 - أن يردَ الحقُ في سندٍ تنفيذي .
2 - أن يؤكد السند ذاته وجود الحق بصفة قطعية جازمة ، فلا يجعل وجوده مسألةً احتماليةً محل شكٍ أو جهالة .
3 - أن يعين السند ذاته أشخاص الحق ومحلَّه ( أي لابُد أن يحدد أطراف الخصومة ومحلَّها من عين أو دين أو غير ذلك ) .
ثانياً - أن يكون الحق مُعيَّن المقدار ، ويلزم أن يكون الحق مُعيَّن النوع أيضاً . فلو كان الخلاف على سيارات - مثلاً - فلا بُد من تحديد عددها ونوعها ومواصفاتها وأرقام هياكلها أو لوحاتها .
ثالثاً - أن يكون الحق حالَّ الأداء ؛ لأن الحق الذي يؤكِّده السند حقٌّ جزائي قابل للتنفيذ الجبري ، وإذا كان الدين لم يحلّ أجله بعدُ فإنه لا يجوز للدائن المطالبة به ، وبالتالي يمتنع عليه من باب أولى إجبار المدين على تسديده ([7]) .

موقف الشريعة الإسلامية من الشروط الواجب توافرها في الحق الذي يجري التنفيذ وفاءً له :
        إن النظم الوضعية تتفق مع الشريعة الإسلامية في اشتراط هذه الشروط، فقد قال فقهاء المســلــمين بضــرورة أن تُرفع الدعوى بتعبيراتٍ جازمة وقاطعة ليس فيها تردد ، فلا تصح الدعوى بنحو : أشكُّ أن لي على فلان مبلغ كذا ، أو أظن أنه غصب مني سيارتـي  ([8])  .  
كــمــا اشترطوا تحرير الدعوى ، أي أن يكون المدعى به مُعيَّناً معلوماً واضحاً لا غموض فيه ولا اشتباه ([9]) .
        وكــذلــك اشترطوا أن يكون الحق قد حلّ أجله إن كان مؤجلاً وذلك حتى تصحّ المطالبة به ؛ لأن الأجل يسقط بانتهاء مدته ، ويلزم حينئذٍ ردُّ الحق إلى صاحبه ([10]) .

(1) التعليق على نصوص قانون المرافعات -أحمد أبو الوفا 2/1041 ، 1042 .
(2) انظر : قواعد تنفيذ الأحكام -رمزي سيف ص 12 وما بعدها ، 136 وما بعدها ، وطرق التنفيذ والتحفظ - عبد الحميد أبو هيف ص 22 ، 82 ، 99 ، 164 ، والتنفيذ الجبري - فتحي والي ص 35 ، 119 ، 165 ، 215 ، ونظام التنفيذ - عبد الباسط جميعي ص 61 ، 166 ، 343 .
(1) انظر في تفصيل هذه الأوراق : النظرية العامة للتنفيذ القضائي - وجدي راغب ص 155 ، 156، وقواعد تنفيذ الأحكام - رمزي سيف ص  85-87 ، ونظام التنفيذ -عبد الباسط جميعي ص 335 – 341 ، وقواعد التنفيذ القضائي - محمود هاشم ص 225 وما بعدها .
([4]) انظر : تهذيب الفروق 4/123 , ومنح الجليل 4/321 , والوجيز في فقه مذهب الإمام الشافعي 2/260 , وتحفة المحتاج 10/287 , 288 , وغني المحتاج 4/461 , 462 , وحاشية الباجوري 2/356 , وكاشف القناع 6/357 , وغاية المنتهى 3/440 . وانظر في تفصيل ذلك حضور الخصوم وغيابهم ـــ فؤاد الماجد 1/71 وما بعدها .
(3) انظر : البحر الرائق 7/8 ، والفتاوى الهندية 3/340 ، 341 ، والشرح الكبير وحاشية الدسوقي عليه 4/137 ، 159 ، وتبصرة الحكام - ابن فرحون 1/82 ، ومغني المحتاج 4/390 ، ونهاية المحتاج 8/253 ، وكشاف القناع 6/321 ، 359 ، ومطالب أولي النهى 6/535 0
(4) انظر : البحر الرائق 7/24 وما بعدها ، والفتاوى الهندية 3/397 وما بعدها ، وتبصرة الحكام - ابن فرحون 1/62-64 ، والشرح الكبير وحاشية الدسوقي عليه 4/135-137 ، ونهاية المحتاج 8/242،243 ، ومغني المحتاج 4/372 ، 379  ، ومطالب أولي النهى 6/471 ، 472 ، وكشاف القناع 6/ 308  ، 309 .
(1) انظر : النظرية العامة للتنفيذ القضائي - وجدي راغب ص 59 وما بعدها ، والتنفيذ الجبري - فتحي والي ص 119 وما بعدها ، وقواعد التنفيذ القضائي - محمود هاشم ص 76 وما بعدها ، والتنفيذ الجبري - أمينة النمر ص 159 وما بعدها ، وقواعد تنفيذ الأحكام - رمزي سيف ص  88 وما بعدها ، وإجراءات التنفيذ -أحمد أبو الوفا ص 223 وما بعدها. 
(2) انظر : الأصول القضائية -قراعة ص 15 ، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير 4/144 . =
= ويستثنى من هــذا الشرط الدعاوى الجنائية  فإنها تجوز بالألفاظ المترددة . فإذا قال : اتهم فلاناً بسرقة عشرة آلاف ريالٍ . - مثلاً - فإن دعواه تسمع ؛ لأن دعوى الاتهام تقوم أساساً على الشك والظن . انظر : حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 4/144 .
(1) انظر : بدائع الصنائع 6/222 ، وحاشية الشلبي على تبيين الحقائق 4/292 ، وتهذيب الفروق 4/114 ، 117، وحاشية الدسوقي 4/144 ، والمهذب 2/311 ، والمغني -ابن قدامة 9/184 ، ومنتهى الإرادات 2/592 ، ونيل المآرب بشرح دليل الطالب 2/143 ، وكشاف القناع 6/277 .
(2) انظر : فتح القدير -الكمال 7/279 ، والاختيار لتعليل المختار 2/224 ، وبدائع الصنائع 6/218 ، وشرح الخرشي 4/289 ، وبداية المجتهد 2/334 ، والمجموع شرح المهذب 13/269 ، ومغني المحتاج 2/207 ، 267 ، والمغني والشرح الكبير 4/503 ، 5/99 ، 210 ، وشرح منتهى الإرادات 2/276 ، وكشاف القناع 4/66 .
Previous Post Next Post