العفو الخاص
La Grâce
ـ تعريف:
العفو الخاص هو منحة من رئيس الدولة تزول بموجبها العقوبة عن المحكوم عليه، كلها أو بعضها، أو تستبدل بها عقوبة أخرى أخف منها.
والعفو الخاص تأخذ به أكثر التشريعات في العالم، فهو مؤسسة لا غنى عنها لأسباب متعددة أهمها: أن القاضي يطبق القانون، ولا يستطيع تعدي الحدود المرسومة له في تطبيق العقوبة، بحيث يتعذر عليه أحياناً مواجهة بعض المسائل التي تحتاج إلى حل خاص لا تسمح به حدود سلطته. وقد وجد المشرع أن الحل الوحيد لهذه المسألة هو إناطة حق الموازنة بين ضرورة تنفيذ العقوبة وضرورات المصلحة العامة بسلطة عليا في البلاد، مؤهلة لمثل هذه المهمة، وهي سلطة رئيس الدولة. والعفو الخاص بالإضافة إلى ذلك هو سبيل لإصلاح الأخطاء القضائية التي تكتشف بعد أن يكون الحكم قد أصبح مبرماً، وسدت أمام المحكوم عليه جميع طرق المراجعة. ثم هو وسيلة للحد من آثار الحكم بعقوبة الإعدام إذا كانت هذه العقوبة قد فرضت في حالات لا تتحقق فيها مقتضيات الصالح العالم. وهو أخيراً طريق لمكافأة من حسن سلوكه أثناء تنفيذ عقوبته، ولم تتوافر فيه شروط وقف الحكم النافذ، وأصبح ضرر إبقائه في السجن أكبر من نفعه.
ولكن هذا لا يعفينا من القول بأن العفو الخاص يجب أن يستعمل بحكمة واعتدال، وإلا فسدت هذه المؤسسة، وفقدت قيمتها، وخرجت عن الأهداف التي وضعت من أجلها.
ـ شروط العفو الخاص:
للعفو الخاص، بموجب أحكام المواد 151 ـ 155 من قانون العقوبات، شروط متعددة، نجملها فيما يأتي:
أولاً ـ يمنح العفو الخاص رئيس الدولة، وهو صاحب السلطة النهائية فيه. وهذا المنح يكون بمرسوم يذكر فيه اسم المعفو عنه، والعقوبة المسقطة، والعقوبة المتبقية، إذا كان الإسقاط جزئياً، والعقوبة المستبدلة إن وجدت.
ثانياً ـ لا يمنح رئيس الدولة العفو إلا بعد استطلاع رأي «لجنة العفو»، ولجنة العفو تشكل من خمسة قضاة يعينهم رئيس الجمهورية. وهذه اللجنة تبدي رأيها في طلب العفو ثم ترفعـه إلى رئيس الدولة، ومهما كان رأيها فالكلمة الأخيرة له، لأن دورها استشاري محض.
ثالثاً ـ لا يمنح العفو الخاص إلا إذا حوكم المدعى عليه وصدر بحقه حكم جزائي مبرم. أما إذا كانت الدعوى في طور المحاكمة، أو صدر فيها حكم قابل لأي طريق من طرق المراجعة، فلا يجوز إصدار العفو. وذلك لأن العفو الخاص طريق احتياطي وأخير، ولا يلجأ إليه إلاّ إذا استنفد المحكوم عليه كل الطرق القانونية الأخرى لرفع العقوبة عنه أو تخفيفها.
وجدير بالملاحظة أن وقف التنفيذ ووقف الحكم النافذ لا يحولان دون نيل العفو.
رابعاً ـ يمكن أن يكون العفو شرطياً، ويمكن أن يناط بأحد الالتزامات التالية أو بأكثر منها:
1 ـ أن يقدم المحكوم عليه كفالة احتياطية .
2 ـ أن يخضع للرعاية.
3 ـ أن يحصل المدعي الشخصي على تعويضه كله أو بعضه في مدة لا تتجاوز السنتين في الجنحة أو الستة أشهر في المخالفة.
خامساً ـ إذا كان الفعل المقترف جناية وجب التعويض على المدعي الشخصي، كلياً أو جزئياً، في مهلة أقصاها ثلاث سنوات.
