في كلّ بيئة حياتية (منظومة بيئية) توجد علاقات متبادلة من أنواع مختلفة وتأثيرات متبادلة بين المخلوقات الحيّة، فيما بينها وبينها وبين بيئتها. في الطبيعة عادةً، تعيش إلى جانب كلّ مخلوق أفراد أخرى من نوعه.  على سبيل المثال، عندما يعيش فأر في حقل قمح، من شبه المؤكّد أنّه يعيش في مجتمع فئران أخرى.
مجموعة المخلوقات الحيّة التي تتبع لنفس النوع وتعيش في نفس البيئة تسمّى عشيرة. من المفترض أن يمرّ كلّ فرد في العشيرة بجميع المراحل في دورة الحياة: يولد ويكبر وينجب أفراد نسل ويموت. العشيرة التي ليست مهدّدة بالانقراض يمكنها أن تعيش لفترة طويلة، لكن يمكنها أن تغيّر أبعادها- يمكنها أن تصغر أو أن تكبر. العشيرة مكوّنة من أفراد حديثة السنّ ومسنّة، معافاة ومريضة، ذكور وإناث، ولكلّ عشيرة مميّزات خاصّة بها، مثلاً، تركيبة العمر، كثافة الأفراد لوحدة مساحة، النسبة بين الذكور والإناث وغير ذلك.
ما الذي يؤثّر على حجم العشيرة؟ بالطبع الشروط الحياتية في البيئة التي تعيش فيها: كمّيات الغذاء، الضوء والماء، درجة الحرارة وغير ذلك. عندما تزوّد البيئة جميع احتياجات العشيرة، تكبر العشيرة. لكن إذا تواجدت في البيئة مخلوقات أخرى تنافسها على نفس الموارد، وطرأ نقص، يقلّ عدد الأفراد والعشيرة تصغر.
أحيانًا تتواجد في البيئة جميع العوامل اللازمة لوجودها باستثناء عامل واحد. يسمّى هذا العامل عاملاً محدّدًا، لأنّه يحدّ من تطوّر الأفراد ومن حجم العشيرة. على سبيل المثال، نباتات كثيرة لا تستطيع النموّ في ظلّ أشجار الغابة الكثيفة. صحيح أنّ تربة الغابة خصبة ورطبة، لكنّ كمّية قليلة من الضوء تصل إلى هذه النباتات، ولذلك يعتبر الضوء عاملاً محدّدًا في هذه البيئة.
عندما تكون العشيرة مستقرّة لفترة زمنية معيّنة، رغم التغيّرات التي تطرأ على حجمها بين المرّة والأخرى، تتواجد في اتّزان. يمكن أن يختلّ الاتّزان في أعقاب تغيّرات متطرّفة مثل: موت الكثير من الأفراد بسبب الأمراض، صيد غير مراقَب أو هجرة.
ما هو الاتّزان البيئي؟
لا تعيش كلّ عشيرة مخلوقات حيّة بمفردها في البيئة الحياتية، وإنّما مع عشائر مخلوقات من أنواع أخرى.
تعلّمنا أنّه توجد على سطح الكرة الأرضية بيئات حياتية متنوّعة- في اليابسة وفي البحر (مثل: الغابة، الحرش، شاطئ البحر، الصحراء، ضفّة الوادي، مياه الوادي، مياه البحر الضحلة والعميقة). تختلف الشروط في كلّ بيئة حياتية، ولذلك تعيش في كلّ بيئة عشائر مختلفة ومتنوّعة. على سبيل المثال، يمكن أن نجد في ضفّة الوادي عشائر من دفلة الوديان، القصب، مالك الحزين، الفرفور المنمّر، العلجوم الأخضر، ضفدع الوديان وغيرها.
كما ورأينا أنّه توجد علاقات متبادلة بين عشائر الأنواع المختلفة. على سبيل المثال، تعيش في حقل القمح عشيرة من الفئران، يتعلّق حجمها، من ضمن أمور أخرى، بكمّية القمح (الغذاء)، وكذلك بحجم عشيرة الأفاعي (التي تفترس الفئران). العلاقات المتبادلة من نوع مفترِس- مفترَس قائمة بين الفئران والقمح وبين الأفاعي والفئران.
