ظاهرة تعاطي المخدرات
ظاهرة تعاطي المخدرات
أصبحت ظاهرة تعاطي المخدرات من أخطر الظواهر الاجتماعية التي تعاني منها مجتمعات الخليج الصغيرة بحجم سكانها.. التي أصبح فيها المواطنين والشباب منهم خاصة، مهددين كل يوم بوفاة أحدهم أو أحد اقرباءهم وأصدقائهم.. فمنذ خمس سنوات وحتى الان لا يستبعد الإنسان في هذه المنطقة ان يسمع عن وفاة شاب بين اللحظة والأخرى، والى الدرجة التي أصبحت معها هذه الظاهرة جزء من الاخبار الاجتماعية اليومية.
لقد انتشرت هذه الظاهرة، ونمت كالسرطان في جسم الشباب وبشكل سريع ومخيف جداً. الأمر الذي لا يعزو إلى أن هذا الشيطان ـ الآفة ـ المخدرات غير موجودة في المنطقة قبل هذه السنوات. بل على العكس تماماً، فقد كانت هذه المشكلة ف الخليج قديمة، ترجع إلى زمن الاستعمار وقدوم العمالة الاجنبية وزمن التجارة والتنقل من الهند والصين وشرق جنوب آسيا وغيرها.. حيث كانت هذه المخدرات تشكل سلعة مربحة لبعض التجار… ومع ان المخدرات بشكل عام قد ارتبط تعاطيها في السابق مع الاجانب من الانجليز والامريكان والتايلنديين وغيرهم… إلاّ ان هذه المشكلة في ذلك الوقت لم تصعد إلى مرحلة ان تشكل ظاهرة في المجتمع كالذي تبرز عليه في الفترة الحالية.
وقبل التطرق لهذه الظاهرة وأسبابها.. لا بد من اعطاء هذه الظاهرة الخطيرة حجمها الطبيعي، بحيث لا تتجاهل خطورتها أو نقلل من شأنها… بل يجب ان تقال الحقيقة ولو كانت مرة، ويجب أن نقف معاً أمام حجم هذه الظاهرة كي نضع جميع الاطراف المعنية والتي لها علاقة بهذه الظاهرة أمام مسؤولياتها ابتداء من الجهات الرسمية بأجهزتها المختصة، وانتهاءاً بالاسرة والمؤسسات الشعبية والافراد. حتى نستطيع معالجتها ونخلص المجتمع من شرورها وأخطارها، لأنها تمس جوهر المجتمع المتمثل في ثروته البشرية والشباب منهم خاصة، الذي يمثلون المخزون الأساسي للتنمية فيه.
ولكي نضع العلاج الجذري الذي من شأنه أن يقضي على هذه الظاهرة من جذورها. يستلزم منا دراسة معمقة لمعرفة حجم الظاهرة في المجتمع ككل. حيث شهدت السنوات الخمس الأخيرة تزايداً كبيراً في أعداد متعاطي المخدرات ليس على صعيد البحرين والخليج فحسب.. بل على مستوى المنطقة العربية ككل. حيث تشير بعض الدراسات إلى أن متعاطي المخدرات شكلوا ما نسبته 20% من جملة الجرائم المسجلة في عينة من الدول العربية عام 1973[1].
أما في الخليج فأن ارقام الاحصائيات الرسمية المنشورة تثير الكثير من الهواجس والقلق، ففي البحرين مثلا، تشير الأرقام الرسمية إلى ازدياد عدد الاشخاص المتهمين في قضايا المتهمين في قضايا المخدرات خلال السنوات الأخيرة. فبينما لا يزيد عن 21 شخص في عام 1973، نجدهم يصلون إلى 484 شخص في عام 1983، يشكل الاجانب منهم 9.5%!! (انظر الجدول رقم1)[2]
أي بزيادة قدرها 463 شخص خلال عشر سنوات، متفاوتة في حدة زيادتها من سنة إلى أخرى.. بالرغم من عدم دقة هذه الارقام التي تحاذر السلطة أن تنشرها ـ حيث توجد هناك معلومات تشير إلى أن عدد المدمنين في البحرين لا يقل عن 800 مدمن [3] ـ إلاّ انه من المعروف ان العدد الفعلي لهؤلاء يزيد عن هذا الرقم بكثير!! فالذين يلقى القبض عليهم هم فقط الذين لم يحالفهم "الحظ" في الاستمرار بالتعاطي، فوقعوا بطريقة أو بأخرى في أيدي الشرطة ـ في حين استطاع غيرهم من الاستمرار[4].