ـ آثار العفو الخاص:
للعفو الخاص عدد من الآثار، بينتها المواد 151 ـ 155 من قانون العقوبات وهي:
أولاً ـ العفو الخاص شخصي، لا يمتد أثره إلى الشركاء أو المحرضين أو المتدخلين في الجريمة.
ثانياً ـ العفو الخاص منحة لا يجوز للمحكوم عليه أن يرفض الاستفادة منها.
ثالثاً ـ يشمل العفو الخاص العقوبات الأصلية فقط، وهو يقضي بإبدالها، أو بإسقاط مدتها، أو بتخفيفها كلياً أو جزئياً. وبالمقابل فإن العفو لا يشمل العقوبات الفرعية والإضافية والتدابير الاحترازية المقضي بها بالإضافة إلى عقوبة أصلية إلاّ بموجب نص صريح في المرسوم الذي يمنحه.
رابعاً ـ إسقاط العقوبة أو التدبير الاحترازي بالعفو الخاص يعادل التنفيذ.
خامساً ـ العفو الخاص يسقط العقوبة و لا يسقط الحكم. ومعنى ذلك أن مفعول الحكم يستمر لتطبيق الأحكام المتعلقة بوقف التنفيذ ووقف الحكم النافذ وإعادة الاعتبار والتكرار واعتياد الإجرام.
سادساً ـ لا أثر للعفو الخاص على حقوق المجني عليه في التعويض عن الضرر الذي أصابه من الجريمة.
سابعاً ـ يفقد منحة العفو كل محكوم عليه أقدم ثانية على ارتكاب جريمة تعرضه لعقوبات التكرار، أو ثبت عليه بحكم قضائي أنه أخل بأحد الواجبات المفروضة عليه بموجب مرسوم العفو.
المطلب الثاني
العفو العام
L'Amnistie
ـ تعريف:
العفو العام أو العفو الشامل، هو قانون يصدر عن السلطة التشريعية، (مجلس الشعب)، أو مرسوم تشريعي يصدر عن السيد رئيس الجمهورية بصفته مفوضاً بالتشريع في حالات معينة، فيشمل جريمة أو عدداً من الجرائم، ويكون من شأنه محو الصفة الجرمية عنها، أو يشمل عقوبة بعينها، فيسقطها أو يخفض من مدتها.
والعفو العام سلطة في يد المشرع يستعملها حينما يريد أن يسدل ستار النسيان على بعض الأفعال، لأسباب سياسية أو اجتماعية، ويرى أن المصلحة العامة تقضي برفع آثار هذه الأفعال عن الأشخاص الذين قاموا بها. لهذا فإن المجال الأوسع للعفو العام هو الجرائم السياسية، وبعض الجرائم الواقعة على أمن الدولة الداخلي، والجرائم العسكرية، والجرائم القليلة الأهمية.
إلاّ أن العفو العام كثيراً ما يصدر لحسابات خاصة بالسلطة الحاكمة، كالعفو الذي يصدر على أثر تغيير نظام الحكم، أو بعد عمل سياسي هام، أو بمناسبة تسلم رئيس جديد لمقاليد السلطة العليا في البلاد.
ـ شروط العفو العام:
الشرط الوحيد للعفو العام في التشريع السوري هو صدوره عن السلطة التشريعية. وهو إما أن يصدر بقانون عن مجلس الشعب، أو بمرسوم تشريعي عن رئيس الدولة مباشرة. وسبب عدم تقييده بشروط أخرى، هو صدوره عن السلطة التي تسن القوانين، وهي صاحبة الحق، إذا أرادت، بفرض الشروط التي تراها ضرورية للاستفادة من العفو العام.
ـ آثار العفو العام:
وهذه الآثار على ما بينتها المادة 150 من قانون العقوبات هي الآتية:
أولاً ـ يُسقط العفو العام ـ من حيث المبدأ ـ الجريمة والعقوبة معاً. فإذا كانت الدعوى العامة لم ترفع بعد، أو رفعت ولم يصدر فيها حكم مبرم، ثم صدر قانون العفو العام، أصبحت غير ذات موضوع، وتوقفت إجراءاتها. أما إذا صدر العفو العام بعد صدور حكم جزائي مبرم، سواء كان المحكوم عليه قد بدأ بتنفيذه أم لا، فيسقط هذا الحكم وتزول جميع آثاره القانونية. ومعنى ذلك زوال كل عقوبة أصلية أو فرعية أو إضافية، وعدم حساب الحكم في التكرار أو اعتياد الإجرام أو وقف التنفيذ، وشطبه كلياً من السجل العدلي للمحكوم عليه.
