تعريف التنفيذ في النظام
المقصود بتنفيذ الأحكام في النظام إجبار المحكوم عليه على القيام بما أُلزم به عينياً أو القيام به على نفقته ـ كـالإلزام بتسليم عين معينة أو إقامة بناءٍ ونحوه ـــ( ويسمى التنفيذ المباشر ) , أو الحجز على أمواله العقارية والمنقولة ونزع ملكيتها وبيعها جبراً عنه لاستيفاء حق الدائن من قيمتها ( ويسمى التنفيذ غير المباشر ) .
حكم التنفيذ
يتفق نظام المرافعات السعودي مع ما قرره عامة فقهاء الشريعة الإسلامية من وجوب تنفيذ الحكم سواءً كان حضورياً أو غيابياً متى توفرت الشروط اللازمة لذلك . انظر ( المادة 196 مرافعات سعودي ) . ([1])
ويتطلب الاعتراف بالقوة التنفيذية الجبرية للحكم أن تتوافر شروط معينة في طبيعته وفي وصفه الإجرائي . وهي تعكس الشروط العامة في مضمون السند التنفيذي وبيان ذلك فيما يلي :
أولاً :- يجب أن يكون الحكم موجوداً نظاماً :
فإذا كان الحكم معدوماً ؛ لصدوره من غير قاضٍ أو في مواجهة خصم توفي قبل رفع الدعوى , أو كان مزوَّراً , أو صدر بطريق الغش في غفلةٍ من الخصم , لا تكون له أية قوةٍ تنفيذية .
ثانياً :- يجب أن يكون حكم إلزام :
فالحـكـم الـتـقـريري البحت ([2]) والحكم المنشئ البحت ([3]) ([4]) لا يصلحان لأن يكونا سنداً تنفيذياً ؛ وذلك لأن حكم الإلزام وحده هو الذي يكون محله أداءً جزائياً قابلاً للتنفيذ الجبري . وصورته هي الحكم بإلزام المحكوم عليه بدفع مبلغ من النقود , أو بإلزامه بإخلاء عقار , أو تسليم منقول معين بالذات أو بإقامة بناءٍ أو هدمه ([5]) .
ثالثاً :- لا بد أن يكون الحكم حائزاً لقوة الشيء المحكوم فيه ([6]) : وذلك حتى تتوافر للحقوق الثابتة
به درجةٌ من الاستقرار ([7]) .
فلا يصدر أمر بتنفيذ الحكم بالقوة الجبرية إلا إذا كان قد اكتسب الصفة القطعية ما عدا الأحكام المشمولة بالنفاذ المعجل ([8]) وسيأتي ـــ إن شاء الله ـــ تفصيل الحديث عنها فيما بعد:
والأحكام التي اكتسبت الصفة القطعية هي :
أ- الأحكام الصادرة أو المصدقة من محكمة التمييز .
ب-الأحكام التي فات آخر ميعاد للاعتراض عليها .
ج- الأحكام التي قنع بها المحكوم عليه ما لم يكن المحكوم عليه ناظر وقف أو وصياً أو ولياً أو مأمور بيت مال أو ممثل جهة حكومية ونحوه أو كان المحكوم عليه غائباً ([9]) .
د- الأحكام المستثناة في الدعاوى اليسيرة بموجب قرار مجلس القضاء الأعلى . ([10])
وبعد اكتساب الحكم الصفة القطعية لا بد من تذييله بالصيغة التنفيذية من قبل مصدره أو خلفه لكي يكون هذا الحكم قابلاً للتنفيذ من الجهات التنفيذية أي يكون بعد ذلك سنداً تنفيذياً فلو صدق الحكم ولم يذيل بالصيغة التنفيذية وجب رد المستدعى وإفهامه بوجوب تذيل الحكم بالصيغة التنفيذية . ([11])
ولكن لابد من الإشارة هنا إلى أنه إذا تبلغ المدعى عليه لشخصه ـــ أو وكيله الشرعي في القضية نفسها ـــ بموعد الجلسة , أو أودع هو أو كفيله مذكرة بدفاعه للمحكمة قبل الجلسة , فيعد الحكم في حقه حضورياً , سواء أكان غيابه قبل قفل باب المرافعة , أم بعده . ([12])
أما بالنسبة لبقية النظم الوضعية فيذكر شُرَّاح النظم أن الحكم الحائز لقوة الشيء المقضي هو الحكم الذي لا يجوز الطعن فيه بطريق من طرق الطعن العادية وهي المعارضة والاستئناف ؛ لأن قابلية الحكم للطعن فيه بهذه الطرق دليل ضعفه ودليل عدم استقرار الحق الذي قُضي به لاحتمال إلغاء الحكم بعد الطعن فيه .