أما عن كمية المخدرات التي تسربت إلى البحرين فلم تشر الاحصائيات الرسمية إلاّ إلى الجزء الضئيل جداً من هذه الكميات، أي التي ضبطت لدى بعض المهربين والتجار، حيث أن الجزء الاكبر من هذه الكميات يتم دخولها ضمن حقائب غير مسموح لموظفي الجمارك في المطار أو
(جدول رقم 1) يبين عدد المتهمون في قضايا المخدرات لفترة ما بين 73 ـ 1983 في البحرين
العام
المقبوض عليهم في حيازة المخدرات
قضايا المحاكم في جرائم المخدرات
الميناء بفتحها!! والا ستكون الفضائح عظيمة (كالفضيحة التي انكشفت في المطار لأحد كبار ابناء العائلة الحاكمة في عام 1984. عندما أصر موظف الجمارك بفتح حقيبته المملوءة بأنواع المخدرات ـ فما كان للشيخ إلاّ ان يهدد ويتوعد بالموظف ـ وتسترت الجهات الرسمية على الموضوع)!!
واذا رجعنا إلى الأرقام الرسمية حول كمية المخدرات المضبوطة (انظر الجدول رقم 2)[5] نجد انها لم تشير حتى إلى الكميات المفضوح امرها بين في الاحصائيات الرسمية لا تخفي حقيقة تزايد الكميات التي تدخل للبلاد بشكل يثير القلق والخوف في المجتمع على الرغم انه حتى الآن لم تنشر أية احصائية رسمية عن المخدرات للعاملين الاخيرين حيث ازدادت حدة هذه الظاهرة. وسجلت تقارير المستشفيات اكثر من 800 حالة ادمان دون أن تشير إليها الاحصائيات الرسمية!! وبغض النظر عن تساؤلنا الذي ما زال ـ يبحث عن جوابه من مكتب مكافحة المخدرات بوزارة الداخلية ـ حول مصير هذه الكميات المضبوطة وأين تذهب!!
اما في الامارات فقد ارتفع عدد المتاجرين بالمخدرات إلى نسبة قدرها 317% والذين تم القبض عليهم من 40 شخص عام 81 ارتفع العدد إلى 167 عام 1984. وكما ارتفعت الكميات المضبوطة من 131 كيلو/ عام 81 إلى 815 عام 1984. وارتفعت نسبة الادمان في الفترة ما بين 1976 حتى 1984 إلى حوالي 150%[6].
هذا في الوقت الذي تشير إلى احصائية أخرى عن المجموعة الاحصائية لسنة 81 ـ وزارة الداخلية بالامارات إلى ارقام تختلف تماما عن
(جدول رقم 2) مقارن بين كميات المخدرات المضبوطة خلال الفترة من 1972 ـ 1983 في البحرين
العام
حشيش
خشخاش
ماريجوانا
مورفين
أفيون
هيرويين
بالكيلو غرام
بالكيلو غرام
بالجرام
بالجرام
بالجرام
بالجرام
72
73
74
75
76
77
78
79
80
81
82
83
22.92
5.63
4.49
16.57
11.67
15.18
15.26
4.65
10.34
45
12
16.5
ـ
ـ
ـ
ـ
ـ
ـ
4
1.8
3
1
عدد المقبوض عليهم بتهمة قضايا المخدرات والكميات المضبوطة منها
(راجع الجدول رقم 3).