ثانياً ـ لا يشمل العفو العام تدابير الاحتراز وتدابير الإصلاح إلاّ إذا نص قانون العفو صراحة على ذلك.
ثالثاً ـ لا ترد الغرامات المستوفاة والأشياء المصادرة، أو الأشياء التي صدر قرار بمصادرتها.
رابعاً ـ لا أثر للعفو العام على الحقوق الشخصية، وتبقى هذه الحقوق خاضعة لأحكام القانون المدني (م148 من قانون العقوبات، م436 من قانون أصول المحاكمات الجزائية)([1]).
ـ مقارنة بين العفو الخاص والعفو العام:
يختلف العفو الخاص عن العفو العام في بعض الوجوه، ويتشابه معه في بعض الوجوه الأخرى، وسنبين ذلك فيما يأتي:
أولاً ـ العفو الخاص يمنح بمرسوم صادر عن رئيس الدول، أما العفو العام فيسن بقانون من السلطة التشريعية.
ثانياً ـ العفو الخاص لا يمنح إلاّ بعد اكتساب الحكم الدرجة القطعية، أما العفو العام فيصدر في أي وقت يشاؤه المشرع.
ثالثاً ـ العفو الخاص شخصي، أي يمنح إلى شخص معين بالذات يسمى في مرسوم العفو، أما العفو العام فموضوعي، يشمل مرتكبي جرائم معينة، دون تسميتهم أو تحديدهم على وجه الخصوص. ونتيجة لذلك فإن العفو الخاص لا يستفيد منه إلاّ من صدر العفو باسمه، أما العفو العام فيستفيد منه الفاعلون والشركاء والمحرضون والمتدخلون والمخبئون على السواء.
رابعاً ـ العفو الخاص لا يمس الجريمة، وهو لا يؤثر إلا في العقوبة، فيلغيها أو يخفف منها أو يستبدل بها عقوبة أخرى. أما العفو العام فيشمل الجريمة والعقوبة معاً إلاّ إذا نص قانون العفو على العفو عن جزء من العقوبة فقط. ونتيجة لذلك فإن العفو الخاص لا يلغي آثار الحكم، ويظل داخلاً في حساب وقف التنفيذ والتكرار واعتياد الإجرام، أما العفو العام فيزيل الحكـم نهائياً ولا يعود له أي وجود قانوني، إلاّ إذا اكتفى قانون العفو بالعفو عن العقوبة فقط، أو عن جزء منها.
خامساً ـ لا يشمل العفو الخاص إلاّ العقوبات الأصلية، أما العفو العام فيشمل العقوبات الأصلية والفرعية والإضافية.
سادساً ـ يتفق العفو الخاص مع العفو العام في أنهما لا يشملان تدابير الاحتراز وتدابير الإصلاح إلا إذا نص قانون العفو أو مرسوم العفو صراحة على ذلك.
سابعاً ـ ونوعا العفو يتفقان أخيراً في عدم المساس بحقوق المجني عليه الشخصية.
ثامناً ـ العفو العام يتعلق بالنظام العام. ومعنى ذلك أن العفو العام منحة من المشرع لا يجوز ردها أو التنازل عنها. وإن على القاضي أن يثير مسألة العفو العام من نفسه تلقائياً وإن لم يطلب المدعى عليه في أي درجة من درجات التقاضي أو في أي مرحلة من مراحل الدعوى الجزائية، أي يجوز إثارته أمام محكمة الدرجة الأولى أو أمام محكمة الاستئناف أو أمام محكمة النقض.
([1]) ذهبت محكمة النقض السورية إلى أنه «يتعين على المحكمة الجزائية واضعة اليد على الدعوى يوم صدور قانون العفو العام الاستمرار بنظر دعوى الحق الشخصي، وللمتضرر خلال المهلة المحددة في قانون العفو ممارسة دعواه الشخصية أمام المحكمة ذاتها، التي تنظر بدعوى الحق العام. أما في حال عدم إقامة دعوى الحق العام أو اقترانها بحكم مبرم فإن القضاء المدني يصبح هو المختص بنظر دعوى التعويض» (ج 2775 ق 1251 تا 19/5/1981، م0ج، ف 3479 ص 344).