النسبة بين حجم عشيرة المفترِسات في البيئة وبين حجم عشيرة المفترَسات، تتغيّر مع الزمن. أحيانًا يزداد عدد المفترِسات، وبعد مدّة زمنية معيّنة يزداد عدد المفترَسات بالذات، وهكذا بالتناوب. يمكن تفسير ذلك من خلال المثال التالي: إذا تواجدت في البيئة عشيرة كبيرة من الفئران، فإنّ الأفاعي تتمتّع بكمّية كبيرة من الغذاء، وبالتالي تتكاثر جدًّا. أي أنّ عشيرة الأفاعي تكبر أيضًا. في هذه الحالة يزداد افتراس الفئران، وبعد مدّة زمنية معيّنة تصغر عشيرة الفئران. إلاّ أنّه عندئذ يطرأ نقص على غذاء عشيرة الأفاعي الكبيرة، ولن تستطيع مواصلة التكاثر بوتيرة كبيرة، ومن الممكن أن يموت قسم منها من الجوع. النتيجة: عشيرة الأفاعي تصغر. كلّما صغرت عشيرة الأفاعي، يقلّ افتراس الفئران، وبالتالي فإنّها تتكاثر- عشيرة الفئران تكبر، ومرّة أخرى تتوفّر كمّية كبيرة من الغذاء للأفاعي، وهكذا دواليك.
وبالفعل، إحدى الظواهر التي تميّز العلاقات المتبادلة بين المفترِسات والمفترَسات هي ظاهرة التغيّرات الدورية في حجم عشائرها. هذا التأثير المركَّب للعلاقات المتبادلة في البيئة، يؤدّي عادةً إلى اتّزان المنظومة البيئية وإلى استقرارها. يمكن أن ترافق هذا الاتّزان تغيّرات معتدلة، وبذلك يُحفَظ الاستقرار لفترة طويلة.
البيئة الحياتية التي تحافظ على الاستقرار من ناحية تنوّع عشائر الأنواع وتركيبها، وتُحفَظ فيها العلاقات المتبادلة بين جميع الأنواع، تتواجد في اتّزان بيئي.
في المنظومة التي تتواجد في اتّزان بيئي تتواصل طوال الوقت عمليات انتقال الموادّ والطاقة. تستهلك النباتات الماء والأملاح المعدنية من التربة/ وتنتِج الغذاء في عملية التركيب الضوئي وتكبر وتنمو. الحيوانات التي في البيئة تستغلّ النباتات غذاءً لها. النباتات والحيوانات التي تموت تتحلّل، والمركِّبات التي تبني جسمها تعود إلى البيئة لتستغلّها مخلوقات حيّة أخرى (كما رأينا في دورة الكربون في الطبيعة  ).
ما الذي يمكنه أن يخلّ بالاتّزان البيئي في البيئات الطبيعية؟
يمكن لإعاقات مختلفة أن تخلّ بالاتّزان البيئي في البيئات الحياتية. تكون الإعاقة في الكثير من الحالات مؤقّتة، وبعد فترة معيّنة تعود البيئة إلى وضعها السابق. لكن هناك حالات تتغيّر فيها المنظومة الطبيعية ولا تعود إلى الاتّزان البيئي السابق. يمكن أن ينعكس التغيّر في تغيّر تنوّع الأنواع (يختفي نوع معيّن أو أنواع معيّنة وتحتلّ أنواع أخرى مكانها) أو في حجم عشيرة نوع معيّن أو أكثر. يمكن أن ينعكس التغيّر أيضًا في إلحاق ضرر كبير بالبيئة، عندما تنقرض معظم الأنواع التي تعيش فيها أو حتّى جميعها، وبعد فترة معيّنة فقط تعود لتعيش مخلوقات حيّة فيها.
الإعاقات التي تتسبّب للمنظومات الطبيعية يمكن أن تكون سببها ظواهر طبيعية أو الإنسان.
Previous Post Next Post