جدول رقم (3)
يبين قضايا المخدرات وعدد المقبوض عليهم ووزن المخدر[7]
المنطقة
عدد المقبوض عليهم في قضايا المخدرات
حشيش
افيون
قات
انواع أخرى
ابو ظبي
دبي
الشارقة
عجمان
ام القيوين
رأس الخيمة
الفجيرة
85
119
23
3
ـ
2
2
غرام
كيلو
غرام
كيلو
غرام
كيلو
غرام
كيلو
691
713
678
ـ
ـ
6
40
22
86
163
ـ
ـ
ـ
ـ
712
986
4
500
ـ
18
ـ
2
17
6
ـ
ـ
ـ
ـ
المجموع
234
128
273
143
27
120
223
658
104
هذا بالاضافة إلى الكثير من قضايا التهريب التي لم تشملها الاحصاءات الرسمية، حيث تشير بعض المعلومات إلى اكتشاف مستودعات كبيرة لتجار المخدرات في داخل البلاد ـ كالتي تم ضبطها في دبي ورأس الخيمة وقدرت بـ 1739 كيلو جرام حشيش.
وبالاضافة إلى حادثة القبض على عصابة من الاجانب في يونيو 84 بمحاولة "تهريب نصف طن (500 كيلو غرام) من الحشيش بما يقدر ثمنه بحوالي 15 مليون درهم بعد ان اخفاها المهربون داخل شحنة من برادات نقل الفواكه والخضار كانت متجهة إلى سوق الحمدية بدبي[8].
إلاّ ان الظاهرة الأكثر انتشارا في الامارات الآن حيث يبرز اسلوب جديد لتعاطي المخدرات عن طريق ظاهرة الاستنشاق للمواد المخدرة الطيارة ـ كالغراء والبنزين وحرق الاطارات والنمل بمزجه في الخمر وغيرها من الاساليب المبتكرة حديثا في اوساط المتعاطين والمتاجرين وانتشرت هذه الظاهرة في المدارس الابتدائية والاعدادية والثانوية. بصورة كبيرة ذهب ضحيتها العديد من طلبة المدارس بسبب المخاطر التي سبق ان تطرقنا إليها في الفصل السابع وكان اخطرها ضيق التنفس والاغماء المفاجئ والموت احياناً كثيرة.
وفي دراسة ميدانية اعدها الدكتور ناصر ثابت ـ مدرس علم الاجتماع بكلية الاداب بجامعة الامارات العربية المتحدة حول هذه الظاهرة على عينة من فئات الشباب ـ حيث اشارت احدى النتائج التي خرجت بها الدراسة إلى أن (غالبية الافراد يمارسون استنشاق الغازات هم من صغار السن الذين لم يبلغوا سن البلوغ وتقع أعمارهم في فئة السن (10 ـ 19) سنة.
اما في دول الخليج الأخرى.. قد نفتقر للاحصائيات الرسمية حول عدد المتورطين في تجارة المخدرات حول الكميات التي دخلت فيها حيث لم تنشر أية احصائيات رسمية حول ذلك غير ان الارقام التي تشير إليها بعض الفضائح في قضايا التهريب والتي نشرت في الصحف المحلية تؤكد على ان هذا الاخطبوط مد أذرعه وبشكل متزايد فيها أيضاً.
فمثلا قطر تؤكد بعض المظاهر المكشوفة على ان هذه العملية آخذة في الانتشار في المجتمع القطري ولها من يروجها بالمكشوف مثل (ظاهرة السيارة الحمراء التي تقف على الكورنيش واعتاد المواطنون على رؤيتها كل مساء فيها شخصان احدهما من آل ثاني (العائلة الحاكمة) والآخر مساعده، يبيعان انواع المخدرات بشكل علني!!
وهناك منطقتان في قطر اشتهرتا كسوق لبيع المخدرات على المواطنين وابناء الجاليات الاجنبية من العمالة الوافدة. وهما منطقة الخان ـ ومنطقة النجمة في وسط العاصمة.
وفي الكويت بين الفترة والأخرى تبرز على السطح عملية تهريب يتم الاعلان عن ضبطها من قبل سلطات المطار ـ ولعل آخرها افشال محاولة تهريب 36066 حبة كبسولة مخدرات جلبها ثلاثة مهربين من بانكوك[9].
