المجتمع الزراعي

 هي المرحلة التي اعتمد فيها الإنسان بشكل أساسي على الطبيعة بالتحول الأول بعض من التحفظ، باعتبار أن الإنسان ومنذ نزوله على الأرض كان يعتمد على الطبيعة ومواردها بشكل تلقائي، وبذلك فليست مرحلة المجتمع الزراعي من هذه الزاوية تحولاً، بل هي امتداد طبيعي، ونتاج فطري للسلوك البشري. 
     هذا من ناحية علم التاريخ البشري عموماً، ولكن للتأريخ الاقتصادي معايير أخرى اعتُمِد عليها لوصف مرحلة ما بالثورة الزراعية والتي أنجبت مجتمعها الزراعي باعتبارها التحول الأول، فخلال قرون طويلة من الزمن لم يتشكل بالمفهوم الاقتصادي ذلك التكتل البشري الذي قد يعتبر مجتمعاً يحمل في طياته بذور نموذج اقتصادي متكامل، فعدد السكان كان قليلاً ومبعثراً والنشاط الاقتصادي كان معدوماً ولا يتجاوز حدود الاكتفاء الفردي.
     وعندما بدأت تتجلى ملامح تكتلات بشرية منظمة تعتمد على نشاط الزراعة كأساس لتوفير ما تحتاج إليه ليسد ضرورياتها من الحاجيات اليومية من خلال دورة نشاط اقتصادي زراعي منظمة، بدأ عمداء التأريخ الاقتصادي مسارهم في التدوين، باعتبار تلك المرحلة الثورة الزراعية التي أنجبت مجتمعها الزراعي بوصفه التحول الأول في ظل اقتصاد الطبيعة.
     وبدأت هذه الثورة أول ما بدأت على ضفاف الأنهار الكبرى في المنطقة القريبة من المنطقة الاستوائية - نهر النيل ودجلة والفرات والإندوس والجانح والنهر الأصفر - حيث التربة الخصبة والمتجددة، وبذلك تشكلت لدى تلك المجتمعات ظروف تلاءمت بوجه خاص مع وصف المجتمع الزراعي وهي الحقبة التي سماها المؤرخون بثورة العصر الحجري الحديث والتي دامت على مدى آلاف السنين منذ العام 10 آلاف قبل الميلاد (10000 ق م).
    وقد  اقترن ذلك التحول إلى المجتمعات الزراعية المستقرة (بعد أن كانت المجتمعات زراعية ومبعثرة ومتنقلة عبر مناطق الأرض) بالتسارع في زيادة المهارات التقنية، ومن ثم اتسع نطاق تشكيل الحجر لصناعة الأدوات والأسلحة وازداد أسلوب صناعتها صقلا، كذلك فإن امتلاك حيوانات أليفة عزز من مهارات تحويل صوف الماشية إلى ألياف لصناعة النسيج، وأدى التقدم في استخدام النار والتحكم فيها إلى ابتكار القمائن والأفران لصناعة الآجر والسيراميك، ثم بعد ذلك لتشكيل المعادن وتهيأت للإنسان تقنيات صناعة الأدوات المعدنية واستخراج المعادن من خاماتها الطبيعية ثم تشكيلها على هيئة أدوات وغير ذلك من مصنوعات يريدها، وهكذا أصبحت المجتمعات البشرية في وضع يُمهد لحدوث تحول عميق آخر ينتقل بها إلى بداية المجتمعات الحضارية  عبر اقتصاد الآلة من خلال الثورة الصناعية. [[1]]

[1] : آر إيه بوكانان، تعريب: شوقي جلال، الآلة قوة وسلطة : التكنولوجيا والإنسان منذ القرن 18 حتى الوقت الحاضر، عالم الفكر، العدد 259، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، ص: 21-22.

Previous Post Next Post