العقوبات الماسة بالحرية
ـ تمهيد وتقسيم:
العقوبات الماسّة بالحرية على نوعين:
1ـ عقوبات تحرم المحكوم عليه من حريته بتاتاً، وذلك بوضعه في وسط مغلق يفقد فيه حرية التنقل المعتاد للشخص العادي، ويلتزم ببرنامج عيش معين مفروض عليه، لا رأي له فيه، ولا خيار لديه في قبوله أو رفضه أو تعديله. وهذه العقوبات في القانون السوري هي: الأشغال الشاقة، والاعتقال، والحبس.
2ـ وعقوبات تقيد حرية المحكوم عليه فقط، لجهة اختيار محل إقامته والأماكن التي يرغب بارتيادها أو التجول فيها، مع التزامه ببرنامج عيش مقيد بشروط معينة مفروضة عليه. وتوجد في القانون السوري عقوبة واحدة مقيدة للحرية هي الإقامة الجبرية.
عقوبة الأشغال الشاقة
عقوبة الأشغال الشاقة هي عقوبة جنائية تسلب فيها حرية المحكوم عليه بأن يوضع في داخل سجن، ويجبر فوق ذلك على القيام بأعمال مجهدة تتناسب مع جنسه وعمره، سواء في داخل السجن أو في خارجه (م45). ومن هذه الأشغال، على سبيل المثال، استخراج الأحجار من مقالعها وتكسيرها ونقلها، ورصف الطرق، ومد السكك الحديدية، واستصلاح الأراضي الزراعية…
ولابد من القول بأن الأشغال الشاقة في سورية ظلت فكرة نظرية غير مطبقة، لأن أوضاع السجون لدينا لا تسمح بتطبيق أي من الأعمال الشاقة، وبذلك لا تختلف عقوبة الأشغال الشاقة في التطبيق العملي عن عقوبة الاعتقال أو عقوبة الحبس العادي، وبالتالي تعد هذه العقوبة في سورية بحكم الملغاة.
وعقوبة الأشغال الشاقة على نوعين: عقوبة مؤبدة، تستمر طيلة حياة المحكوم عليه إلا إذا نال عفواً عاماً أو عفواً خاصاً، أو ثبت صلاحه بعد مرور عشرين عاماً على تنفيذ عقوبته، حيث يفرج عنه إفراجاً شرطياً، وفق أحكام وقف الحكم النافذ. وعقوبة مؤقتة، تتراوح مدتها بين ثلاث سنوات وخمس عشرة سنة، إلا إذا نص القانون على خلاف ذلك.
وقد انتقدت عقوبة الأشغال الشاقة انتقاداً شديداً وعدّها الكثير من الفقهاء ماسّة بكرامة الإنسان، وقاتلة لنفسيته، وإن كان العمل بحد ذاته داخل السجن أو خارجه، من التدابير الحديثة، التي يراها علماء الاجتماع ضرورية لإصلاح السجين وتهذيبه، ولكن الفارق كبير بين العمل أو الشغل وبين الأشغال الشاقة. وتعكف الأمم المتحدة منذ منتصف القرن الماضي على إلغاء هذه العقوبة لتحل محلها عقوبة الاعتقال أو السجن بدون أشغال شاقة.
ثانياً ـ عقوبة الاعتقال
عقوبة الاعتقال هي عقوبة جنائية، يوضع بموجبها المحكوم عليه في سجن، ويلتزم بالعمل في أحد الأشغال العادية التي تنظمها إدارة السجن، حسب اختياره هو، عند البدء في تنفيذ عقوبته.
وقد جعل نظام السجون العمل واجباً على كل سجين محكوم عليه، أما بالنسبة للأظناء والمتهمين فلا يكلفون بالعمل إلا بناء على طلبهم. كما ترك الحق إليهم بممارسة مهنتهم أو حرفتهم إذا لم تكن مخالفة للصحة والنظام والأمن.
والفارق بين عقوبة الاعتقال وعقوبة الأشغال الشاقة هو أن الأعمال التي يقوم بها المعتقلون لا يشترط فيها أن تكون مجهدة. وهذه الأعمال هم الذين يختارونها بأنفسهم من بين مجموعة من الأعمال التي تنظمها إدارة السجن. بينما في الأشغال الشاقة لا يحق للمحكوم عليهم اختيار العمل الذي يرغبون فيه.
كما أن المعتقلين، على عكس المحكومين بالأشغال الشاقة، لا يجبرون على العمل خارج السجن، ولابد من أن يتم ذلك برضاهم. وهم في الوقت ذاته لا يجبرون على ارتداء زي السجناء إلا إذا أرادوا هم ذلك (م46).