هذا في الوقت الذي لا يخفي حقيقة ان هناك العشرات من عمليات التهريب التي نجحت في التسرب إلى الداخل ما يدل عليه العديد من حالات التفسخ والانحلال الخلقي وبروز بعض الصرعات الشاذة في المجتمع الكويتي ـ مثل جماعات الجنس الثالث والرابع وغيرها. هذه الجماعات التي تحلل ممارسة الممارسات اللااخلاقية والتمتع باستنشاق وتعاطي المخدرات في سهرات مجونية جماعية!!
وليس غريباً على مجتمع انتشرت فيه هذه الظواهر أن يطالب فيه الشواذ جنسياً بتشكيل نقابة خاصة بهم على غرار ما هو موجود في امريكا وبريطانيا والغرب كاحد مظاهر التقدم كما يعتقد هؤلاء والتي استفادت منها هذه الجماعات وغيرهم من تبعية دولنا للغرب والاميركان!!
بهذا فقد اصبحت مشكلة المخدرات تتسع رقعتها وتعاني منها جميع دول الخليج بدون استثناء وان كانت بدرجات ومظاهر متفاوتة إلاّ ان الخطر فيها اصبح يهدد مستقبل اهم ثروة في المجتمع وهي الثروة البشرية من جيل الشباب.
حيث ذهب حتى الآن ضحيتها العشرات، بل المئات والألوف من شباب المنطقة بين وفيات وإدمان وتعاطي وسجون وامراض صحية واجتماعية وضياع.
وفي الوقت الذي نرى فيه هذه الظاهرة ماضية في الاتساع والاستمرار، تتشدق الجهات الرسمية بعكس ما يقوله الواقع عن هذه الظاهرة وتحاول ان تتستر على حقيقتها. ومدى انتشارها أو نخرها في جسم المجتمع، وعدم فاعلية الحلول التي وضعتها لمواجهة هذا الخطر الذي يداهم المجتمع!! مبتعدة كل البعد عن حقيقة الاسباب التي أدت إلى بروز وانتشار هذه الظاهرة… والا ماذا يفسر لنا استمرار هذه الظاهرة وتزايدها في ظل القوانين والروادع التي وضعتها اجهزة مكافحة المخدرات في وزارات الداخلية لدول الخليج منذ ما يزيد على عشر سنوات مضت؟!
من هنا كان واجبنا بفضح وتبيان الأسباب الحقيقية التي ادت إلى هذه الظاهرة وانتشارها في المنطقة بهذه السرعة والحجم بان ما ذكرناه ليس هو كل شئ عن حجم هذه الظاهرة رغم كل ما بذلناه من جهة وبحث لكشف ما هو مخفي منها والتي تحاول الأجهزة الرسمية التستر عليه خوفاً من الفضائح بغض النظر عن مصلحة الشباب.
[1] بحث (قراءة اولية لبعض المتغيرات الاجتماعية ـ الاقتصادية لتعاطي المخدرات) إعداد الدكتور باقر النجار.
[2] النشرة الاحصائية 1983 ـ ادارة التحقيقات الجنائية بوزارة الداخلية ـ البحرين.
[3] جريدة اخبار الخليج في عددها الصادر في 25/7/1984.
[4] بحث (نظرة عامة على العقاقير المسببة للادمان) د. علي مطر ـ اخصائي الطب النفسي في البحرين.
[5] وزارة الداخلية البحرانية ـ قسم مكافحة المخدرات ـ 1983.
[6] جريدة الخليج 23 فبراير 1985 العدد 2140.
[7] المخدرات وظاهرة استنشاق الغازات ـ دراسة ميدانية في دولة الامارات ـ للدكتور ناصر ثابت ـ مدرس علم الاجتماع بكلية الآداب ـ جامعة الامارات.
[8] جريدة الخليج في عددها الصادر في 20/9/1982 ـ الشارقة.
[9] نشرة 5 مارس ـ في عددها الصادر في شهر اكتوبر 1984 ـ الجبهة الشعبية في البحرين .
تعاطي المخدرات في الخليج