أما قابلية الحكم للطعن فيه بطرق الطعن غير العادية وهي : التماس إعادة النظر والنقض فلا يمنع من تنفيذه ، بل إنه لو تم فعلاً الطعن فيه بطريق من هذه الطرق فإنه لا يوقِف تنفيذه . فالطعن بطريق النقض في حكمٍ لا يمنع المحكوم له من الشروع في التنفيذ إن لم يكن قد شرع فيه ، كما لا يمنع من الاستمرار في التنفيذ إن كان قد ابتدأ فيه قبل رفع الطعن ؛ وحكمة هذه القاعدة منع المحكوم عليه بحكم حائز لقوة الشيء المحكوم فيه من أن يتخذ من طرق الطعن غير العادية وسائل للمماطلة والتسويف .
وإنما يمنع من تنفيذ هذا الحكم ويلغي ما يكون قد تم من التنفيذ الحكمُ فعلاً بإلغائها من المحكمة التي يطعن فيه أمامها بطريق من طرق الطعن غير العادية ([13]) .
ومن الضروري التنبيه هنا إلى مسألة مهمة تتعلق بالمرأة وهي : أنه إذا تم الحكم على الزوجة بالعودة إلى بيت الزوجية فإن هذا الحكم لا يذيل بالصيغة التنفيذية ولا يجري تنفيذه جبراً عليها بمعنى أنه لا يتم اقتيادها بواسطة الشرطة من بيت أهلها إلى بيت زوجها , إنما تُفهم عند الحكم بسقوط حقوقها الزوجية من نفقة وكسوة وسكنى وقَسْمٍ إن هي رفضت العودة لأنها تكون حينئذ ناشزاً , ويُدوَّن ذلك في الضبط والصك . ([14])
علماً بأن هذا الحكم يصدر إذا لم تطلب المرأة الطلاق , فإن طَلَبَتْهُ فإنها تعامل بموجب قرار هيئة كبار العلماء الصادر برقم 26 في 21/8/1394هـ المعمَّم من معالي وزير العدل برقم 55/12/ت في 22/3/1395هـ المبني على كتاب المقام السامي رقم 6895 في 1/3/1395هـ ، وقد تضمَّن هذا القرار عدة مراحل لنظر قضية النشوز والخلع آخرها أن ينظر القاضي في أمر الزوجين ويفسخ النكاح حسبما يراه شرعاً بعوضٍ أو بغير عوض . ([15])
ومن كل هذا يتضح اهتمام الشريعة الإسلامية بحقوق الإنسان بصفة عامة وحقوق المرأة بصفتة خاصة وأنها قد سبقت القوانين الوضعية في ذلك .
(1) نـصـت المــادة المذكورة على ما يلي : يتم التنفيذ بموجب نسخة الحكم الموضوع عليها صيغة التنفيذ وصيغة التنفيذ هي : ( يطلب من كافة الدوائر والجهات الحكومية المختصة العمل على تنفيذ هذا الحكم بجميع الوسائل النظامية المتبعة ولو أدى إلى استعمال القوة الجبرية عن طريق الشرطة ) .
(1) هو الحكم الذي يقضي بوجود أو عدم وجود المركز النظامي المدَّعى دون إلزام المحكوم عليه بأداء معَّين أو إحداث أي تغيُّر في هذا المركز كالحكم ببراءة الذمة أو بالمديونية , والحكم بالإنكار أو بالاعتراف بحقٍ عيني , والحكم بوجود حالة معينة للخصم كالحكم بالبنوة أو الاعتراف بالجنسية , وكذا الحكم بصحة أو بطلان أو صورية أو انفساخ عقد أو بيان مضمونه , والحكم بصحة أو تزوير ورقة .
انظر : الوسيط في قانون القضاء المدني ـــ فتحي والي ص 112 , 113 والنظرية العامة للتنفيذ ـــ وجدي راغب ص 56 , 57 , 75 والنظرية العامة للعمل القضائي ـــ وجدي راغب ص 250 وما بعدها , والتنفيذ الجبري ـــ أمينة النمر ص 49 , والتنفيذ الجبري في القانون الكويتي ـــ فتحي والي ص 25 - 27 .