وعقوبة الاعتقال كعقوبة الأشغال الشاقة على نوعين: عقوبة مؤبدة تستغرق حياة المحكوم عليه، إلاّ إذا ناله عفو عام أو عفو خاص، أو ثبت صلاحه بعد مرور عشرين سنة على تنفيذ عقوبته. وعقوبة مؤقتة، تتراوح مدتها بين ثلاث سنوات وخمس عشرة سنة، إلا إذا ورد نص خاص يحدد العقوبة بأكثر أو أقل من ذلك.
ثالثاً ـ عقوبة الحبس
عقوبة الحبس هي عقوبة جنحية تسلب فيها حرية المحكوم عليه. وهي على ثلاثة أنواع: الحبس مع التشغيل، والحبس البسيط، والحبس التكديري.
1 ـ الحبس مع التشغيل:
يوضع المحكوم عليهم بالحبس مع التشغيل في أماكن خاصة، ويلزمون بالعمل في أحد الأشغال التي تنظمها إدارة السجن، والتي يختارونها عند البدء بتنفيذ عقوبتهم. ولا يجوز أن تكون هذه الأشغال مجهدة، كما لا يجوز استخدامهم خارج السجن إلا برضائهم، ولا يجبرون على ارتداء زي السجناء (م46 و51).
ومدة الحبس مع التشغيل تتراوح بين عشرة أيام وثلاث سنوات، إلا إذا انطوى القانون على نص خاص يقضي بغير ذلك (م51 ف1).
2 ـ الحبس البسيط:
يكون الحبس البسيط في أماكن خاصة مختلفة عن الأماكن الأخرى التي توضع فيها بقية الزمر من السجناء، ولا يجبر المحكوم عليهم بالحبس البسيط على العمل إلا إذا طلبوا هم ذلك، وعندئذ يلزمون بالعمل الذي اختـاروه حتى نهاية مـدة عقوبتهـم (م51، ف3).
ومدة الحبس البسيط هي كمدة الحبس مع التشغيل تتراوح بين عشرة أيام وثلاث سنوات، إلا إذا انطوى القانون على نص خاص يقضي بغير ذلك (م51، ف1).
وقد نصت المادة 55 من قانون العقوبات على أن عقوبة الحبس لا تنفذ بالحامل غير الموقوفة إلا بعد أن تضع حملها بستة أسابيع. وإذا حكم على زوجين بهذه العقوبة مدة تنقص عن السنة، ولا يكونان موقوفين، تنفذ فيهما العقوبة على التتالي إذا كان لهما ولد دون الثامنة عشرة من عمره، وأثبتا أن لهما محلاً معروفاً للإقامة.
كما نصت المادة 58 من قانون العقوبات على أن كل محكوم عليه بعقوبة مانعة للحرية تبلغ ثلاثة أشهر على الأقل، تحسن معاملته بالسجن بقدر صلاحه. ويشمل هذا التحسين الطعام، ونوع الشغل، وعدد ساعاته، ولزوم الصمت، والتنزه، والزيارات والمراسلة.
3 ـ الحبس التكديري:
يوضع المحكوم عليهم بعقوبة الحبس التكديري في أماكن مختلفة عن الأماكن المخصصة بالمحكوم عليهم بعقوبات جنائية أو جنحية، ولا يجبرون على العمل (م60 من قانون العقوبات).
وتفرض عقوبة الحبس التكديري على مرتكبي جرائم المخالفات، وتتراوح مدته بين يوم وعشرة أيام.
رابعاً ـ الإقامة الجبرية
الإقامة الجبرية هي العقوبة الوحيدة في القانون السوري المقيدة للحرية. ويقصد بها تعيين مقام للمحكوم عليه يختاره القاضي من بين مجموعة من الأماكن حددت بالمرسوم 1212 تاريخ 20/7/1950. ولا يمكن في حال أن يكون المقام المعين في مكانٍ كان للمحكوم عليه محل إقامة أو سكن فيه، أو في المكان الذي اقترفت فيه الجريمة، أو في محل سكنى المجني عليه أو أنسبائه وأصهاره حتى الدرجة الرابعة (م48ف1).
وعقوبة الإقامة الجبرية هي عقوبة سياسية لا يقضى بها إلا في الجريمة السياسية (م38). وهي إما أن تكون عقوبة جنائية أو عقوبة جنحية، ومدتها إذا كانت جنائية من ثلاث سنوات إلى خمس عشرة سنة، إلا إذا انطوى القانون على نص خاص يقضي بغير ذلك (م44). أما إذا كانت العقوبة جنحية فتتراوح مدتها بين ثلاثة أشهر وثلاث سنوات (م52).
ولابد من الملاحظة أن الفقرة الثانية من المادة 48 من قانون العقوبات نصت على أنه إذا غادر المحكوم عليه بعقوبة الإقامة الجبرية المقام المعين له، لأي وقت كان، أُبدلت عقوبة الاعتقال من الإقامة الجبرية لمدة لا تتجاوز الزمن الباقي من العقوبة.