(2) هو الحكم الذي يقرر إنشاء أو تعديل أو إنهاء مركز نظامي موضوعي . ومثال الحكم الذي ينشئ مركزاً موضوعياَ جديداً : الحكم بإشهار إفلاس تاجر , أو تقرير نفقة على زوج أو أحد الأقارب , ومثال الحكم الذي يُعدَّل مركزاً موضوعياً قائماً : الحكم بتعديل الالتزام التعاقدي بسبب الغبن , ومن امثلة الأحكام المنهية لمراكز موضوعية موجودة من قبل : الحكم بإبطال عقد أو الحكم بفسخه قضائياً أو الحكم بالتطبيق .
انظر : الوسيط في قانون القضاء المدني ـــ فتحي والي ص 119 وما بعدها , والنظرية العامة للتنفيذ القضائي ـــ وجدي راغب ص 57 , والنظرية العامة للعمل القضائي ـــ وجدي راغب ص 272 وما بعدها والتنفيذ الجبري ـــ أمينة النمر ص 50 .
(3) لبيان الـفـارق بين الـقـضـاء التقريري والقضاء المنشئ يمكن إعطاء المثال التالي : إذا رُفعت دعوى ببطلان عقد من العقود , وقُضي بالبطلان , فإن هذا القضاء لا يضيف جديداً إلى المركز النظامي السابق ؛ إذ العقد كان باطلاً منذ نشأته ولم يفعل القضاء سوى تقرير هذا البطلان , وبهذا أزال الشك حول بطلان العقد وكشف عن حقيقته .
أما إذا رُفعت دعوى إبطال عقد وقضي بإبطاله , ففي هذه الحالة يترتب البطلان على هذا القضاء ؛ إذ العقد قبل صدوره كان صحيحاً وإن كان قابلاً للإبطال . فالقضاء بالإبطال منشئ .
فالأحــكــام مــن حــيــث طـبـيـعـتــهــا وآثــارها تنقسم إلى ثلاثة أقسام : مُقررة ومُنشئة وحكم إلزام . والمقصود من الإتيان بلفظ ( البحت ) الاحتراز من الأحكام المركبة ؛ إذ الحكم القضائي في كثير من الأحيان لا يقتصر على صورة واحدة , بل يصدر مُركباً من أكثر من صورة . فالحكم بإبطال العقد أو فسخه مثلاً لا يقتصر غالباً على الـقـضـاء عـلـى الـرابـطـة العقدية , وإنما يُلزم الأطراف بناءً على الدعوى بالأداءات اللازمة لإعادة الشيء إلى أصله إذا كان قد تم شيء بناءً على العقد , ويكون الحكم في هذه الحالة مركباً من حكم منشئ وحكم بإلزام .
انظر : الوسيط في قانون القضاء المدني ـــ فتحي والي ص 119 , والنظرية العامة للعمل القضائي ـــ وجدي راغب ص 304 , وأصول المرافعات ـــ أحمد مسلم ص 646 , 647 , والتنفيذ الجبري ـــ أمينة النمر ص 49 , 50 .
(4) انظر : التنفيذ الجبري ـــ فتحي والي ص 37 – 39 , وقواعد التنفيذ القضائي وإجراءاته ـــ محمود هاشم ص 100 , 101 , والنظرية العامة للعمل القضائي ـــ وجدي راغب ص 258 وما بعدها , والنظرية العامة للتنفيذ القضائي ـــ وجدي راغب ص 75 , والتنفيذ الجبري ـــ أمينة النمر ص 49 , 50 .
(1) يعبر بعض الشراح المتأخرين عن هذا الشرط بوجوب أن يكون الحكم انتهائياً . والحكم الانتهائي هو : الحكم الذي لا يجوز الطعن فيه بالاستئناف طبقاً للقواعد العامة , وإنما عبروا بذلك لأن الطعن بالمعارضة أصبح خاصاً بمسائل الأحوال الشخصية .
انظر : النظرية العامة للتنفيذ القضائي ـــ وجدي راغب ص 75 .
وينبغي التنبيه هنا إلى أن الأحكام في معظم النظم الوضعية تنقسم إلى عدة أقسام تبعاً لعدة اعتبارات : فمن حيث قابليتها للطعن تنقسم إلى :
أحكام ابتدائية وانتهائية وحائزة لقوة الشيء المحكوم به وباتة , ومن حيث صدورها في مواجهة المحكوم عليه أو في غيبته إلى : حضورية وغيابية , ومن حيث صدورها في مسألة موضوعية أو مسألة فرعية إلى : أحكام في الموضوع وأحكام قبل الفصل في الموضوع , ومن حيث الحُجية المترتبة عليها إلى :
قطعية وغير قطعية ووقتية , ومن حيث قابليتها للطعن المباشر إلى : أحكام يجوز الطعن فيها فور صدورها وأحكام لا يجوز الطعن فيها إلا مع الطعن في الحكم في الموضوع .
وحيث إن الحديث هنا عن تقسيم الأحكام من حيث قابليتها للطعن فيها لزم إيضاحها بإيجاز فيما يلي :
القسم الأول – أحكام ابتدائية : وهي الأحكام التي تصدر من محكمة الدرجة الأولى وتقبل الطعن فيها
بالاستئناف .
القسم الثاني – أحكام انتهائية : وهي الأحكام التي لا تقبل الطعن فيها بالاستئناف .
القسم الثالث - أحكام حائزة لقوة الشيء المحكوم به : وهي التي جرى توضيحها في الصلب .
القسم الرابع – أحكام باتة : وهي الأحكام التي لا تقبل الطعن فيها بأي طريق من طرق الطعن العادية أو غير
العادية .
انظر : في تفصيل أقسام الأحكام : كتاب نظرية الأحكام ـــ أحمد أبو الوفا ص 317 وما بعدها .
(2) انظر : الوسيط في شرح قانون المرافعات المدنية والجارية ـــ رمزي سيف ص 691 , وقواعد تنفيذ الأحكام والعقود الرسمية ـــ رمزي سيف ص 17 , 18 , ونظرية الأحكام ـــ أحمد أبو الوفا ص 620 , وإجراءات التنفيذ في المواد المدنية والتجارية ـــ أحمد أبو الوفا ص 25 , 26 , والقضاء المستعجل وقضاء التنفيذ ـــ الديناصوري وعكاز ص 884 .
(3) انظر : المادة 198 من نظام المرافعات الشرعية .
(1) المقصود بالغائب هنا هو : الذي سُمعت عليه الدعوى وحُكم فيها لعدم معرفة محل إقامته العام أو المختار داخل المملكة أو خارجها ( المادة 179/1) من اللوائح التنفيذية لنظام المرافعات الشرعية .
(2) انظر : المادتين 179 , 197 من نظام المرافعات الشرعية .
(3) انظر : المادة 196 من نظام المرافعات الشرعية ولوائحها التنفيذية .
([12]) انظر : المادة 55/1 من اللوائح التنفيذية لنظام المرافعات الشرعية .
(1) انظر : الوسيط في شرح قانون المرافعات المدنية والتجارية – رمزي سيف ص 691 ، وقواعد تنفيذ الأحكام والعقود الرسمية – رمزي سيف ص 17 ، 18 ، ونظرية الأحكام – أحمد أبو الوفا ص 620 ، وإجراءات التنفيذ في المواد المدنية والتجارية – أحمد أبو الوفا ص 25 ، 26 ، والقضاء المستعجل وقضاء التنفيذ – الديناصوري وعكاز ص 884, ونظام التنفيذ في قانون المرافعات - عبد الباسط جميعي ص 169،170، وقواعد التنفيذ القضائي وإجراءاته في المواد المدنية والتجارية - محمود هاشم ص 96 ، 97 ، وطرق التنفيذ والتحفظ – عبد الحميد أبو هيف ص 26 ، 27 ، والنظرية العامة للتنفيذ القضائي في المواد المدنية والتجارية -وجدي راغب ص 75 - 78 ، والتنفيذ الجبري – أمينة النمر ص 113 - 115 ، والتنفيذ الجبري - فتحي والي ص 39- 43 ، والنظرية العامة للعمل القضائي في قانون المرافعات -وجدي راغب ص 258 وما بعدها .
(2) انظر : (المادة 196/3 ) من اللوائح التنفيذية لنظام المرافعات الشرعية .
(3) التفصيل في ذلك سيأتي ـــ إن شاء الله ـــ فيما بعد . انظر : حضور الخصوم وغيابهم بين الفقه الإسلامي والنظم الوضعية ـ فؤاد الماجد ـ ج4 ص 774ـ 776 , والتصنيف الموضوعي لتعاميم وزارة العدل 3/107 ـــ110 , وحقوق الانسان في الإسلام ـ سيف الدين شاهين ـ ص 73 , 74 .